ورغم المبالغة في تقدير الأسعار على ذلك النحو من باب التندر، إلا أن تلك التعليقات عكست بشكل واضح “الفاتورة الكبيرة” لملابس الشتاء في الأسواق المصرية في العام الماضي.

بينما النبأ “غير السار” هو أن الموسم الحالي قد يشهد مزيداً من الارتفاعات المتفاوتة، تصل إلى 25 بالمئة تحت وطأة الضغوط التضخمية التي تفرض نفسها بشكل واسع على الأسواق.

وتفضي تلك الضغوط إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، جنباً إلى جنب مع أزمة توافر العملة والفجوة الحالية بين سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الرسمية والسوق الموازية، وانعكاسات الصدمات الخارجية على المشهد المحلي في مصر، لا سيما تبعات الحرب في أوكرانيا على الاقتصادات الناشئة التي يتحمل فيها المواطن أعباءً إضافية واسعة.

في هذا السياق، يقول رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات المنزلية باتحاد الصناعات المصرية، محمد عبد السلام، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن أسعار الملابس الشتوية في مصر سوف تشهد ارتفاعاً هذا الموسم بنسبة تصل إلى 25 بالمئة، مقارنة بأسعار العام الماضي.

يرجع عبد السلام، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” تلك الزيادة إلى تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأميركي، ومع ارتفاع أسعار خامات ومستلزمات الإنتاج، وبما يؤدي إلى زيادة التكلفة.

وفي السوق الرسمية يسجل الدولار الأميركي معدلاً ثابتاً نسبياً دون الـ 31 جنيهاً للدولار الواحد (30.9 جنيه)، بينما ثمة فجوة واسعة بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية، حيث يتداول الدولار -طبقاً لما تُظهره صفحات تداول العملات عبر منصات التواصل الاجتماعي- في حدود الـ 40 جنيهاً.

وفيما تشهد السوق المصرية فجوة واسعة في أسعار صرف الدولار بين السوق الرسمية والسوق الموازية، تشير أحدث تقديرات “فيتش سوليوشنز” إلى خفض محتمل لقيمة العملة المصرية خلال الفترة المقبلة (قالت إنه سيكون في حدود 19.9 بالمئة، ليسجل الدولار مستوى مساوٍ تقريباً لقيمته الحالية في السوق الموازية بين 38 و40 جنيهاً).

ركود الأسواق

ويتوقع رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات باتحاد الصناعات، أن تتأثر معدلات الطلب، لجهة أن ارتفاع أسعار الملابس الشتوية سيؤثر بدوره على إقبال المواطنين مع تراجع القوة الشرائية بشكل كبير، ما قد يخلق حالة من الركود في الأسواق المصرية.

وسجلت مجموعة الملابس والأحذية ارتفاعاً نسبته (0.8بالمئة)، في ضوء ارتفاع أسعار مجموعة الأقمشة بنسبة (1.9 بالمئة) ومجموعة الملابس الجاهزة بنسبة (0.6 بالمئة) ومجموعة الأحذية بنسبة (1.2 بالمئة)، في شهر أغسطس مقارنة بشهر يوليو، طبقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة للإحصاء.

تُظهر البيانات نفسها أن الأسعار ارتفعت 1.6 بالمئة في أغسطس على أساس شهري، انخفاضاً من 1.9 بالمئة في يوليو و2.08 بالمئة في يونيو.

وأظهرت بيانات جهاز الإحصاء، أن أسعار الطعام والمشروبات، ارتفعت على أساس سنوي، بنسبة 71.9 بالمئة، مع زيادة أسعار اللحوم والدواجن 97 بالمئة، والخضروات 98.4% والأسماك والمأكولات البحرية 86%. كما ارتفعت أسعار الدخان 57.6 بالمئة.

ويأتي الاستعداد لموسم ملابس الشتاء، في وقت يبدأ فيه العام الدراسي الجديد، وبما يكلف الأسر المصرية ضغوطاً واسعة معتادة في مستهل الموسم.

وتواجه المالية العامة في مصر ضغوطات واسعة منذ سنوات، في خطٍ متوازٍ مع أزمة نقص العملات الأجنبية، ومع خسارة الجنيه المصري نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022.

وفي السياق، يقول مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، الدكتور بلال شعيب، إن المصريين يواجهون ضغوطاً تضخمية مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مشيراً إلى أنه قبل العام 2022 كان متوسط معدلات التضخم تحت 5بالمئة مقارنة بالثلاثة أعوام الأخيرة.

▪ قفز معدل التضخم السنوي في مصر، خلال أغسطس الماضي، بأعلى من المتوقع، إلى مستوى غير مسبوق بلغ 37.4 بالمئة، مقابل 36.5 بالمئة في يوليو.

▪ جاء ذلك مدفوعا بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمئة على أساس سنوي، بحسب ما أظهرته بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في مصر.

▪ وسبق أن سجل التضخم مستويات غير مسبوقة أيضا خلال الشهرين السابقين إذ وصل إلى 36.5 بالمئة في يوليو و35.7 بالمئة في يونيو.

المواد الخام

ويوضح شعيب، أن ارتفاع الأسعار عالمياً وزيادة أسعار الوقود، هي عوامل لها أثر كبير على المواد الخام الرئيسية الداخلة في الإنتاج، وبالرغم من أن مصر من الدول التي لها باع طويل في صناعة الغزل والنسيج وصناعة الملابس الجاهزة، إلا أن معظم المواد الخام سواء كانت الخيوط أو الإكسسوارات الداخلة في صناعة الملابس الجاهزة جزء منها استيراد خارجي.

ويستطرد مدير مركز رؤية للدراسات، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج العالمية أدت بالتبعية إلى زيادة أسعار المنتج النهائي، كما أن ارتفاع معدلات أجور العاملين بمصانع الملابس الجاهزة وقطاع النسيج من بين العوامل أيضاً التي أدت إلى زيادة في الأسعار، وبالتالي سيتم تحميل تلك الزيادة وتمريرها إلى المستهلك النهائي.

▪ دفع النمو الكبير في المعروض النقدي على مدى العامين الماضيين إلى قفزات سريعة للأسعار وخفض قيمة العملة ثلاث مرات منذ مارس 2022.

▪ وقال البنك المركزي إن التضخم الأساسي، الذي يستثني سلعا أسعارها متقلبة مثل الغذاء والوقود، تراجع قليلا إلى 40.4 بالمئة من 40.7 بالمئة في يوليو و41 بالمئة في يونيو.

ويؤكد شعيب، أن متوسط الزيادة السعرية في الملابس الشتوية هذا العام لن تقل عن 25 بالمئة مقارنة بما كانت عليه في شتاء 2022، مشيراً إلى أن زيادة معدلات التضخم ومع أزمة الدولار ولجوء المصنعين إلى السوق السوداء لتوفيره وارتفاع تكاليف الشحن والوقود والمواد الخام، كان من الطبيعي أن تشهد الأسعار مثل تلك الزيادات.

كما يلفت إلى ضعف القوة الشرائية للمواطنين أمام ارتفاع الأسعار، والتي تحدد مدى قدرة أفراد المجتمع على دفع قيمة السلعة المطلوبة، موضحاً أن هناك بعض القطاعات الرئيسية قد تكون أقل تأثيراً مثل مصانع الملابس الجاهزة وملابس الأطفال، بسبب تحديد الأولويات من جانب المواطنين.