أفريقيا تتحول لميدان معركة اقتصادية بين واشنطن وبكين – مصدر24

أفريقيا تتحول لميدان معركة اقتصادية بين واشنطن وبكين

القاهرة – اختارت الولايات المتحدة القاهرة لإطلاق مبادرة “ازدهار أفريقيا” بهدف تعزيز تواجدها الاستراتيجي في القارة من خلال سلاح الاستثمارات، وعدم التواني عن الدخول في مواجهة جديدة مع الصين، بعد أن سبقت غيرها وضربت جذورها الاقتصادية في معظم دول القارة الأفريقية.

ودشن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصفة شخصية مبادرة تضم في عضويتها 15 وزارة وبنك التصدير والاستيراد الأميركي، فضلا عن صندوق الأوبك للتنمية الدولية كأذرع تمويلية للمشروعات المستهدفة في تلك المهمة.

وتسعى واشنطن إلى الاستفادة من رئاسة مصر للدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، والتدليل على تطوير العلاقات بين الجانبين والآفاق الحيوية التي تنتظرها.

وقال ماثيو ريس المنسق الأميركي للمبادرة في تصريح خاص لـ”العرب”، “إننا اخترنا القاهرة لإطلاق المبادرة، حيث تؤمن الإدارة الأميركية بأنها بوابة رئيسية للاستثمار في القارة”.

ماثيو ريس: أميركا تؤمن بأن القاهرة بوابة رئيسية للاستثمار في أفريقيا
ماثيو ريس: أميركا تؤمن بأن القاهرة بوابة رئيسية للاستثمار في أفريقيا

وأضاف خلال مشاركته في فعاليات إطلاق المبادرة التي نظمتها غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة مؤخرا أن مستقبل الاستثمار خلال العقد المقبل واعد في السوق الأفريقية.

وتظهر بيانات الغرفة أن حجم الاستثمارات الأميركية المباشرة في مصر بلغت نحو 21.8 مليار دولار العام الماضي.

وتعد مصر ثاني أكبر متلقّ للاستثمارات الأميركية في أفريقيا بعد موريشيوس، والرابعة في منطقة الشرق الأوسط بعد إسرائيل والإمارات والسعودية.

وأشار ماثيو إلى أن أفريقيا ضمن أسرع وأقوى ستّ مناطق نموا من إجمالي عشرة اقتصاديات في العالم، وسوقها تضم أكثر من مليار نسمة، ما يعني أنها تلعب دورا محوريا في الاقتصاد العالمي.

ويبدو أن واشنطن ليست وحدها، التي تتسابق للسوق الأفريقية، فالهند أيضا لها طموحاتها. وشهد الأسبوع الماضي استضافة القاهرة لمنتدى الاستثمار الهندي في أفريقيا الذي عقده اتحاد الصناعات الهندية لأول مرة خارج الهند، في الشرق الأوسط.

واختارت الهند القاهرة لعقد فعاليات المؤتمر بمشاركة 250 رجل أعمال، في تظاهرة اقتصادية كبيرة من أجل البحث عن موطئ قدم في أفريقيا ومواجهة الصين من أجل الفوز في معركة كنوز أفريقيا.

وتعوّل روسيا على حليفتها مصر في طرق أبواب القارة، بعد تدشين المنتدى الروسي الأفريقي الأول في مدينة سوتشي الشهر الماضي، ما يجعل المنافسة السياسية والأمنية الممتدة في مناطق مختلفة بين القوى الكبرى تأخذ شكلا اقتصاديا في أفريقيا.

وحصلت “العرب” على نسخة من الأهداف الرئيسية للمبادرة الأميركية، وجاءت على نحو تطوير وتنسيق القدرات والجهود من خلال تدشين خدمة الشبّاك الواحد، كي تستطيع الشركات الأميركية والأفريقية الحصول على مجموعة متكاملة من الخدمات الحكومية لتسهيل مهام النفاذ للسوق الأفريقية.

وترتكز المبادرة على القوة الشرائية لأسواق أميركا والتي تصل لنحو 13 تريليون دولار سنويا وهي الأكبر عالميا، ما يعزز فرص التعاون مع مختلف أسواق الدول الأفريقية. وبحلول عام 2050 سيكون نصف من هم في سن الشباب على مستوى العالم في أفريقيا.

ودعا المفوض الأميركي للمبادرة خلال لقائه بالشركات المصرية للدخول في مشاركات مع نظيراتها في الولايات المتحدة بهدف تكوين كيانات من شأنها زيادة عمق التواجد في أفريقيا.

تنافس أميركي صيني على سوق واعدة
تنافس أميركي صيني على سوق واعدة

وأوضح أن المبادرة لا ترتبط بوجود إدارة أميركية بعينها، حيث تم إطلاقها من أجل بناء العلاقات المستقبلية مع أفريقيا، لأن مؤشرات التجارة والاستثمار الحالية لا تعكس الطموحات.

وتتزامن المبادرة مع طلب مصر تدخّل الولايات المتحدة الأميركية كطرف رابع في أزمة مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، بما يعكس تداخل المصالح والمكاسب المشتركة.

ولفت حسن حجازي، عضو غرفة التجارة الأميركية، إلى أن تلك الخطوة تفتح آفاقا استثمارية للشركات المصرية في أفريقيا، وتعزز تواجدها وخدمة مصالحها في قضايا استراتيجية عدة.

ووصف في تصريحات لـ”العرب” المشاركة المصرية في المبادرة الأميركية بأنها “فرصة جيدة يجب أن تقتنصها الشركات المصرية”.

وقامت مؤسسة الاستثمار الخاص في الخارج التابعة للوكالة الأميركية للتجارة والتنمية بضخ استثمارات بقيمة 6.1 مليار دولار في مشاريع متنوعة في أفريقيا، وتستهدف استثمار نحو مليار دولار خلال المرحلة المقبلة ضمن مبادرة “ربط أفريقيا” في قطاعات النقل والاتصالات.

حسن حجازي: آفاق استثمارية تخدم القاهرة استراتيجيا وتزيد فرص التعاون
حسن حجازي: آفاق استثمارية تخدم القاهرة استراتيجيا وتزيد فرص التعاون

وتتّسق حزم الاستثمار في المبادرة الأميركية مع تدشين القاهرة لأول خط ملاحي حكومي منتظم مع أفريقيا أواخر الشهر الماضي، ينطلق من ميناء العين السخنة بمدينة السويس على البحر الأحمر إلى ميناء مومباسا في كينيا برحلة أسبوعيا.

ويعد الخط ضمن مشروع “جسور” وتشرف عليه وزارة قطاع الأعمال العام من خلال الشركة القابضة للنقل البحري والبري والشركة القابضة للتأمين التابعتين لها.

وارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول أفريقيا إلى 6.9 مليار دولار خلال العام الماضي، مقابل 5.6 مليار دولار في العام السابق بارتفاع نسبته 23 بالمئة.

ويعد التحالف المصري الأميركي من خلال مبادرة “ازدهار أفريقيا” داعما لحركة التجارة مع القارة، ويحتاج إلى غطاء سياسي قوي، بعد أن خفت التواجد المصري في السنوات الماضية.

وفقدت القاهرة ثقلها في أفريقيا بعد قطيعة ضمنية امتدت لنحو عقدين، وبات هذا الغياب تحدّيا كبيرا خلال الفترة الراهنة أمام محاولات استعادة الحضور المصري في أفريقيا من جديد.

وتراهن الولايات المتحدة اليوم على نجاح مبادرتها من خلال إطلاقها من قاعدتها الاقتصادية في مصر، حيث عرض أحمد خليل مدير العلاقات الحكومية وشمال أفريقيا في شركة “جونسون آند جونسون” الإمكانات المتاحة بالشركة لدخول السوق الأفريقية.

وقال خليل لـ”العرب”، إن أفريقيا في حاجة لاستثمارات في الرعاية الصحية ويمكن من خلال البوابة المصرية التواجد في مختلف أسواق أفريقيا.

ولفت إلى أن الشركة ساهمت خلال الفترة الماضية في توفير مصل “الإيبولا” لدول غرب أفريقيا، إلى جانب تأسيس مشروعات للرعاية الصحية في إثيوبيا.

وطرحت شركة اَي.بي.أم الأميركية في مصر ملف التحول الرقمي كأحد الروافد الرئيسية للاستثمار. وتعاني معظم دول القارة من غياب الرقمنة التي باتت مطلبا رئيسيا لتعزيز التنمية.

وتحتاج أفريقيا للاستثمار في رأس المال البشري، والنهوض بالتعليم لتحقيق طفرات اقتصادية تنتشل دولها من الفقر رغم الإمكانيات والموارد الطبيعية المتاحة في جميع دولها.

'