أزمة سد النهضة الإثيوبي تضع مصر أمام خيارات صعبة – مصدر24

أزمة سد النهضة الإثيوبي تضع مصر أمام خيارات صعبة

القاهرة – يبدو أن القاهرة بدأت تتعامل مع مشروع سد النهضة على أنه أمر واقع، وتحاول مجابهة انعكاساته ضمن خطط أوسع للتعامل مع مشكلات داخلية تقود إلى زيادة معدلات العجز المائي، غير أنها في المقابل ترى ضرورة الوصول إلى اتفاق مع أديس أبابا وغلق الباب أمام أي محاولات مستقبلية لتشييد سدود أخرى من دون اتفاقات مُلزمة.

وتشير تقديرات حكومية إلى أن الاستثمارات الموجهة لمجالات المياه تقدر بنحو 60 مليار دولار حتى العام 2037، ومتوقع أن تبلغ 90 مليار دولار، ما بين خطط تبطين المصارف (تأهيل قنوات التصريف)، التي تعتمد على نهر النيل، وإنشاء محطات تحلية مياه البحر، والمياه الجوفية، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي واستخدام تقنيات حديثة للزراعة، بجانب الإنفاق على حملات التوعية.

واستعرض وزير الري والموارد المائية، محمد عبدالعاطي، الاثنين الماضي، أمام البرلمان خطة وزارته لمواجهة تحديات شح المياه، واعتبر أن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة يأتي على رأس العوامل التي تهدد مستقبل المياه، في ظل الاعتماد على مياه نهر النيل بنسبة 97 في المئة، ما يمثل مصدر قلق رئيسي، علاوة على تداعيات الزيادة السكانية والتغيرات المناخية.

وتحتاج مصر إلى 114 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، والمتاح حاليا 60 مليار متر مكعب، مع إعادة استخدام 20 مليار متر مكعب، ما يفرض تدشين مشروعات الري الحديث، وتبطين المصارف الداخلية، وتشديد إجراءات الاستفادة من مياه السيول والأمطار.

محاصرة تداعيات سد النهضة

نادر نورالدين: تحرك الحكومة يأتي تحسبا لتداعيات السدود على نهر النيل

تؤكد دوائر حكومية، أن خطط التطوير الجارية في مشروعات المياه لا تعني التسليم برؤية إثيوبيا الحالية، فلا مجال للتراجع عن الوصول إلى اتفاق مهماً طالت فترة المفاوضات أو تعددت الوساطات.

ولدى القاهرة من المرونة ما يجعلها ماضية في طريق المباحثات، وهي تسير في مسارات تكثيف الضغوط الإقليمية على أديس أبابا عبر أدواتها الدبلوماسية، ومن خلال زيادة حجم التنسيق مع الجانب السوداني.

وقال أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة، نادر نورالدين، إن التحركات المصرية في مجالات المياه تأتي تحسباً لمستقبل أكثر غموضاً بشأن تداعيات السدود على نهر النيل، وسط تعقيدات مسارات التفاوض مع أديس أبابا.

وأضاف نورالدين لـ”العرب، إن “الحكومات السابقة في مصر لم تنخرط بشكل كاف في البحث عن حلول سريعة لأزمات شح المياه التي أضحت مهددة لحياة الملايين، ما يفرز حاجة ملحة لتوفير المياه بكافة السبل وبأسرع الطرق الممكنة”.

ويشير الواقع إلى أن إثيوبيا لن تقبل بأي اتفاق، لأن هناك سدودا تخطط لإقامتها على النيل الأزرق، ولا تريد الالتزام بحصص مائية أو اتفاقات تلزمها بإشراك القاهرة والخرطوم في إدارة سدودها، وترفض أن تكون طرفاً مهزوماً في المفاوضات الحالية.

وتوقع نورالدين، أن تخسر مصر والسودان 12 مليار متر مكعب سنوياً من تدفقات النيل الأزرق، تخصم مناصفة بين البلدين، وتتوزع ما بين ملياري متر مكعب فاقد توربينات سد النهضة، و5 مليارات متر مكعب من مياه التبخر في بحيرة التخزين التي تتسع إلى 74 مليار متر مكعب، و5 مليارات متر مكعب من فاقد التصرف العميق.

ويمكن تعويض هذه المياه من خلال إجراءات الترشيد، لكن الأمر بحاجة إلى سياسات طويلة المدى للتعامل مع أزمة شح المياه بشكل عام.

آليات متنوعة

ضياءالدين القوصي: مصر تستخدم المياه بحذر شديد، وبإمكانها التعامل مع الأزمة

تعمل الحكومة على خلق رأي عام داعم لخطواتها نحو استراتيجيات ترشيد المياه، وباتت تعطي بعداً قومياً للمشروعات التي تدشنها في هذا المجال، غير أنها تواجه بموروثات ثقافية لدى فئات عديدة مازالت تعتقد أنها في معزل عن أي أزمة، وترى أن تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها أنظمة سابقة في مفاوضات سد النهضة، يأتي من ضرورة إرغام إثيوبيا على عدم الإضرار بحصة مصر من نهر النيل.

وتشير تقديرات الأجهزة الإحصائية إلى أن عدد السكان سيبلغ 132 مليون نسمة بحلول 2030، ما يجبر الحكومة المصرية على اتباع سياسة رشيدة لتنمية الموارد المائية، مصاحبة بخطط محكمة لتوفير المياه. وكان من نتائج ذلك الشروع في مشروعات لتحلية المياه التي بدأت القاهرة في تدشينها منذ العام 2014 لتوفير مليار متر مكعب سنوياً .

ووجهت الحكومة استثمارات كبيرة نحو إنشاء وحدات معالجة مياه مخلفات الصرف الزراعي والصحي والصناعي في جميع المحافظات، وهناك تعليمات رئاسية بعدم صرف مياه النيل إلا بعد معالجتها ثلاثياً لتوفير 20 مليار متر مكعب من المياه مستقبلا تصلح لاستخدامها في الزراعة.

وعقدت وزارة الإنتاج الحربي المصرية أخيراً اجتماعا مع مجموعة “روس نانو” الروسية لتوطين تكنولوجيا الإنتاج المحلي، وتصنيع أدوات محطات تحلية المياه، واتجهت الحكومة للدخول في شراكات مع مصانع روسية لإنشاء محطات ضخمة لتحلية مياه البحر، ويجرى تنفيذ 19 محطة تحلية جديدة بسعة إنتاجية تصل إلى 550 ألف متر مكعب يوميا.

وسلط الرئيس عبدالفتاح السيسي الضوء على مشروع تبطين 20 ألف كيلومتر من المصارف بحلول العام المقبل، وكان مقررا الانتهاء من المشروع بعد عشر سنوات، وهو أحد مشروعات تطوير البنية التحتية وتصل تكلفته إلى 40 مليار دولار.

وأوضح نورالدين، لـ”العرب”، أن المشروع يوفر 10 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، بعد أن كانت الترع والمصارف المصرية تؤدي إلى إهدار ما يقرب من 30 في المئة من حجم المياه التي تمر بها، لأن بعض الترع الطينية تؤدي إلى تسرب عميق للمياه التي تأتي من السد العالي في جنوب مصر، وتصل محافظات الدلتا شمالاً.

ولمشروع تبطين الترع والمصارف عوائد إيجابية على مستوى الزراعة، إذ يضمن وصول المياه إلى نهاياتها في فصل الصيف، ومن عوائده زيادة إنتاجية ما لا يقل عن 250 ألف فدان من الأراضي الطينية.

موروثات زراعية

Thumbnail

تواجه مصر أزمات عديدة على مستوى تغيير سياساتها الزراعية، لأن علاقة الوزارة بالمزارعين ليست في أفضل حال، وهناك أزمة عدم ثقة متبادلة بين الطرفين، وتجد الحكومة صعوبات في إقناعهم بالتحول إلى الري الحديث، بعد أن قدمت لهم تسهيلات مالية لشراء الآلات والمعدات، ويمكن سداد قيمتها على فترات تتراوح بين 5 و10 سنوات، لكن نقابات الفلاحين تصر على أن تتحمل الحكومة تلك التكلفة.

وتعتبر الزراعة المستهلك الرئيسي للمياه بنسبة 81 في المئة، والاستخدمات المنزلية بنحو 14 في المئة، بينما لا تستهلك الصناعة سوى 1.57 في المئة، ويشكل الفاقد بالتبخر من النيل والمسطحات المائية الأخرى نسبة 3.27 في المئة من إجمإلى الاستخدامات.

وبدأت الحكومة بالفعل في إحداث تحولات جذرية في سياساتها، بعد أن قلصت مساحات زراعة الأرز ليكفي فقط احتياجات المواطنين من دون تصديره للخارج، وتوسعت في إتاحة زراعة المحاصيل السكرية في بنجر السكر وليس قصب السكر من غير مساس بالمساحة الحالية.

ومن المقرر أن تتقلص مساحات زراعة الموز، على أن يقتصر فقط على زارعة الموز الشتوي، واستبعاد الصيفي، الذي يكون سريع التلف ويكبد المزارعين خسائر مالية، ويؤدي إلى زيادة إهدار المياه، مع الاهتمام بالمحاصيل ذات الأوراق العريضة، مثل الكرنب والقلقاس والأعلاف.

ولدى دوائر حكومية خطط مستقبلية لاستخدم المياه المحلاة من الصرف الصحي في زراعة المحاصيل التصديرية، بما يؤدي إلى تغطية التكلفة الباهظة للتحلية، وإمكانية توفيرها للمصانع التي قد تلجأ إليها بنسب أقل من المحاصيل الزراعية.

وأوضح مستشار وزير الري الأسبق، ضياءالدين القوصي، أن مصر تقوم بإعادة تدوير كل متر من المياه ثلاث أو أربع مرات قبل أن يتم تصريفها إلى البحر المتوسط، بعد أن تصبح مياه عتمة لا يمكن الاستفادة منها، وهناك محاولات حالية لتكثيف عمليات التدوير من خلال معالجة المياه مع زيادة معدلات العجز التي تصل إلى 70 في المئة.

وأكد القوصي لـ”العرب”، أن مصر تستخدم المياه بحذر شديد، وهي تستهلك نحو 20 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، تشكل 50 في المئة من مواردها الغذائية، في ري زراعات القمح والذرة وغيرها من المنتجات التي تتطلب استخدامات كثيفة من المياه، وتطبق أقصى درجات التوفير على المستوى التقني.

وأشار إلى أن مصر لديها ميزة نسبية تجعلها أكثر قدرة على التعامل مع أزمات شح المياه من خلال التحلية، عبر المياه الجوفية التي تتوفر لديها بكميات كبيرة، وهي مياه لا توجد بها نسب الأملاح الموجودة في مياه البحار، ولا تتطلب تكاليف باهظة، إضافة إلى توافر الطاقة المتجددة، التي تستخدم في عمليات تحلية المياه.

 

Thumbnail
'