إلى أي مدى يصعب على الأميركيين الانسحاب من أفغانستان ؟ – مصدر24

إلى أي مدى يصعب على الأميركيين الانسحاب من أفغانستان ؟

واشنطن – بعد ما يقرب من عشر سنوات من بدء العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، كان الرئيس الأسبق باراك أوباما متفائلا بحذر حينما قال “حتى لو كانت هناك أيام مظلمة في أفغانستان، يمكن رؤية نور لسلام آمن من بعيد”، وأن “هذه الحروب الطويلة ستصل إلى نهاية مسؤولة”.

ومنذ كلام أوباما لم يلح في الأفق حتى الآن سلام آمن. ورغم ذلك يريد الرئيس جو بايدن إنهاء العملية العسكرية الآن ودون أي شروط. إذ بحلول الـ11 من سبتمبر المقبل من المفترض أن تنتهي المهمة. وفي هذا التاريخ الرمزي، الذي يصادف الذكرى العشرين لاستهداف الولايات المتحدة من قبل تنظيم القاعدة، من المقرر أن تكون جميع القوات الدولية قد انسحبت.

الآن، لم تعد الولايات المتحدة متورطة في أي حرب، ولكن هذا الصراع يوضح على نحو جلي كيف أن غزو بلد أكثر سهولة من مغادرته. فبعد هجمات سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن لم تمر أربعة أسابيع حتى أسقطت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش أولى القنابل على أفغانستان.

ورفضت حركة طالبان تسليم العقل المدبر المزعوم وزعيم القاعدة أسامة بن لادن. وسرعان ما تبع ذلك إنزال للقوات البرية. وفي نهاية عام 2001 سقط النظام. لكن الولايات المتحدة وشركاءها وقعوا في سوء التقدير بأن الصراع قد تم حسمه إلى حد كبير. ومع بدء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أعاد الأميركيون توجيه الموارد والقوات إلى هناك.

وخلال زيارة قام بها الرئيس الأفغاني المؤقت حامد كرزاي إلى واشنطن في عام 2004، قال بوش إن “قوات التحالف، بما في ذلك العديد من الأفغان الشجعان، منحت الولايات المتحدة وأفغانستان والعالم أول انتصار لها في الحرب على الإرهاب”.

وتبدل الوضع بعد ذلك إذ أثبتت تصريحات بوش الابن بعد أربع سنوات في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ببوخارست حين قال “يجب ألا نخسر أفغانستان مهما كانت التكلفة”.

وأوضحت مجموعة من الخبراء المعينين من قبل الكونغرس في فبراير الماضي مدى حقيقة خطر فقدان أفغانستان اليوم. ووضع الخبراء سيناريوهات مختلفة لا يتسم أي منها بالتفاؤل، بل إن بعضها كارثي، منها عودة طالبان إلى السلطة، وتجدد الحرب الأهلية، وتهديد إرهابي متزايد للولايات المتحدة، وأزمة لاجئين أخرى لها تداعيات على الاتحاد الأوروبي.

وبدا أحد التقييمات، التي أجرتها أجهزة المخابرات الأميركية، والذي نُشر قبل أيام قليلة، قاتما إلى حد ما فهم يعتبرون أن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام بين الأفغان في غضون اثني عشر شهرا ضئيلة.

وحتى بعد مرور عدة أشهر لم يكن هناك تقدم ملموس في مفاوضات السلام في الدوحة. وجاء في التقرير “من المرجح أن تحقق طالبان مكاسب في ساحة المعركة وستجد الحكومة الأفغانية صعوبة في إبعاد طالبان إذا سحب التحالف دعمه”.

منذ عهد أوباما كانت مسألة الانسحاب مطروحة لكن حقيقة خطر فقدان أفغانستان اليوم ستجعل كل السيناريوهات ممكنة

وكان الانسحاب من أفغانستان أحد وعود بايدن الانتخابية كما قطع سلفه دونالد ترامب مثل هذا الوعد، لكنه لم يستطع الوفاء به. وكانت حكومة ترامب قد اتفقت مع طالبان على انسحاب القوات الدولية بحلول الأول من مايو المقبل.

ويخطط بايدن للبدء من هذا التاريخ ويعتبر نفسه الرئيس الرابع لقوات بلده في أفغانستان. وقال في أحد تصريحاته “لن أنقل هذه المسؤولية لشخص خامس. حان الوقت لإنهاء أطول حرب للولايات المتحدة. حان وقت عودة القوات الأميركية للوطن”.

ورغم هجمات طالبان المستمرة على قوات الأمن والمدنيين، توضح حكومة بايدن أن الانسحاب غير مشروط. ويعتبر ذلك عدولا عن التوجه السابق، الذي وصفه مسؤول أميركي الآن بأنه “وصفة لبقاء أبدي”.

وترى دوائر صنع القرار الأميركي أن التهديد الإرهابي للولايات المتحدة من أفغانستان لم يعد كبيرا لدرجة تستلزم وجود القوات هناك وأنه لا يمكن للجنود الأجانب حل المشكلات الأفغانية الداخلية وعقب مرور 20 عاما على المهمة يمكن اعتبار ذلك بمثابة إعلان إفلاس أو اعتراف متأخر بالواقع.

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس يريد في الواقع ربط إنهاء مهمة حلف الناتو بنجاح مفاوضات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية. وبالانسحاب غير المشروط الآن تفقد الحكومة الأفغانية أهم ورقة ضغط في هذه المحادثات.

ويسود الآن هناك استياء كبير، حيث وصف مفاوض من الوفد الحكومي القرار بأنه “أكثر أمر يتسم بعدم المسؤولية والأنانية” يمكن أن تفعله الولايات المتحدة بشركائها الأفغان.

وتتعهد واشنطن بمواصلة تقديم الدعم الكامل لعملية السلام ولكن فقط بالوسائل الدبلوماسية. وقال ممثل للحكومة الأميركية “ما لن نفعله هو استخدام قواتنا كورقة مساومة في هذه العملية” وأن الولايات المتحدة ستفعل أيضا كل ما في وسعها لحماية الإنجازات مثل حقوق المرأة وحرية التعبير.

ومع ذلك يعتقد المسؤول أن ذلك يجب أن يتم عبر إجراءات دبلوماسية وإنسانية واقتصادية حاسمة وليس من خلال استمرار الحرب الأميركية في أفغانستان. لكن هل سيكون ذلك كافيا؟

وهناك شبه إجماع على أن الولايات المتحدة يجب أن تركز على التحديات الجديدة على سبيل المثال المنافسة مع الصين، أو الجائحة أو التهديدات الإرهابية الصادرة من دول أخرى وهذا يتطلب إغلاق صفحة أفغانستان الآن من أجل حماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة والدفاع عنها.

ويقول بايدن “لقد ذهبنا إلى أفغانستان بسبب هجوم مروع حدث قبل 20 عاما هذا لا يمكن أن يفسر سبب بقائنا هناك في عام 2021”. وأشار إلى أن أسلافه عانوا من حقيقة أنه بينما لم يرغب أي مستشارين في القول إن المهمة يجب أن تستمر إلى الأبد، أصر الخبراء دائما على أن “الآن ليس الوقت المناسب للمغادرة”. وهنا تساءل “إذن ما هو الوقت المناسب للخروج؟ بعد عام آخر؟ بعد عامين آخرين؟ بعد عشرة أعوام أخرى؟”.

وبالنسبة إلى الرئيس الأميركي فإن العديد من المسائل الأخرى غير واضحة أيضا، من بينها ما هي الشروط في الموقع التي من شأنها أن تمكن فعليا من الانسحاب وكيف يمكن تحقيق ذلك. وقال إنه إذا كانت هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها، “لا أعتقد أننا يجب أن نبقى”.

القوات الأميركية في أفعانستان

'