وارتبط اسم آريه بالحركة الوطنية المصرية عبر تاريخها الممتد، فهو أحد النشطاء اليساريين في حقبة الرئيس جمال عبد الناصر؛ إذ سجن نحو 11 عامًا مع زملائه في التيار اليساري بالقاهرة، كما عارض الرئيس أنور السادات، خاصة في توقيت التقارب مع إسرائيل، كما أسس جمعية اليهود ضد الصهيونية.

مصريًا خالصًا

الكاتب المصري الدكتور محمد أبو الغار، التقى آلبير آريه، عندما كان يعكف على إعداد كتابه يهود مصر من الازدهار إلى الشتات، وقال آريه لأبو الغار حينها إن جذور عائلته تعود إلى إسبانيا؛ حيث طرد منها عام 1492 ورحل إلى بلغاريا ثم تركيا، وجاء والده لمصر في أوائل القرن العشرين.

ووفقًا لحكاية آريه عن نفسه فإنه استقر في حي عابدين طوال عمره، وتعلم في مدرسة الليسيه، وكان والده يعمل تاجر أدوات رياضية، كما ربطت والده علاقة بالقيادات الوفدية مثل الزعيم سعد زغلول، وإسماعيل صدقي، واختار الوالد أن يتنازل عن الجنسية التركية ويحمل المصرية.

ألبير آريه في شبابه
ألبير آريه في شبابه

لذا اعتبر الرجل نفسه مصريا خالصا، ولم يكن يرى أي تضارب بين كونه مصريًا ينتمي إلى الطائفة اليهودية، وكما يقول الدكتور محمد أبو الغار أن آريه ولد يهوديًا، لكنه كان مصريًا وطنيًا خالصًا، ظل محبًا لمصر، ومؤمنًا بقناعاته السياسية؛ إذ أنه كان يساريًا وعضو في حركة “حدتو”.

ويكشف الدكتور محمد أبو الغار لموقع “سكاي نيوز عربية” أن بعد خروج آلبير آريه من السجن، ابتعد عن السياسة، ورفض أن يهاجر من مصر، ثم اشتغل بتصدير الخضروات لأوروبا، لكنه ظل مشتغلًا بالشأن العام، وبقي حريصًا على إثراء الثقافة المصرية.

ويشير أبو الغار إلى أن آريه كانت ذاكرته حديدية ويحفظ كل الأماكن والمواقف، كما كانت له شبكة علاقات وصداقات واسعة للغاية؛ لافتًا إلى أن أيامه الأخيرة كانت صعبة للغاية، فمنذ عام تعرض للسقوط، وحدث له كسر في عظمة الحوض، وتفاقمت حالته الصحية حتى توفى.

إحياء التراث اليهودي

موقع “سكاي نيوز عربية” تحدث إلى عمر كامل، أستاذ التاريخ والثقافة اليهودية بجامعة إرفورت الألمانية، أحد الأصدقاء المقربين الى أسرة الراحل “آلبير آريه”.

يعود الدكتور عمر كامل، بالذاكرة إلى منتصف التسعينيات عندما بدأ يتعرف في إطار دراسته لتاريخ يهود الشرق العربي الاسلامي، إلى ما تبقى من الأسر اليهودية في القاهرة. وفي جلسة كانت تجمعه بالسيدتين ماجدة و نادية هارون، ابنتا المناضل المصري شحاتة هارون، تعرف إلى مسيو آلبير.

ويضيف كامل أن آلبير آريه كان “دمث الخلق حتى عندما كنا نختلف، كانت انفعالاته في منتهى اللطف.. بعد ذلك تعمقت علاقتنا، خاصة أنه كان يأتي إلى ألمانيا كثيرًا لأعمال تجارية”.

وتابع: “مسيو آلبير كان يرى ضرورة أن يدرك الجيل الحالي من الشباب المصري أن اليهود ليسوا إسرائيل، وكنت أشاركه هذا الرأي، فمصر كانت دائمًا بيت من لا بيت له، أتى من أتى إليها؛ يهود، يونانيين، أكراد، أرمن، إيطاليين، وغيرهم من الأجانب الذين استقروا في مصر، الجميع ينصهر في بوتقة أم الدنيا”.

ويتابع أستاذ التاريخ والثقافة اليهودية: “من الأشياء التي كانت تجمعني بمسيو آلبير هو حرصه المحافظة على التراث الديني اليهودي كجزء من تراث وتاريخ مصر. كانت وصيته التي يكررها طوال الوقت هي أهمية المحافظة على هذا التراث، وتعريف الأجيال المصرية الحالية والقادمة بهذا التراث؛ إذ كان يخشى أن يعرض هذا التراث في أوروبا”.

وللحفاظ على الحلم المشترك مع مسيو آلبير يقول كامل: “أسسنا مجموعة يهود مصر في فيسبوك، والجهود لا تزال ممتدة لإنشاء مركز ثقافي يعيد إحياء التراث اليهودي في مصر، ويعلم الأجيال الجديدة هذا التراث، حتى لا يأتي أحد من الخارج يدعي أن مصر لا تستطيع الحفاظ على هذا التراث”.

وعن مآثر الراحل، يقول كامل إن مسيو آلبير كان لديه بُعد إيجابي في التفكير؛ إذ كان دائمًا يرى الجوانب الإيجابية من كل حدث حتى لو كان محنة صعبة، فعندما كان يحكي عن الفترة التي سُجن فيها 11 عامًا، كان يتذكر كيف كان يعلم المساجين اللغة الفرنسية، في تلك الأيام.

ويختتم الصديق المقرب إلى آلبير آريه حديثه، قائلًا: “آخر مرة التقيت مسيو آلبير كان في عيد رأس السنة اليهودية في المعبد اليهودي منذ نحو عامين، لكنه كان الفترة الأخيرة يعانى مع المرض، لم أتخيل أن أرى مسيو ألبير مريضًا خاصة أنه كان دائم الشباب والحيوية، لكنه انزوى آخر ستة أشهر تحت وطأة المرض”.