أزمة مسلسل “الملك أحمس”.. السياسة تنتصر على الفن – مصدر24

أزمة مسلسل “الملك أحمس”.. السياسة تنتصر على الفن

طرح وقف بث مسلسل “الملك – كفاح طيبة”، الذي يتناول قصة الملك الفرعوني أحمس ونجاحه في طرد الهكسوس، الكثير من التساؤلات حول الهدف من منع العمل الدرامي الرمضاني، خاصة أن الانتقادات الموجهة إلى المسلسل قبل بثه ركزت في جانب كبير على تصورات قائمة على أسس تاريخية وليست فنية، واهتمت بالشكليات التي ظهرت في الإعلان الترويجي للمسلسل.

شكل رضوخ الشركة المنتجة لمسلسل “الملك أحمس” لحملات اعتراض واسعة استهدفت المسلسل قبل عرضه تحت ذريعة تضمنه أخطاء تاريخية جسيمة، انتصارا للسياسة على الفن بعد قرار وقف تصويره إلى أجل غير مسمى.

وجاء قرار إيقاف التصوير استجابة لضغط شعبوي استغل نجاح حفل موكب المومياوات الأخير باعتبار أن المسلسل يسيء إلى تاريخ مصر ورموزها الوطنية، ما يحوّل الرسالة المفترضة للعمل الدرامي إلى رسالة شديدة السلبية.

يرى البعض أن استدعاء شخصية الملك أحمس، البطل المصري الذي طرد الهكسوس من مصر في القرن السادس عشر قبل الميلاد، واعتماده على جيش وطني قوي ومنظم، ونجاحه في بناء مشروعات عمرانية وتنمية شاملة، يتشابه مع الظروف الحالية لمصر وهي تواجه مخاطر الإرهاب وتحديات إقليمية دقيقة، وتبني في الوقت ذاته مشروعات تنموية كبرى.

وتحوّلت صورة أحمس إلى مادة للسخرية على صفحات التواصل الاجتماعي بعد انتقادات وجهت من المؤرخين وخبراء الآثار إلى المسلسل بمجرد إذاعة الإعلان الترويجي الخاص به، الأمر الذي دفع بجهات حكومية غير فنية إلى التدخل لتجميد العمل.

ويقوم ببطولة المسلسل عمرو يوسف وماجد المصري وريم مصطفى، وهو من إخراج حسين المنباوي، وسيناريو وحوار خالد محمد وشيرين دياب. والعمل مقتبس من رواية “كفاح طيبة” للأديب المصري الراحل نجيب محفوظ.

دراما لا تاريخ

أعمال فنية عربية تناولت أحداثا تاريخية في الوصول إلى الجمهور بعد التحرّر من قيود التوثيق التاريخي، وذلك قبل ظهور تيار التاريخ الافتراضي في الأدب والدراما

يصرّ منتقدو مسلسل “الملك أحمس” على بناء تصوراتهم الناقدة للعمل على أسس تاريخية وليست فنية، حيث لم يشاهد أحد منهم العمل بعد. وفي خضم الجدل الدائر حول المسلسل لم يلتفت هؤلاء إلى نمو تيار عالمي جديد في مجالات الدراما والأدب والفنون يقدم الفن كرؤية خاصة اجتهادية غير خاضعة لحوادث الزمن.

وتعبر تلك الرؤية عن المبدعين أنفسهم بتحرر كامل من القيود وهو ما بدا واضحا في كثير من الأعمال الدرامية العالمية التي لاقت استحسانا لدى الجمهور في السنوات الأخيرة.

ونجد في المسلسل الأميركي “الرجل في القلعة العالية” الذي تم إنتاجه سنة 2015 أن التاريخ كان مرويا بأسلوب عكسي إلى درجة أنه جرى تصوير انتصار قوات المحور في الحرب العالمية الثانية على قوات الحلفاء، وتقسيم الولايات المتحدة إلى ثلاث دول مختلفة. والمسلسل، الذي سجل أعلى مشاهدات في تاريخ أمازون، مستوحى من رواية للكاتب الأميركي فيليب ديك.

كما نجد في مسلسل “الأشرعة السوداء”، الذي تم إنتاجه عام 2014 ومقتبس من رواية “جزيرة الكنز” للكاتب روبرت لويس ستينفنسون، أن مجموعة من القراصنة المبحرين من جزر الباهاما يلتقون بشخصيات تاريخية شهيرة كان لها وجود حقيقي في تصور افتراضي خيالي للبحث عن كنز ثمين.

ونجحت أعمال فنية عربية تناولت أحداثا تاريخية في الوصول إلى الجمهور بعد التحرر تماما من قيود التوثيق التاريخي، وذلك قبل ظهور تيار التاريخ الافتراضي في الأدب والدراما.

ويحتوي فيلم “الناصر صلاح الدين” للمخرج المصري يوسف شاهين، الذي تم إنتاجه سنة 1963 على وقائع وأحداث لا علاقة لهما بالتاريخ، على الرغم من أن أدباء وكتّابا كبارا شاركوا في كتابة الفيلم وساهموا في معالجته الفنية مثل نجيب محفوظ ويوسف السباعي وعبدالرحمن الشرقاوي ومحمد عبدالجواد.

كما كانت في الفيلم شخصيات عديدة أعيد رسمها لتظهر للمشاهد مثل شخصية عيسى العوام باعتباره قائدا مسيحيا في جيش صلاح الدين، ناهيك عن قصة خيانة والي عكا، وقيام صلاح الدين بالتنكر في زي طبيب لعلاج الملك ريتشارد قلب الأسد، وغيرها من المشاهد التي بدت ممتعة دراميا بغض النظر عن حدوثها في التاريخ.

وكان الأمر ذاته في فيلم “الرسالة”، الذي صدر عام 1976 للمخرج السوري مصطفى العقاد، حيث تناول جانبا من جوانب البعثة النبوية من خلال شخصية حمزة عم النبي محمد (ص)، وتضمن العمل وقائع درامية لا علاقة لها بالتاريخ الحقيقي مثل إسلام أبوطالب عم النبي، وإظهار المسلمين بلحى خفيفة ورجال قريش بلحى غزيرة، فضلا عن تقديم جوانب إنسانية متخيلة تعبر عن قناعات منتجي الفيلم وتصوراتهم، ومع ذلك حقق الفيلم نجاحا على المستوى الفني.

ويرى البعض أن الإبداع قد يُلزم صاحبه بتقديم رؤية اجتهادية نابعة من تصوراته حتى لو تناقض ذلك مع علم التاريخ باعتبار أن العمل الفني ليس تأريخا وتوثيقا وتسجيلا لأحداث ماضية.

انتقادات شكلية

Thumbnail

لم ينته تصوير مسلسل “الملك أحمس” ولم يقع عرضه بعد ليتسنى توجيه انتقادات فنية للعمل، فمعظم الاتهامات الموجهة إلى المسلسل شكلية وتتضمن نقدا لاختيار الفنان عمرو يوسف لأداء دور الملك رغم عدم وجود تشابه في الملامح بينهما.

وتكشف التماثيل الباقية للملك أحمس أن ملامحه أقرب إلى الملامح المصرية الخاصة بأهل الصعيد سواء بالوجه النحيل أو اللون الأسمر والعينين السوداوين والشفتين الغليظتين وهو ما يرشح ممثلين آخرين لهم تلك الصفات والملامح مثل عمرو سعد أو آسر ياسين.

الإبداع الفني يُلزم صاحبه بتقديم رؤية اجتهادية نابعة من تصوراته حتى لو تناقض ذلك مع علم التاريخ

وظهر عمرو يوسف في كافة المشاهد بلحية كثة مناقضا تماما لرفض المصريين القدماء لإطلاق اللحى واقتصار ظهورها لدى البعض على اللحية المستعارة خلال الاحتفالات الخاصة.

ويقول شريف عثمان المحاضر بكلية الآثار في جامعة القاهرة لـ”العرب” إن المصريين القدماء كانوا يعتبرون اللحية رمزا للهمجية وعدم النظافة، وأن انتشار البراغيث في زمن الهكسوس كان دافعا لأفراد الشعب أنفسهم للقيام بحلق لحاهم وشواربهم.

ويضيف أن النقوش المصرية القديمة وتماثيل الملوك لم تقدم شخصا واحدا له لحية أو حتى شارب سوى الملك منكاورع الذي كان له شارب خفيف.

ويوضح أن أحمس نفسه ظهر في الإعلان الترويجي للمسلسل مرتديا تاج ملك شمال مصر وليس جنوبها كما هو معروف في السياق التاريخي الصحيح، إضافة إلى ظهور تماثيل ضمن ديكورات المشاهد لشخصيات لم تكن موجودة في ذلك الزمن وإنما تعود إلى زمن الأسر الأولى وتحديدا عهد الملك منكاورع رغم وجود فارق زمني يصل إلى تسعمئة عام بين العصرين.

ووجهت انتقادات أيضا إلى تصميم الملابس التي يعتبرها خبراء الآثار لا علاقة لها بالعصر المراد الحديث عنه في المسلسل، على الرغم من وجود مصممي ملابس محترفين ومتخصصين في ملابس الفراعنة. ويرى البعض أن كل ذلك كان من الممكن معالجته دون المساس بالرؤية الفنية للقائمين على العمل وسعيهم إلى تقديم عمل درامي يتواكب مع مقتضيات العصر.

فردية النجم الواحد

 

هل هناك علاقة بين نجاح حفل المومياوات وإيقاف عرض المسلسل
هل هناك علاقة بين نجاح حفل المومياوات وإيقاف عرض المسلسل

 

أثار المسلسل أيضا استياء واسعا من طريقة اختيار النجوم في الأعمال الدرامية المصرية، حيث اعتبر أنه وجه آخر للأزمة بعد أن رآه البعض “غير عادل ولا يساهم في اكتشاف مواهب جديدة” لاعتماده على فردية النجم الواحد.

وعبر كثيرون عن غضبهم تجاه المسلسل لا انتصارا للتاريخ كما يتصور البعض إنما استياء من ترسيخ سياسة الفردية في صناعة الدراما من خلال اتفاق شركة “سينرجي” المنتجة مع نجم واحد له شعبية ومنحته حق اختيار باقي فريق العمل، من مخرج وكاتب سيناريو ومدير تصوير ومصمم ملابس وموسيقي ومشرف عام ومراجع تاريخي.

ورأى البعض أن المخرج الحقيقي لمسلسل “الملك أحمس” هو بطله عمرو يوسف الذي حدد كيف يظهر وبأي تصور، ومع من، وفي أي لباس، وكيف يقاتل أو يتحدث، ويصرّ على عدم حلاقة لحيته ليس لدواع فنية، لكن باعتبارها جزءا من وسامته وصورته الذهنية.

وكان للفنان عمرو يوسف سوابق في إيقاف مسلسلات كبرى بسبب تصوراته الشخصية وإصراره على التدخل في كل كبيرة وصغيرة في العمل الفني، ففي العام 2019 تم التعاقد معه على بطولة مسلسل تاريخي عن خالد بن الوليد، ودخل في خلافات مع طاقم العمل وصلت إلى حد إلغاء المسلسل تماما.

وسياسة الفردية لا تنتج أعمالا فنية عظيمة إذا كانت ستتناول تاريخ مصر ويتابعها الجمهور لما تحمله من مضامين سياسية بالغة، فلا يحق لأي عمل فني أن يقدم الرموز بطريقة تفتح معها باب السخرية، وإذا أراد ذلك لا يجب تقديمه على أنه عمل تاريخي بل يجب وضعه في إطاره الفني فقط.

ويرى البعض أن مشكلة الدراما مركبة في مصر وانعكاساتها ممتدة، فمن المهم ألا يترك الأمر لتصورات فردية دون مراجعة مؤسسية باعتبار أن المسلسلات، على خلاف الأفلام السينمائية، تدخل كل بيت وتمثل واحدة من قوى التأثير غير المباشر في العامة، ما يعني أن فكرة الفن للفن وحرية الفنان في تقديم تصوراته تحتاج إلى مراجعة ما لم تتضمن رؤية فنية متكاملة.

وتمتلك الحكومة المصرية شركات الإنتاج الدرامي التي تعمل من خلالها على توظيف الدراما كقناة تأثير وتواصل مباشر مع المجتمع، وتساهم عبرها في انتعاش مناخ الاستقرار، وهو ما يخرج مسلسل الملك أحمس من سياق التقديرات الدرامية المحكمة إلى الرؤية السياسية المطاطة البعيدة عن الاعتبارات الفنية الدقيقة، والتي تسبب تجاهلها في الحكم بالإعدام على عمل بذل أصحابه جهدا أخطأوا وأصابوا فيه.

'