عادت قضية المرتزقة السوريين في ليبيا، الذين أرسلتهم تركيا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق الداعمة لها إلى الواجهة، بعد خروج العشرات من المرتزقة في طرابلس في مظاهرات تنديدا بمماطلة قادة الفصائل في تسليمهم رواتبهم، فيما ينشغل النظام التركي بالمزيد من تأجيج الأوضاع في البلد بالعمل على تقويض جهود التسوية.
طرابلس- طالب مرتزقة الفصائل الموالية لتركيا، الذين ما زالوا يقاتلون مع ميليشيات حكومة الوفاق في ليبيا، أنقرة بتسليمهم مستحقاتهم المادية مباشرة، وسط استياء مُتصاعد في صفوفهم.
ونشر نشطاء ليبيون مقطع فيديو يظهر الاحتجاجات التي شارك فيها العشرات من المرتزقة السوريين، الذين تظاهروا وسط أحد المعسكرات مؤخرا، داخل كلية الشرطة في العاصمة الليبية لعدم حصولهم على مستحقاتهم المالية لمدة خمسة أشهر.
ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإنّ قادة الفصائل كفرقة الحمزة وسليمان شاه والجبهة الشامية ولواء المعتصم، يعمدون إلى المماطلة في تسليم رواتب المقاتلين، ولم يكتفوا بذلك فحسب، حيث يتم اقتطاع مبالغ مالية من رواتبهم الشهرية تتراوح بين 100 إلى 300 دولار أميركي، فضلا عن المتاجرة برواتبهم لبعض الوقت.
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمان “إن تأخر الرواتب جعل المرتزقة في حالة تململ كبيرة، لاسيما بعدما كانوا ينتظرون العودة إلى بلدهم سوريا بعد حصول التوافق الليبي في الآونة الأخيرة”.
وأوضح عبدالرحمان أن قادة الفصائل يعمدون إلى المماطلة في تسليم رواتب المرتزقة، على غرار اقتطاع مبالغ مالية من رواتبهم الشهرية تتراوح بين 100 إلى 300 دولار أميركي، للمتاجرة بها وهو أحد أهم أسباب تأخير التسليم، وسط مطالبة المقاتلين للأتراك بتسليمهم رواتبهم مباشرة بدلا من التسليم عبر القادة.
وأشار المرصد السوري قبل أيام، إلى أن قضية تواجد المرتزقة السوريين في ليبيا تعود إلى الواجهة، ولاسيما في ظل تعليق الملف من قبل الحكومة التركية، التي حولت المقاتلين إلى مرتزقة وأرسلتهم إلى هناك، على الرغم من التوافق الليبي.
وحسب المرصد السوري يوجد 7000 مرتزق سوري في ليبيا. كما بلغ تعداد قتلى المرتزقة من الفصائل السورية الموالية لأنقرة في ليبيا 496 قتيلا. ولا تزال عودة مقاتلي الفصائل من ليبيا إلى سوريا متوقفة منذ منتصف نوفمبر الماضي من العام الجاري، وسط أنباء عن عودة دفعات منهم مطلع العام 2021.
ويعزز إيقاف تركيا لعملية عودة المرتزقة الذين أرسلتهم للقتال في ليبيا، الشكوك حيال نيّة أنقرة عرقلة جهود التسوية في البلاد، لاسيما أنها مددت مؤخرا مهمة قواتها في طرابلس إلى 18 شهرا، علاوة على استفزازات أخرى تقوم بها أنقرة لتقويض العملية السياسية.
وأججت زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار مؤخرا لطرابلس الأوضاع مجددا وسط استمرار تدفق شحنات الأسلحة نحو حكومة الوفاق.
والتقى أكار عددا من المسؤولين في حكومة الوفاق، التي تتمركز في العاصمة طرابلس. وكان الهدف هو تثبيت اعتماد هذه الحكومة على الدعم التركي خاصة بعد أن نجحت أنقرة في استبقاء رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في منصبه، وتجنبت صعود شخصيات معارضة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
ويرى المراقبون أن تركيا تعمل على تقويض جهود التسوية بهدف توسيع نفوذها في البلد، مستفيدة من حالة الغموض بشأن مصير اتفاق وقف إطلاق النار، والتحضير لحل سياسي بين الفرقاء الليبيين، وذلك بسبب انشغال الولايات المتحدة التي رعت هذا الاتفاق، بانتقال السلطة في الداخل.
وكان أطراف الصراع في ليبيا: حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، قد توصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي بعد أكثر من عام ونصف العام من القتال.
وأعادت تحركات عسكرية تركية غير مسبوقة برّا وبحرا وجوّا أجواء التوتر للمشهد الليبي، وعزّزت من مخاوف وجود خطة لإجهاض الاتفاق الأممي تمهيدا لتفجير الاقتتال ونسف الحوار السياسي بين طرابلس وبنغازي عبر أدوات أنقرة في ليبيا بما يخدم مصالحها وأجنداتها التخريبية.
وفي أواخر ديسمبر الماضي، أعلن الجيش الوطني الليبي رصد ميليشيات مدججة بالسلاح التركي وتهدد شرق ليبيا بالكامل. وتزامن هذا الخرق التركي الجديد لأمن ليبيا مع مصادقة البرلمان التركي مذكرة تقضي بتمديد نشر عسكريين في ليبيا لثمانية عشر شهرا.
وحذر مايكل روبين الباحث المقيم في معهد أميركان إنتربرايز بواشنطن، في صحيفة ناشيونال إنترست في تصريحات سابقة، من أن وكلاء تركيا الإسلاميين في المنطقة ليسوا مشكلة عسكرية فحسب، بل إنهم يعرقلون الدبلوماسية في البلدان، التي يتواجدون فيها.
تركيا تعمل على تقويض جهود التسوية بهدف توسيع نفوذها في البلد، مستفيدة من حالة الغموض بشأن مصير اتفاق وقف إطلاق النار
وقال روبين “إن الميليشيات السورية المدعومة من تركيا تقوض الجهود المبذولة لتحقيق وقف ناجح لإطلاق النار ومنح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ميزة دبلوماسية في أي مفاوضات”. وأردف أنّه “بمجرد إدخالهم في المنطقة، سيكون من الصعب على المجتمع الدولي إجبارهم على المغادرة”.
وزجّ نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالآلاف من المرتزقة إلى ليبيا، وأغلبهم من السوريين، واستخدمت أنقرة المرتزقة لدعم ميليشيات حكومة الوفاق، في معاركها أمام قوات الجيش الوطني الليبي.
ويأمل النظام التركي من خلال إغراق ليبيا بالمرتزقة في وضع يده على الجزء الأكبر من ثروات هذا البلد ونفطه، بيد أن طموحاته اصطدمت بجهود الجيش الوطني الليبي الذي يعد الليبيين بتحرير بلدهم من الإرهاب وسطوة الميليشيات والتدخلات الخارجية.