أف 35 أكثر من عقد تسليح أميركي للإمارات – مصدر24

أف 35 أكثر من عقد تسليح أميركي للإمارات

في وصف لقدرات المقاتلة أف 35، يقول خبير إن الأثر الذي يرصد للطائرة المقاتلة في أحسن أحوال عمل أجهزة الرادارات المتقدمة، هو بحجم كرة معدنية بقياس كرة الغولف أو كرة المنضدة. هذا يلخّص صعوبة التقاط إشارات الرادار المنعكسة عنها وتوجيه أي دفاعات لمواجهتها. بهذه الطريقة يمكن فهم أن الطائرات الإسرائيلية تحوم فوق بلد مثل سوريا أو في مناطق غرب العراق من دون خوف أن ترصد أو تستهدف، وتضرب كما يحلو لها تجمّعات الحرس الثوري الإيراني وأسلحته المختلفة وخصوصا منها المسيّرات والصواريخ، على الرغم من أن أجهزة الرادار الروسية تضيف إلى قدرات الرصد لدى السوريين والإيرانيين والعراقيين. أف 35 نقلة نوعية في السلاح.

لو اختزلت الإنجازات العلمية والتقنية الحديثة في شيء، يمكن أن تضعها في المقاتلة الأميركية الحديثة أف 35. فالمقاتلة متعددة المهام من الجيل الخامس، تجمع واجبات القتال الجوي بأنواعها انطلاقا من القواعد الأرضية أو حاملات الطائرات، وتمتلك خاصية التسلل (الشبح كما صار الوصف) من دون أن تكشفها الرادارات العادية والحرارية. يمكن أن تقلع عمليا مثلما يشبه المروحية، أو من مدرج قصير جدا، وتحمل معدات التشويش الراديوي والحراري لمواجهة صواريخ تستهدفها. تخفي أسلحة في داخل بدن الطائرة مما يجعلها أكثر مرونة وبقدرة تخفٍ استثنائية. وقد تم تصميمها بالكامل على الكمبيوتر قبل أول تجربة طيران، وتحمل على متنها أفضل ما يمكن أن توفره تقنيات المعلوماتية، والتحكم بالكمبيوتر – فلاي باي واير. والأهم من هذا كله أنها مصممة لكي تعمل للعشرات من السنين كطائرة تفوق جوي يمكن من خلالها الاستغناء عن أجيال كاملة من المقاتلات التي تحتاج إلى عمليات صيانة أكثر تعقيدا وكلفة. الذي يشتري هذه المقاتلة المتطورة يسهم بأثر رجعي في كلفة تطويرها، ويشارك أيضا في تطوير القادم من التكنولوجيا الحربية. لا عصا سحرية تنتج مثل هذه التقنيات المتقدمة.

كان الحرص الإماراتي واضحا لاقتناء هذه المقاتلة الفريدة من نوعها. بعض المعلقين نظروا إلى العقد التسليحي كهدية لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في أواخر شهور الإدارة. هذه قراءة ساذجة لا تنتمي إلى واقع التوازنات الاستراتيجية في المنطقة بشيء. في الحقيقة، كانت الإمارات في قمة الاستعجال لأن تنجز الصفقة، وهذا ما تم حين أعلن سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة في الدقائق الأخيرة من ماراثون انتقال السلطة في واشنطن لإدارة جو بايدن أن المهمة تمّت. ثم جاء قرار إعادة النظر من الإدارة الجديدة، وهو قرار يبدو شكليا لكنه يحمل الكثير من الدلالات. هذه إدارة لديها أجندتها الإيرانية الخاصة، وهي مدركة لما يمكن لهذا النوع من الطائرات المقاتلة إحداثه من قدرة ردع.

الردع سيكون الأساس. فبعد هجوم المسيّرات وصواريخ كروز الإيرانية على منشآت أبقيق النفطية السعودية وتمكنها من ضربها بلا أي تحدٍّ ملموس من الدفاعات الجوية السعودية، صار واضحا أن جزءا مهمّا من الخليج أصبح مكشوفا، سواء أطلقت الصواريخ عليه من إيران أو من حلفائها في اليمن أو العراق. ونظرا لرخص إنتاج وسهولة تصنيع هذه الصواريخ والمسيرات، والوفرة من هذه الأسلحة التي تستعرضها إيران في مناوراتها المتواصلة، يمكن أن نتخيّل أن استخدامها هذا السلاح البسيط والفعال وارد، وأن الأسلحة المضادة له ستكون أمام تحدي التقنية البسيطة والعدد الوفير في آن. هذا يستحث لإعادة النظر في كل فكرة الدفاع عن الخليج.

الإمارات من أقرب الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة وإحساسها بالأمان ضروري وهي في مواجهة إيران التي لم تترك فرصة تخويف وترهيب إلا ومارستها في مواجهة من حكمت بأنهم أعداؤها

الولايات المتحدة تحرّكت وها هي تستكشف إمكانيات خط دفاع ثانٍ عند البحر الأحمر. ولكن ماذا يمكن للسعودية والإمارات، بل وحتى قطر القريبة من إيران، أن تفعل؟ هذه بلادنا وهذه جغرافيتنا وسندافع عنها. الولايات المتحدة، ولتفرض إيقاعها الخاص على المفاوضات المفترضة، لجأت للتخويف. تقول إن إيران على موعد قريب جدا مع السلاح النووي. ولكن ماذا عن كل أسلحة إيران الأخرى، من المسيرات والصواريخ البالستية وصواريخ كروز، إلى أصغر مقاتل من ميليشيات تابعة لها في لبنان والعراق واليمن وسوريا؟

الردع الذي تمارسه إسرائيل في مواجهة إيران ردع فاعل. تلتقط الاستخبارات المعلومة البشرية أو صور الأقمار الاصطناعية، فتنطلق طائرات أف 35 لتنفيذ المهمة. من غير المسموح أن تكون لإيران قواعد صاروخية بالقرب من إسرائيل. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو يضع هذا المنطق في الردع وخلفه يقف كل السياسيين. هذا الموضوع أكبر من أي اعتبار للعلاقة مع الولايات المتحدة، فهذه ليست السنة 1991 عندما كانت الحكومة الإسرائيلية ترضى بصواريخ باتريوت لردع الهجمات الصاروخية العراقية البالستية عليها. باتريوت بقي متفرّجا عندما كانت موجات المسيرات وصواريخ كروز تضرب أبقيق. الدرس الإيراني للسعودية وجد من يصغي إليه أكثر في تل أبيب.

الردع ضرورة إذا كان السلاح المضاد غير متوفر، أو بتأثير محدود. حتى تقنيات الشبح التي تتوفر لطائرات أميركية متطورة غير مضمونة. قبل عام ونصف تمكنت صواريخ إيرانية بدائية نسبيا من تقنيات السبعينات من إسقاط طائرة شبح غير مأهولة من طراز غلوبال هوك أر كيو-4 أي فوق مضيق هرمز. هذا صاروخ “كهل” بأقل من مليون دولار يسقط طائرة “شابة” ثمنها 180 مليون دولار. وقبلها تمكنت إيران من اصطياد طائرة استطلاع شبح أخرى من طراز أر كيو-170 وإنزالها وتفكيكها للاطلاع على تفاصيلها التقنية، من المادة التي تجعلها غير مرصودة راداريا، إلى كاميراتها ومجساتها الإلكترونية.

الإمارات من أقرب الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة. إحساسها بالأمان ضروري وهي في مواجهة إيران التي لم تترك فرصة تخويف وترهيب إلا ومارستها في مواجهة من حكمت بأنهم أعداؤها. الإمارات بالأصل خارج المواجهة الأيديولوجية بين إيران والسعودية والتي تتصاعد وتبرد وفقا لمعطيات مختلفة، لكنها بلغت ذروتها منذ انهيار منظومة التوازن الاستراتيجي بوجود العراق، مرة أولى عام 1991، ونهائيا عام 2003. وتدرك الإمارات أن الحرب هي آخر ما تريده لهذه المنطقة التي تبحث عن الاستقرار. وما مواجهتها لمشروع الإسلام السياسي الإخواني إلا تذكير بأن نسختي الإسلام السياسي الشيعي والسني اللتين تتصارعان منذ 1979، لا تنقصهما نسخة إضافية شاهدنا كيف تتحول بسرعة إلى مدّ حربي وإرهابي في سوريا وليبيا.

لهذا، ولأسباب كثيرة أخرى، يصبح من الصعب تقبّل أن تؤجل الولايات المتحدة صفقة أف 35 أو أن تماطل في إقرارها. حتى مجرد التفكير في أن تصبح جزءا من الضغط على حلفاء واشنطن في المنطقة لقبول الاتفاق النووي، وترك التفصيلات الأخرى من صواريخ ونفوذ على طاولة المفاوضات غير وارد ولا مقبول.

الرئيس الأميركي جو بايدن كاثوليكي ملتزم. في الطريق بين بيته والبيت الأبيض توقف يصلّي في الكنيسة. هذا الورع يجعله يدرك خطورة خيانة الحليف. ورعه الديني يجعل يهوذا الإسخريوطي حاضرا في ذهنه دائما. لا نعرف كم من الفضة ستعطيه إيران “ليبيع” بايدن دولة حليفة مثل الإمارات، أو أن يساوم على أمنها وأمن المنطقة ككل.

'