ابن ملك وأخو ملك وعم ملك – مصدر24

ابن ملك وأخو ملك وعم ملك

أوفى الأمير حمزة بن الحسين بما كان يتعين أن يوفي به. بقي أن يوفي الآخرون بواجب الإصغاء إليه على الأقل.

وقّع الأمير حمزة رسالة أكد فيها ولاءه لأخيه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ولدستور المملكة الأردنية الهاشمية. وكان لعمّ حكيم، هو الأمير الحسن بن طلال دور رشيد في بلوغ “النهايات السعيدة”. إلا أن الحكاية ما تزال أطول مما انتهينا إليه، أو مما منعت السلطات التداول فيه.

فإذا كانت المسألة مسألة افتقاد سلطة أو دور، فقد جرب (الأخ) الأمير الحسن بنفسه المحنة ذاتها التي واجهها الأمير حمزة، إذ كان هو أيضا وليا للعهد قبل أن تُنزع عنه المسؤولية لتناط بـ(الابن) عبد الله بن الحسين، وهو ما عاد ليجربه الامير حمزة (الاخ)، عندما ذهبت ولاية العهد منه الى (الابن) الامير الحسين، بوصفه اكبر ابناء الملك عبدالله الثاني. وكان ذلك هو ما أصبح الدستور.وفي كل الأحوال، فقد ظلت إرادة العاهل الراحل تحظى بالتقدير، ولم تصبح موضع جدل. رضي الأمير الحسن بما ارتضاه أخوه. وانتهت المسألة عند حد، هو ذاته الحد الذي يرتضيه الآن الأمير حمزة نفسه.

كان الأمير حمزة ما يزال غض العود على تولي المسؤولية في بلد محاصر من جهاته الأربع بالأزمات، ويتعين عليه أن ينجو من عواقب الزلازل التي كانت تنتظر العراق والمنطقة.

ولقد نجح الملك عبدالله الثاني في قيادة السفينة بما يكفي للبلاد أن تبقى مستقرة وأن تحافظ على أمنها، وعلى مقدراتها الاقتصادية المحدودة، وأن تتوازن وسط الأمواج العاتية التي عصفت بالعراق وسوريا في آن معا، كما عصفت بالفلسطينيين الذين يشكلون نحو نصف مواطني المملكة.

إلا أن ذلك لم يكن كل شيء. إذ كان لا بد للزلازل وتوابعها أن تترك البلاد عرضة للتأثيرات، بل عرضة للكثير من دوافع الاضطراب.

أن يكون الأمن متشددا، كان تعبيرا عن مخاوف. بعضها مبرر، ولكن بعضها الآخر مبالغ فيه. وهو ما أصبح الأمير حمزة ضحية له.

المسألة هي أن هناك من ثغرات الإدارة ما كان يحسن أن تتم معالجته مبكرا. ولئن بدا الأمير حمزة مُصغيا، بل وشريكا في النقد، فليس لأنه ابتدع تلك الثغرات. وكان واجبُ معالجتها واجباً من قبل أن تصبح شرخا قابلا لكل تأويل.

هو ابن ملك، وأخو ملك وعم ملك في النهاية. فلئن لم يشفع له هذا الوضع أن يكون محصنا، فلا شيء محصنا في الأردن.

هذا وضع لا بد أن يُنظر إليه بجد على أنه منزلق خطير.

يحق للأمير حمزة، بتأويل أو من دون تأويل، أن يسمع وأن ينتقد. ذلك حق يكفله الدستور. ولن يكون من الإنصاف أن يُنظر إلى رسالة تأكيد الولاء التي قدمها لأخيه وولي عهده على أنها نصر لطرف ثان أو ثالث. النصر الحقيقي هو عندما ينزع ذلك الطرف الإكليل ليضعه على كتف “المهزوم”. ذلك هو النصر الأكيد. وكل ما عداه هزيل.

الأردنيون تنفسوا الصعداء عندما أفضى تدخل الأمير الحسن إلى رأب الصدع داخل الأسرة الهاشمية. هم يعرفون أن تلك الأسرة درعهم، وأنهم بها أردنيون أصلا. إذ صنعت تلك الأسرة بلدا. منحته هوية. وأضفت عليه من قيم الاعتدال والتسامح والرأفة ما جعله بلدا مختلفا.

توجد معارضة ولكن لا يوجد قهر ولا قسر. التراحم جزء من طبيعة التكوين. حتى أصبح الأمر مدرسة أن يُطلق الملك بنفسه سراح من تكفل القضاء بسجنهم. السبب، هو أن بلدا ناشئا على هوية ملتبسة في الجغرافيا السياسية والتكوين الديمغرافي ما كان ليملك الرفاهية بأن يكون ملتبسا في القيم. الحصانة هي التي أنشأت الحصن، وليس العكس مما كان يحدث في بلدان أخرى أضاعت الحصن والحصانة معا.

ولكن تزاحم الضغوط قال إن هذا نفسه يمكن أن يكون هشا، وإن هذه البلاد التي صنعتها هذه الأسرة يمكن أن تتصدع حتى إذا تم رأب ما قد ينشأ فيها من صدوع الصياغات الدستورية التي لم تملك بعد الامتداد الكافي من الوقت لتصبح جذورا راسخة.

الأردن يمكن أن يكون ثقبا أسود آخر في المنطقة ما لم يُلتفت إلى ما يحاصره أو يضغط عليه. ويمكن أن يؤذي الأردنيون استقرارَهم إذا ما تصدعت شروط الحياة في حيزهم الجغرافي الذي يختنق بما يتراكم من حوله من أزمات.

استقرار الأردن، كما أثبت التسارع العربي لتأكيد الدعم والتأييد، حجر زاوية للمنطقة كلها. اُنظر إليه من زاوية اضطرابه، وسترى عالما عربيا لا ينجو فيه أحد. ولهذا السبب فإن مؤازرته في اقتصاده هي أم الاحتياجات العاجلة، على أن يلي ذلك إصلاح جريء يقطع دابر الفساد ويعيد للمؤسسة هيبتها.

من هذا الباب فإن المخاوف التي يعبر عنها الأمير حمزة جديرة بالاعتبار. ويحسن بمن يسعى إلى حماية الحصون أن يحمي الحصانة أولا، ذلك لأنها هي بالذات التي جعلت من الأردن أردنا، لا “شرق النهر” ولا غرب العراق الهاشمي، ولا جزءا من “سوريا الكبرى”.

هذا البناء بناه الملك الراحل الحسين. وخلع عليه ما أجاز للجواهري أن يقول فيه:

لله درك من مهيبٍ وادعٍ
نسرٌ يطارحُه الحمامُ هديلا
يُدني البعيدَ من القريبِ سماحةً
ويؤلف الميئوس والمأمولا

الأردن هو الميئوس بجغرافيته، ولكنه بسماحة أهله المأمولا. ولقد يظهر فيه ما يدفع إلى الاختلاف، ولكن لن يبلغ الصدعُ مبلغَ الصدعِ إلا إذا سقطت تلك السماحة لتصبح لغة للخوف من النقد، أو تتصدرها مؤسسة أمن لا تميز أسباب الحاجة إلى الإصلاح.

الخشية من مؤامرة خارجية، قد تكون ما تكون، إلا أن الوجه الذي يتعين التمعن فيه هو أن لإدارة الأزمات شروطها. والحصانة هي الشأن الأول فيها، ليس لأنها الدرع فحسب، بل لأنها أول التفهم، وأول المداخل للعلاج.

الأزمات تمضي. ولكن ما لا يمضي هو أن ينشأ صدع لا يرأبه إلا ابن ملك وأخو ملك وعم ملك. وها هما اثنان الآن، أوفيا ما كان يتعين أن يوفيا به، وحان الوقت لكي يُصغى إليهما.

'