أي دور ستلعبه المعارضة بعد تغيّر الرؤية الدولية للأزمة السورية – مصدر24

أي دور ستلعبه المعارضة بعد تغيّر الرؤية الدولية للأزمة السورية

أي دور ستلعبه المعارضة بعد تغيّر الرؤية الدولية للأزمة السورية

بعد نحو ثماني سنوات من حرب دامية، تسيطر خيبة الأمل على المعارضة السورية وهي ترى الدول التي كانت يوما داعمة لها تتخلّى عنها، وتنظر بمرارة إلى عودة نظام، سقط وتشرّد من أجل إسقاطه الكثيرون، إلى إحكام قبضته على البلاد.

أربك تغيّر رؤية الدول الغربية بشأن الحل للأزمة السورية من إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد إلى إدارة بقائه في السلطة، حسابات المعارضة السياسية، وخلط أوراق الغايات والأهداف التي ارتكزت عليها تحركاتها منذ تحول الحرب من انتفاضة شعبية سلمية في 2011 إلى حرب مدمرة امتدت ارتداداتها إلى كامل المنطقة كما العالم. اليوم تقف المعارضة أمام المتغيرات الطارئة وقد سيطرت عليها خيبة الأمل والشعور بالمرارة من خذلان المجتمع الدولي، وتبدو حائرة في البحث عن بدائل، وهي التي وضعت كل رهانها على سقوط النظام وساهمت بانقسامها وتعدد ولاءاتها في ما وصلت إليه اليوم.

دمشق – تبين تطورات الصراع في سوريا أن الوضع يسير نحو ترسيخ فشل المعارضة السياسية في تحقيق هدفها الكبير، المتمثل في الإطاحة بالنظام، على عكس ما حققته بقية ثورات الربيع العربي خاصة في تونس ومصر.

اليوم، وبعد نحو ثماني سنوات من حرب دامية، تسيطر خيبة الأمل على المعارضة السورية (السياسية) وهي ترى الدول التي كانت يوما داعمة لها تتخلّى عنها، وتنظر بمرارة إلى عودة نظام، سقط وتشرّد من أجل إسقاطه الكثيرون، إلى إحكام قبضته على البلاد.

وبات وجود الناشطين والمقاتلين المعارضين يقتصر إجمالا على منطقة محدودة في شمال سوريا، بعدما استعاد النظام بدعم روسي وإيراني، السيطرة على معظم الأراضي التي خسرها في أول الحرب، بينما فرّ آخرون إلى بلاد وقارات أخرى، فيما تتطلع المعارضة السياسية بحيرة للمستقبل، وماذا سيحصل، وهل سيأتي يوما يعود فيه المعارضون للوطن؟

ويعبر عن ذلك شادي مطر (27 عاما)، الناشط المعارض من مدينة داريا قرب دمشق، بقوله “أنا أبحث اليوم عن وطن”.

وكان شادي من الذين شاركوا في العام 2011، في أولى التظاهرات ضد النظام في داريا التي كانت في طليعة المناطق التي شهدت احتجاجات ضد النظام، ثم أصبحت من أولى البلدات التي فرضت عليها قوات النظام حصارا خانقا.

في صيف العام 2016، خرج شادي مجبرا من مدينته ضمن عملية إجلاء مهدت لسيطرة الجيش السوري عليها، قبل أن ينتقل في بداية 2017 إلى تركيا. ويقول الشاب “كنا نرى في وقوف البعض من الدول ومنها العربية إلى جانب مطالبنا، عاملا إيجابيا مشجعا، كنت أتخيل أن هذه الدول ستمنع النظام من ارتكاب المزيد من العنف”. ويضيف “اليوم، لا أستطيع العودة إلى سوريا ما دام النظام باقيا، ولا يمكنني اللجوء إلى معظم الدول التي كانت حكوماتها تقول إنها تساند الشعب السوري المظلوم، فجميع حدودها مغلقة في وجه السوريين”.

هل فشلت المعارضة

على امتداد السنوات الثماني الماضية، وقعت المعارضة السياسية ضحية للظروف المحيطة وضحية أيضا لتشرذمها وانقسامها، وأصبحت مهمّشة مع تحول العملية الدبلوماسية بعيدا عن الإطاحة بالرئيس بشار الأسد نحو إدارة بقائه في السلطة.

وبدأ هذا التهميش عندما انتقلت الولايات المتحدة، التي كانت الداعم الرئيسي للمعارضة السورية، من دعم تغيير النظام إلى عكس ذلك حين قال مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، “نريد أن نرى نظاما مختلفا على مستوى جوهري. نحن لا نحاول تغيير النظام، ولا نحاول التخلص من الأسد”.

المعارضة السورية أخطأت حيث لم تكن لديها منصة واسعة كافية للعمل غير هدفها الرئيسي: الإطاحة بالأسد. ويرجع ذلك جزئيا إلى الانقسامات داخل المعارضة من بداياتها

وفي العام 2011، وبعد قمع الاحتجاجات الشعبية التي تحولت نزاعا مدمرا متعدد الأطراف، سارعت دول عديدة غربية وعربية إلى مقاطعة الرئيس بشار الأسد ودعم معارضيه. ونظمت مؤتمرات لما سميّ “مجموعة أصدقاء سوريا”، وتمّ تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وفرضت عقوبات غربية على الحكومة السورية.

لكن الدول الغربية توقفت منذ زمن عن المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد، ولم يعد لها أي دور حتى في المفاوضات السياسية التي ترعاها روسيا وإيران، حليفتا النظام السوري، وتركيا الداعمة للمعارضة.

ويرى جويل دي. باركر، الباحث في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط، أن المعارضة السياسية السورية عملت في المنفى على تغيير النظام عبر إتباع وسائل سياسية، في الوقت الذي تطور فيه القتال على الأراضي السورية واتخذ مسارا مختلفا، مع ظهور جماعات إسلامية مسلحة في منتصف العام 2013. ومع تحول الحرب تدريجيا لصالح النظام وحلفائه، أصبحت الدعوات المدنية للإطاحة بالنظام أقل قوة.

ويضيف باركر أنه على الرغم من أن إصلاح مؤسسات الدولة في نظام الأسد قد لا يكون على نفس وزن تغيير النظام، إلا أنه يبدو السبيل الوحيد لتمكين العناصر الباقية من المعارضة السورية من لعب دور يحميها ويؤمن لها بعضا من أهدافها.

ويؤكد فراس الخالدي، عضو هيئة التفاوض ورئيس وفد منصة القاهرة لمباحثات جنيف، على أن القوى الإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية لا يمكنها التخلي عن المعارضة، وما يحدث حاليا أن هناك توافقا دوليا بشأن طريقة حل الأزمة، وبالتالي فالقضية برمتها بين يدي أطراف أكبر من النظام والمعارضة، وهما مؤثران فقط وليسا من الفاعلين بقوة في الموقف الراهن.

ويشير الخالدي، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن الأزمة السورية صعدت من مجرد وجود أزمة داخلية إلى الحاجة إلى توافق دولي يمنع تفجير الأوضاع في المنطقة برمتها، وما يجري على أرض الواقع أن هناك نية للانسحاب الأميركي بعد توافق تركي روسي بشأن الشمال السوري، وفي المقابل هناك مشهد يتأزم مع إيران، وفي مثل هذا النوع من الصراعات، تبدو المعارضة والسلطة لا وجود لهما، غير أن ذلك لا يعني أن المعارضة تعاني من عدم الاهتمام بها، لأنه لا زال الحضور قائما على المستوى الإعلامي والدبلوماسي الدولي.

فشلت كل مبادرات الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع بعد أن اصطدمت بتمسك المعارضة بانتقال سياسي من دون الأسد مقابل رفض الحكومة بحث مستقبله أساسا، لكن يرى الخالدي أن المؤشرات الحالية تصب في اتجاه وجود توافق بشأن حل الأزمة بطريقة ترضي جميع الأطراف، سينتج عنها وجود نظام سياسي جديد في سوريا، وهنا يبدأ الاهتمام بالأشخاص والمؤسسات القادرة على أن تكون فاعلة في القضية السورية، ما يعني أن المستقبل سيشهد حضورا مهما للأطراف الفاعلة في المعارضة وليس جميعها.

ويشير إلى أن المعارضة اضطرت للذهاب إلى الخارج تحت تأثير الانتهاكات اليومية التي كانت تتعرض لها وأسلوب التهجير الذي انتهجه النظام السوري بحقها، لكن كل طرف سوف يكون مؤثرا في مستقبل إدارة الدولة، ولا يمكن الاستغناء عن أي منهما.

حلم استبدال الأسد

في ذروة التغييرات التي جاء بها الربيع العربي، وتحركات “أصدقاء سوريا”، وتدخل القوى الإقليمية، ومحاولة دعم الإخوان، لتكرار التجربة في مصر وتونس، اعتقد جانب كبير من المعارضة السياسية السورية أنها ستكون البديل لبشار الأسد، إذ اعترفت العديد من الدول، في العام 2012 بجهازها السياسي المهيمن المتمثل في المجلس الوطني السوري، كحكومة شرعية لسوريا وتحصّل على عضوية في جامعة الدول العربية في 2013.

مع ظهور جماعات إسلامية مسلحة في منتصف العام 2013. ومع تحول الحرب تدريجيا لصالح النظام وحلفائه، أصبحت الدعوات المدنية للإطاحة بالنظام أقل قوة

وتمكن المجلس الوطني السوري من التفاوض مباشرة مع الأسد. لكن، بدأت تتغير المعطيات شيئا فشيئا مع دخول الروس بقوة لدعم النظام السوري، وفي البداية نجحت روسيا في تأمين مشاركة حكومة الأسد في اجتماع جنيف الثاني في 2014، مما أثار استياء المعارضة، ثم تدخلت عسكريا لدعم الأسد في مواجهة المعارضة المسلحة.  ويشير مراقبون إلى أن المعارضة السورية أخطأت حيث لم يكن لديها منصة واسعة كافية للعمل غير هدفها الرئيسي: الإطاحة بالأسد. ويرجع ذلك جزئيا إلى الانقسامات داخل المعارضة.

ويرى جويل دي. باركر أن هذه المعارضة مكونة من أولئك الذين فروا من سوريا سنة 2011، والذين يميلون إلى أن يكونوا علمانيين، وقد وجدوا أنفسهم أمام مجموعة من تنظيم الإخوان الذين تم نفيهم في الثمانينات.

وبينما كان لدى المعارضة الإخوانية بعض الأفكار حول كيفية إدارة البلاد، اقتداء بالتجربة في مصر وتونس، وبدعم من تركيا وقطر، قدم الوافدون الجدد بأفكار جديدة قليلة، حيث كانت حالة المجتمع المدني داخل سوريا ضعيفة بعد نصف قرن من حكم حزب واحد.

وفي ظل التطورات الأخيرة، يقل أمل المعارضة في تحقيق التغيير الشامل الذي سعت إليه في بداية الحرب. في المقابل، لدى المجتمع الدولي مصلحة في العثور على “الإسعافات الأولية” للتخفيف من العنف في سوريا واتخاذ خطوات نحو حل أزمة لاجئيها، وهو ما قد يعني أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيقدمان المساعدة لإعادة إعمار البلاد، إذا أظهر النظام استعدادا لتنفيذ البعض من التغييرات المؤسسية.

وفي الوقت الراهن، سيتعين على ما تبقى من المعارضة السورية العمل على الإصلاح الدستوري السوري مع مبعوث الأمم المتحدة القادم، أو مواجهة المزيد من التهميش.

ويقول محمد شاكر، عضو تيار الغد السوري، إن المعارضة السورية “تخفت وتظهر على حسب طبيعة الأطر التي تسير فيها الأزمة، وفي جميع الحالات فإن المسار القانوني الذي تسير فيه القضية، وأساسها القرار الأممي رقم 2254 والذي ينص على حتمية الحكم المشترك بين المعارضة والنظام، وليس من الممكن غيابها عن الحل السياسي حتى وإن لم يكن ظاهرا للعلن، في وقت تتزايد فيه الخلافات بشأن طريقة وضع الدستور وتشكيل لجنته”.

ويضيف، في تصريحات لـ”العرب”، أن الدفع الدبلوماسي الإقليمي الذي كان يتبناه العديد من أطراف المعارضة تراجع لأن الأطراف المؤثرة تتحاور مع بعضها مباشرة، وتنامي التجاذبات الدولية أثر سلبا على مصداقيتها وأضعفها، بجانب أن بعض العناصر المعارضة في الخارج أضحت تدرك جيدا أنه لا حل سياسيا للأزمة من دون أن يكون هناك حوار سوري- سوري، وهو ما وضح من خلال فشل عملية كتابة الدستور التي تتطلب أولا التوافق على مبادئ موحدة بين النظام والمعارضة.

وتؤكد المعارضة السورية بهية مارديني، لـ”العرب”، أن الاهتمام الدولي بالمعارضة يرتبط بالثابت والمتحول في السياسة الأميركية، وبضعف المعارضة من ناحية أخرى وخلافاتها وعدم اقتناصها اللحظة المناسبة أو دراسة الواقع وقراءة المستقبل القريب وبناء استراتيجية يمكن أن تقدم مشروعا فاعلا، والانشغال بالمشكلات الضيقة والمكاسب الخاصة على حساب الهم الأكبر، ومحاربة كل قادر على بناء اختلاف حقيقي في الملف السوري.

ولفتت إلى أنه “على المعارضة السورية السياسية الحقيقية، والتي أفخر بأني جزء منها، ولم تبتز السوريين ولم تتاجر بآلامهم ولم تكذب عليهم، أن تدرس الواقع لتقول ما الذي يمكن أن تفعله في ظل كل هذه التراكمات، وكيف يمكن أن نجعل المشهد العام نهاية مرحلة وليست بداية مكتسبات للنظام السوري”.

'