أزمات الاقتصاد والسياسة رافد يغذي التهريب في تونس – مصدر24

أزمات الاقتصاد والسياسة رافد يغذي التهريب في تونس

تكشف ظاهرة التهريب في تونس عن معادلة صعبة بين تجارة موازية لسلع مهربة من البلدان الحدودية يقتات منها صغار التجار، وبين شبكات وعصابات تنخر المنظومة الاقتصادية من خلال المتاجرة بمنتجات ممنوعة وخطيرة وموادّ مدعومة، ما سبب ضررا كبيرا للمنتج المحلي على غرار البنزين المدعّم وصناعة السجائر.

تونس – غذت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس تنامي التهريب حيث عمق غلاء المعيشة والفقر إقبال الناس على السوق الموازية، بينما كشفت حالة التشعب السياسي عن ارتباط سياسيين وأصحاب نفوذ بشبكات تهريب، ما منح المهربين حاضنة سياسية تحمي مصالحهم.

ورغم عدم ملاءمتها لشروط الصحة والسلامة تجد السلع المهربة أرضية خصبة للانتعاش داخل المناطق الحدودية وحتى في بعض الولايات (المحافظات) المجاورة نظرا إلى انخفاض أسعارها مقارنة بالسلع في السوق الرسمية.

ويكبّد التهريب الدولة خسائر تقدر بالمليارات سنويا حيث تتخذ شبكات المهربين المسالك الحدودية منافذ لها لتهريب السلع مستغلة ضعف الرقابة في بعض الأحيان والفساد والرشوة أحيانا أخرى.

وشهد التهريب على الحدود البرية التونسية، تطورا كبيرا بتحوّل الظاهرة من التهريب العشوائي باجتياز الحدود، إلى التهريب المنظم لفائدة أباطرة التهريب على الحدود.

وبعد أن اقتصر التهريب سابقا على جلب السلع للقوت اليومي، من أجل الأسر المقيمة على تخوم الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا، والحدود الغربية مع الجزائر، أصبح اليوم يشمل الممنوعات الأدوية والمخدرات والبنزين والسجائر.

وتسبب تهريب هذه المواد في كساد المنتج المحلي وضرب مقوّمات الاقتصاد فيما تفيد المؤشرات بأن السلطات بدأت فعلا تفقد التحكم في بسط قبضتها على المنافذ الحدودية بعد فشلها في كبح تحركات هذه الشبكات ممّا طرح شكوكا وتساؤلات حول حاضنة سياسية تغذيها.

سامي العوادي: حاضنة اجتماعية وسياسية تعزز وجود التهريب

وفي هذا السياق اعتبر الخبير الاقتصادي سامي العوادي في تصريح لـ”العرب”، أن “هناك حاضنة اجتماعية وسياسية تعزز وجود هذه الظاهرة التي تعود بالوبال على الاقتصاد المحلي، فضلا عمّا تسببه من خسائر”.

وتابع الخبير “لا يوجد مجهود وطني حثيث وواضح لمقاومة ظاهرة التهريب، وأصبحت تطرح بشكل معقد وبعد أن كانت عمليات يقوم بها صغار التجار، اتخذت نطاقا أوسع”.

وأضاف العوادي “أن التهريب يتجاوز المواد البسيطة ويقف وراءه بارونات فساد وأذرع سياسية، ولم تتناول الحكومات المتعاقبة الظاهرة بالعزيمة الكافية لمعالجتها”.

وبرأي العوادي “هناك خلل هيكلي قبل سنة 2011، حيث كانت الفئة التي تمارس الظاهرة قليلة العدد والسلطة تغض النظر عنها، لأن جل المهربين كانوا يقومون بدور المخبرين”.

ويعدّ التهريب من أكثر القطاعات غير القانونية النشيطة، من خارج الحدود وإلى داخلها، وتشمل جميع أشكال السلع وأنواعها، من بنزين وتجهيزات إلكترونية وأغذية معلبة ومستلزمات منزلية، علاوة على التهريب الثقيل للأسلحة والمخدرات والمجوهرات والمرجان.

وعجزت حكومات ما بعد 2011 على التصدي للتهريب ومواجهته، واعتبر الخبير الاقتصادي “أنه أصبح قطاعا قائم الذات وتجارة اتسعت رقعتها لتمتدّ إلى السلع الاستهلاكية اليومية”.

ومن أهم المواد التي يتم تهريبها من تونس في اتجاه ليبيا والجزائر، ذكر الخبير “الحليب والعجين والمواد الغذائية المختلفة، فضلا عن اللحوم والأبقار والخضر والغلال”.

الصادق جبنون: غياب التنمية في المناطق الحدودية غذى التهريب

أما بخصوص المواد التي تُهرّب إلى تونس فتتمثل في “السجائر والبنزين والحديد ومختلف المواد الاستهلاكية”، واصفا تهريب السجائر بـ”الفضيحة”، ما أدّى إلى تفاقم خسائر شركة التبغ والوقيد التونسية.

وتُعَدّ مقاومة التهريب والتصدي للمهربين، شغلا يوميا للوحدات العسكرية والأمنية والجمارك، غير أنّ الصدام بين المهرّبين والقوات العسكرية، احتدّ خلال السنوات الأخيرة بحكم كثافة انتشار الجيش على الحزام الحدودي، ومضاعفة جهود الوقاية من الإرهاب، ولمنع تسلّل الإرهابيين.

وأفاد الخبير الاقتصادي الصادق جبنون في تصريح لـ”العرب”، “أن التهريب ظاهرة متوقعة باعتبار الحدود البرية الممتدّة لتونس مع الجزائر وليبيا”.

وأضاف جبنون “تونس تتميز بأعلى نسبة ضغط جبائي في أفريقيا مع غياب التنمية في المناطق الحدودية، من الطبيعي أن يلتجئ السكان إلى التهريب، فضلا عن وجود عقلية خاطئة تمتد على 30 سنة وتقوم على أن تونس دولة جبائية”.

وتابع “الفراغ دائما يملأه ما هو مواز، ولا بدّ من مقاربة جديدة، لأن تونس تحتل المرتبة 128 في الحرية الاقتصادية العالمية والمرتبة 22 في القارة الأفريقية، ما يعني غيابا كبيرا للحريات”.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “أبرز المواد المهربة تتمثل في المواد الغذائية والتجهيزات وتجارة العملة الصعبة نظرا إلى غياب سوق عملة في تونس”.

وتعدّ السجائر من أكثر السلع المهربة في تونس ففي الثمانية أشهر الأولى من سنة 2019 قدرت قيمة المحجوزات من السجائر 18 مليون دينار، ويعد تهريب السجائر 40 في المئة من المعاملات التجارية في إطار التجارة الموازية.

وتتصدر محجوزات السجائر على المستوى الوطني كلّ من ولاية (محافظة) مدنين وتطاوين (جنوب) وتقدر بـ70 في المئة من المحجوزات، وتليها في المرتبة الثالثة تونس الكبرى (العاصمة وضواحيها) ثمّ كلّ من بنزرت ونابل (شمال).

وأبرز تقرير التفقد النهائي لهيئة الرقابة العامة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية حول التصرف في الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد الصادر في يونيو 2020، أن تهريب السجائر انعكس سلبا على الوكالة الوطنية للتبغ وأدى إلى خسائر مادية كبيرة.

وأشار التقرير إلى أن “الوكالة سجّلت نتائج مالية سلبية من 2010 إلى 2014 وصل مجموعها إلى ما يفوق 136 مليون دينار”.

وكشف التقرير أيضا أن تهريب السجائر في إطار السوق الموازية مثل أكثر من 50 في المئة من سوق مواد الاختصاص ما أدى الى تراجع في عائدات ميزانية الدولة بما لا يقل عن 500 مليون دينار سنويا.

وتعددت محاولات تهريب المخدرات والقنب الهندي في تونس حيث يعتمد المهربون على طريقة ابتلاع الكبسولات (الأسطوانات) لتسهيل تهريبها عن طريق المطارات.

وتعد حركة تجارة المخدرات من أكبر الأسواق السوداء في تونس، حيث تتعدد عمليات تهريبها ويلجأ المهربون إلى المطارات وإلى المناطق الحدودية غير مبالين بخطورتها.

وعلى الرغم من فرض إجراءات مشددة على الحدود التونسية وانتشار فايروس كورونا لم يكن هذا الطارئ الصحي رادعا للمهربين إنما استغل البعض الأزمة الصحية لمواصلة تهريب السلع والمنتجات الغذائية.

ولم تنجح القوات الأمنية والإجراءات الحكومية بالمناطق الداخلية في التصدي لهذه الظاهرة التي كبدت تونس خسائر اقتصادية كبيرة.

'