أعمار قصيرة واستثنائية للمشاريع الإعلامية في تركيا – مصدر24

أعمار قصيرة واستثنائية للمشاريع الإعلامية في تركيا

آثر مالك قناة “أولاي تي في” التركية التوقف عن بث برامجها بعد أقل من شهر على انطلاقها والتي حاولت أن تكون متوازنة في طروحاتها بما يتوافق مع تطلعات فئات المجتمع التركي. لكن هذا التوازن لن يعفيها من مواجهة ضغوط الحكومة التي تعتبره قربا من المعارضة، ودفعت وسائل إعلام عديدة ثمن تلك الضغوط سابقا بسجن العاملين فيها وملاحقتهم.

أنقرة – اضطرت قناة “أولاي تي في”  التركية الخاصة إلى وقف بثها بعد أقل من شهر على بدء أنشطتها، في تكريس لواقع المؤسسات الإعلامية المستقلة التي تنقل وجهة نظر المعارضة الموالية للأكراد، وآل مصيرها إما إلى رجال أعمال موالين للحكومة أو إلى الإغلاق.

وأعلنت القناة المملوكة لرجل الأعمال والوزير السابق، جاويد تشغلار، التوقف عن البث الجمعة مباشرة على الهواء، بعد 25 يوما على انطلاق بثه في 30 نوفمبر.

وقال تشغلار إنه قرر وقف استثماره لأن النهج التحريري للقناة قريب جدا من المعارضة الموالية للأكراد، لكن رئيس تحرير القناة يتهمه بأنه خضع ببساطة لضغوط الحكومة.

وأفاد المدير التنفيذي للقناة، سليمان ساريلار، بأن التلفزيون حاول الحفاظ على “التوازن بين كافة فئات المجتمع التركي”. وأضاف “لكن تبين لنا أنه لا يمكننا الاستمرار في هذا النهج” .

وتكهنت صحيفتا “إيفرينسل” و“بيرجون” المحليتان بأن القناة تعرضت لهجوم حكومي بعدما بثت اجتماعا كاملا لمجموعة برلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.

واتهم تشغلار القناة في بيان بالتخلي عن حيادها وبأنها “مقربة جدا من نهج حزب الشعوب الديمقراطي (الموالي للأكراد)” الذي تتهمه الحكومة بأنه “الواجهة السياسية” لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.

ويبدو موقف مالك القناة مفهوما بالنظر إلى سجل الاتهامات التي واجهتها وسائل الإعلام التركية التي قامت بتغطية القضية الكردية، إذ واجهت تهمة الدعاية الإرهابية وأحكاما قاسية بالسجن لسنوات طويلة طالت جميع العاملين فيها، لمجرد نقل أخبار ما يحدث في المناطق الكردية التي تشهد أحداث دامية في بعض الأحيان.

وأوضح ساريلار أن تشغلار “كان تحت ضغط كبير من قبل الحكومة”، ولم يستطع الاستمرار. وكشف أنّ ”تشغلار تلقى قائمة بأسماء أشخاص ليحلوا محلنا جميعًا كموظفين موالين للحكومة”، مشيرا إلى أن “الجميع يعرف أي جهة في تركيا تضغط على قناة تلفزيونية بدأت البث في 30 نوفمبر، كانت تهدف إلى الانخراط في الصحافة المحايدة”.

وتوقفت الشبكة التلفزيونية الوليدة عن البث حالما أنهى ساريلار حديثه.

وتم إغلاق 12 قناة تلفزيونية و11 محطة إذاعية  كردية في سبتمبر 2016، بينها قناة “زاروك” التي تبث فقط أفلام رسوم متحركة بالكردية، وعندما سمح لها بالعودة إلى البث اشترطت السلطات التركية أن تكون نسبة 40 في المئة من برامجها باللغة التركية ويجب على البرامج أن “تعكس الثقافة التركية”.

كما أغلقت السلطات وكالة أنباء كانت تشغّل نساء فقط، بينهن الفنانة والصحافية الكردية زهرة دوغان التي اعتُقلت ووُجهت لها تهمة العضوية في تنظيم إرهابي، وحُكم عليها بالسجن لمدة ثماني سنوات وتسعة أشهر في 2017. ولاقى العشرات من الصحافيين في وسائل الإعلام التركية المصير نفسه، وآخرهم رئيس تحرير صحيفة “جمهورييت” جان دوندار بتهمة إفشاء أسرار الدولة.

وتتذرع الحكومة التركية بأن الصحافيين لا يحاكمون لكونهم صحافيين، بل بسبب دعمهم للجماعات الإرهابية.

تشغلار اتهم القناة في بيان بالتخلي عن حيادها وبأنها مقربة جدا من نهج حزب الشعوب الديمقراطي الذي تتهمه الحكومة بأنه “الواجهة السياسية” لحزب العمال الكردستاني

وكان تشغلار قد أسس إحدى أولى شبكات الأخبار في تركيا، “إن.تي.في نيوز”، والتي كانت اسمًا معروفاً في مجال الأخبار لأكثر من عقد، قبل أن تقع تحت سيطرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أوائل عام 2010، وهو المصير الذي حدث لجميع الصحف والقنوات ووسائل الإعلام الأخرى في النهاية.

وقد أعيد تشكيل المشهد الإعلامي في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف عام 2016، إذ استهدفت السلطات العديد من وسائل الإعلام على خلفية اتهامات بدعم متورطين في محاولة الانقلاب أو دعم الانفصاليين الأكراد.

أما ما تبقى من الصحف والقنوات المستقلة، فقد سارع موالون للحكومة إلى الاستحواذ عليها.

وتؤكد المعارضة واتحادات وسائل الإعلام في تركيا أن 95 في المئة من وسائل الإعلام تقع تحت تأثير الحكومة.

وحافظت صحيفة “جمهورييت” -وغيرها من وسائل الإعلام المحلية مثل موقع “تي 24” وموقع “ديكن”- على استقلاليتها من خلال التمسك بملكيتها بعيدا عن السلطة، لكنها تعاني كثيرا لأن المعلنين يعزفون عنها خوفا من الحكومة.

وكشفت أمينة كوليزار أمجان -النائب عن حزب الشعب الجمهوري- أن الحكومة تضغط على الصحف المعارضة بسلاح حجب الإعلانات الحكومية عنها، وتساءلت عما إذا كانت عقوبات قطع الإعلانات عن الصحف تحولت إلى سيف مسلّط على الصحف ووسائل الإعلام المعارضة من أجل تكميم أفواهها.

'