“اتفاقيات أبراهام” فرصة بايدن لدعم استقرار الشرق الأوسط – مصدر24

“اتفاقيات أبراهام” فرصة بايدن لدعم استقرار الشرق الأوسط

يرى محللون أن تخفيف حدة التوترات بين إسرائيل وجيرانها العرب نتيجة لـ”اتفاقيات أبراهام” يوفر فرصة استراتيجية للولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن لحشد الشركاء الرئيسيين ضد التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط، وخاصة تلك القادمة من إيران وأذرعها التي زرعتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهو ما يعني المضي قدما في إرساء الاستقرار ضمن حدود تفرضها حقائق الواقع.

واشنطن – لا يغيب عن أي شخص في الشرق الأوسط أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان له ارتباط طويل وعميق بالمنطقة، واتصال شخصي بالعديد من الفاعلين الرئيسيين فيها، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يميل قادتها الآن إلى التخفيف من العداء المتبادل في ما بينهم، فيما سيكون تركيزهم منصبا على كيفية تعامل الإدارة الجديدة مع مخاوفهم وطموحاتهم.

ومن الملفت للنظر، أنه بعد مرور العديد من السنوات التي بدا فيها أن كل أسبوع سيجلب معه احتمالا بحدوث مواجهة جديدة أو صراع جديد، حيث سعت دول المنطقة والقوى الكبرى المتدخلة في العديد من الملفات في الشرق الأوسط إلى رسم خطوط تماس دبلوماسية وعسكرية تنسجم مع المتغيرات في المشهد السياسي الأميركي.

جس نبض

مايا كارلين: بايدن لديه فرصة للاستفادة من نجاحات التحولات الأخيرة

المؤكد أن الأعمال العدائية الحالية لن تنتهي بالطبع بمجرد دخول بايدن البيت الأبيض، ولكن قد ينهي الانطباع بأنه من الممكن للدول استخدام أي وسيلة للحصول على ما تريده في ظل غياب نظام دولي قائم على القواعد، بقيادة الولايات المتحدة.

وقد شجع هذا الرأي، الذي عززه الرئيس السابق دونالد ترامب، على التدافع على المساحات غير الخاضعة للحكم، واحتلال الدول الضعيفة أو المناطق المتنازع عليها. أما الآن، وبعد أن أعلن بايدن أن “أميركا قد عادت”، يبدو أن الشرق الأوسط يراعي هذا الأمر، وفي المقابل لدى الرئيس الأميركي الجديدة فرصة للبناء على إرث سلفه وخاصة إذا ما تعلق بـ”اتفاقيات أبراهام”.

وبعد أجواء شهدتها الولايات المتحدة، سادها التوتر والخروج عن المألوف، تم تنصيب بايدن رئيسا للبلاد. ومن البديهي أنه سوف يتبع سياسة تختلف عن سياسة سلفه ترامب، لكن من المؤكد أنه لن يمحو كل ما تحقق من إنجازات في عهده.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، شهد الشرق الأوسط تدفقا لحالة من الوفاق بين دول المنطقة وصفها محللون بأنها عبارة عن فترة جس نبض تحسبا لأي تحولات طارئة قد تفرضها سياسات الإدارة الأميركية الجديدة. فقد أنهت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حظرا فرضته على قطر دام ثلاثة أعوام ونصف العام بعد المصالحة الخليجية، التي تحتاج بحسب المحللين إلى بعض الوقت لمعرفة مدى نجاحها.

وبينما تمارس مصر والأردن وفرنسا وألمانيا ضغوطا من أجل إجراء محادثات سلام جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين، تسعى تركيا إلى تحسين علاقاتها مع فرنسا واليونان وإسرائيل ومصر والإمارات والسعودية، بعد أعوام من التوترات.

كما يوجد احتمال كبير بأن تنضم دول عربية أخرى إلى الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ومن الأرجح أن تكون أبرز هذه الدول سلطنة عمان وقطر.

ارتباط طويل بالمنطقة
ارتباط طويل بالمنطقة

وحتى حركة حماس التي تسيطر قطاع غزة تبدو منفتحة على شروط التعايش مع السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح التي تدير شؤونها من رام الله في ظل حقائق الواقع التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة من خلال بلورة “اتفاقات أبراهام” لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

ورغم الانتقادات العديدة التي وجّهت لسياسية ترامب في المنطقة، إلا أن تراجع الرئيس بايدن عمّا حققه سلفه، سيؤدي، بحسب الباحث فويتشخ ميتشنيك في معهد ألكانو الملكي للدراسات الدولية والاستراتيجية في إسبانيا، إلى نتائج وخيمة.

وكان أنتوني بلينكن قد أكد الثلاثاء الماضي خلال جلسة المصادقة على تعيينه كوزير للخارجية في إدارة بايدن بمجلس الشيوخ، أن الإدارة الجديدة مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران شرط أن تفي طهران مجددا بالتزاماتها، وأنها تدعم “اتفاقات أبراهام” للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية والالتزام بأمن إسرائيل، لكنها ترى أن التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي هي حل الدولتين.

وترى مايا كارلين، المحللة بمركز سياسة الأمن بواشنطن في تقرير نشرته مجلة ذا “ناشونال إنتريست” الأميركية، أن لدى إدارة بايدن فرصة للاستفادة من نجاحات التحولات الأخيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك تحسن العلاقات العربية -الإسرائيلية واتفاق التضامن الخليجي.

فرصة استراتيجية

فويتشخ ميتشنيك: تقويض ما حققه ترامب في الشرق الأوسط ستكون نتائجه وخيمة

مع أن التكامل الاقتصادي والسلام الإقليمي من الركائز الأساسية لاتفاقيات أبراهام، بحسب كارين، على الرغم من أن دولا مثل السعودية تتمسك بمبادرتها لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، إلا أنه من المؤكد أن المخاوف المشتركة كانت هي الأساس.

وإذا ما تمسك بايدن بالزخم الذي أسفرت عنه تلك الاتفاقيات واستفاد من العلاقات الجديدة التي تشكل التحالفات، التي جرى تكوينها حديثا في الشرق الأوسط ستكون لدى إدارته فرصة المساعدة في تحقيق الاستقرار طويل المدى في المنطقة.

وتؤكد كارلين أن بايدن يتمتع بخيار أفضل لتحقيق تقدم حقيقي في الشرق الأوسط، إذ يتعين على فريق إدارته الاستفادة من نجاح اتفاقيات أبراهام لتوسيع نطاق زخم السلام في المنطقة. ويمكن لإدارته أن تستغل التحالف المتزايد بين إسرائيل ودول الخليج لممارسة الضغط على إيران وردعها من استئناف تعزيز ترسانتها النووية.

وأعلنت وزارة الدفاع (البنتاغون) منتصف يناير الجاري أنها ستجعل إسرائيل ضمن الدول، التي تشملها مسؤولية القيادة المركزية الأميركية وذلك للمرة الأولى، مما يعد عرفانا بالتقارب الذي توسط فيه ترامب بين إسرائيل وجيرانها العرب.

وأشار البنتاغون إلى أن تحويل إسرائيل من القيادة الأوروبية إلى القيادة المركزية يعتبر “دلالة على الظروف السياسية المتغيرة في الشرق الأوسط”. وهذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز التعاون ضد إيران، التي تعتبرها الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعض الدول العربية تهديدا أمنيا رئيسيا للمنطقة.

والقيادة المركزية، التي تعتبر إحدى القيادات القتالية الموحدة الـ11 تحت رئاسة وزارة الدفاع الأميركية، تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، ومنذ تأسيسها في 1983 ظلت إسرائيل تحت القيادة الأوروبية بسبب التوترات الإقليمية بينها والدول المجاورة لها.

وفي الوقت الذي بدأ فيه عمل القيادة المركزية، لم تكن الدول العربية تعترف فيه بإسرائيل ككيان يتمتع بالسيادة، وقد أتاح هذا الترتيب للولايات المتحدة إجراء تدريبات وعمليات متعددة الأطراف دون اعتراض من جانب الدول المشاركة.

----

ويعكس قرار البنتاغون بضم إسرائيل للقيادة المركزية علاقات تل أبيب التي تشهد تطبيعا بصورة متزايدة مع الدول العربية المجاورة نتيجة لاتفاقيات أبراهام، فقد أدت سلسلة اتفاقيات السلام التاريخية بوساطة إدارة ترامب في سبتمبر العام الماضي إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع مجموعة من الدول العربية، في تحول غير مسبوق.

وقد تعهد بايدن بأن يعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي توصلت إليه إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015، ولكن في أعقاب تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، لا يمكن اعتبار هذا النهج هو أفضل مسار للعمل.

وخلال العامين الماضيين، استعرضت إيران قدراتها بالنسبة إلى الصواريخ الباليستية، وتطوير أنظمة إيصال الأسلحة المتقدمة. وعلى سبيل المثال، استخدمت إيران صواريخ كروز والطائرات المسيرة لمهاجمة منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019. ويوضح التصعيد البارز في تلك الأساليب أن النظام الإيراني أكثر ثقة واستعدادا لاستخدام ترسانة أسلحته في النزاعات الإقليمية.

ولم يتطرق الاتفاق النووي إلى تطوير أنظمة إيصال الأسلحة المتقدمة، وبالإضافة إلى ذلك، ليس من المرجح أن توافق إيران على التخلص من مخزون اليورانيوم المخصب الذي استطاعت تجميعه بسرعة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018.

'