استقطاب جديد في الخليج: مقاطعة بضائع فرنسا أم تركيا – مصدر24

استقطاب جديد في الخليج: مقاطعة بضائع فرنسا أم تركيا

الدوحة – تعيش دول الخليج على وقع استقطاب جديد، وإن كان غير معلن، ويخص التنافس على مقاطعة البضائع التركية بالنسبة إلى السعودية والإمارات، والبضائع الفرنسية بالنسبة إلى قطر والكويت، في استمرار للاستقطاب السياسي بشأن مقاطعة قطر وشبكات الإسلام السياسي المحيطة بها.

ويقول متابعون للشأن الخليجي إن حركة مقاطعة المنتجات التركية كانت واسعة وسريعة، ما جعل أنصار تركيا من الإسلاميين في قطر والكويت يبحثون عن ردة فعل سريعة؛ حيث وجدوا في تصريحات ومواقف فرنسية تدافع عن حرية التعبير، كقيمة أساسية في فرنسا، فرصة لعكس الهجوم من خلال الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية.

وأشار هؤلاء المتابعون إلى أن المقاطعة من هنا وهناك هي استمرار للانقسام الخليجي وإن كانت تحت عناوين وأدوات مختلفة، حيث يظهر السعوديون والإماراتيون حزما في المقاطعة لتوجيه رسائل إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفادها أن حملاته الإعلامية والسياسية ضد الخليج لن تمر دون عقاب. في مقابل ذلك يحاول القطريون وإسلاميو الكويت إظهار الولاء للرئيس التركي ويقدمون أنفسهم كورقة ضغط بين يديه ولو بافتعال أزمة مع باريس وتوظيف الدين للتغطية على الهدف الحقيقي.

تشينسيا بيانكو: مقاطعة البضائع تعرّض العلاقات الوطيدة بين فرنسا وقطر للخطر

وتتمتع فرنسا بحضور في الخليج خصوصا من خلال مجموعات كبيرة وعلامات تجارية فاخرة مثل “لوي فويتون”. وفتح متحف اللوفر في أبوظبي مركزا له، حيث قام المهندس المعماري جان نوفيل بتصميم متحف قطر الوطني، فيما تقوم شركة فرنسية ببناء مترو جدة في غرب السعودية.

كذلك، تبيع فرنسا لدول الخليج الثرية معدات وتكنولوجيا تبلغ قيمتهما مليارات اليوروهات.

وسحب ستون متجرا كويتيا المنتجات الفرنسية من رفوفه، وتوقفت وكالات السفر عن تقديم عروض الرحلات إلى فرنسا.

وفي قطر، توقفت سلسلة متاجر الميرة -التي رئيسها عضو في الحكومة- عن تزويد رفوفها بالمنتجات الفرنسية. كما أن الدوحة ستقاطع منتدى باريس للسلام هذا العام المقرر عقده في الفترة الممتدة من الحادي عشر إلى الثالث عشر من نوفمبر، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

لكن المتابعين يعتقدون أن الدوحة لا تقدر على المضي في لعبة المقاطعة بسبب ضخامة حجم تعاملاتها مع باريس في مجالات متعددة، بينها ما هو اقتصادي وما هو رياضي، وأن قطر تراهن على حضورها القوي في فرنسا في سياق معارك النفوذ الدبلوماسي والإعلامي ولن تجازف بتحريك الجبهة الفرنسية ضدها في ملفات الفساد الرياضي وشبهات الدعم المقدمة لجمعيات ومراكز لديها صلات بالإرهاب.

ووجدت الحملة المناهضة لفرنسا صدى في قطر حيث أظهر أحد السكان قائمة تضم 100 منتج فرنسي تستوجب مقاطعته، ومن بين هذه المنتجات مياه “إيفيان” وملابس “لاكوست”.

وتعتبر السعودية أكبر شريك تجاري إقليمي لفرنسا بمبادلات بلغت قيمتها عشرة مليارات يورو في 2018، متقدمة على الإمارات التي بلغت قيمة مبادلاتها مع البلد الأوروبي 4.5 مليار يورو، وفقا لأحدث أرقام الخزانة الفرنسية، ما يجعل موقفها هو الأهم بالنسبة إلى فرنسا.

وأدانت الرياض الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي، لكن بالنسبة إلى مايكل ستيفنز العضو في معهد “رويال يونايتد سيرفسز” لم تتخذ المملكة أي إجراءات مقاطعة ملموسة.

ويعتقد مراقبون أن السعودية باتت الآن أقدر على تكييف الموقف الشعبي مع توجهاتها الرسمية، وأن السعوديين يعتبرون الحملة على فرنسا باسم الدفاع عن الرسول محمد استثمارا في الدين وتوظيفا سياسيا مكشوفا من قبل تركيا ووكلائها الإسلاميين الذين يمتلكون حضورا قويا في الكويت.

وفي المقابل يتفاعل السعوديون بحماس مع مقاطعة المنتجات التركية، في إشارة قوية إلى أنهم يقفون مع قيادتهم ضد قيادة تركية دأبت على الإساءة لبلادهم بشكل غير مبرر، خاصة في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي والحملات على الدور السعودي في المنطقة، وفتح فضائيات عربية في تركيا لاستهداف المملكة وحلفائها.

الدوحة لا تقدر على المضي قدما في لعبة المقاطعة مع باريس
الدوحة لا تقدر على المضي قدما في لعبة المقاطعة مع باريس

ويراهن الفرنسيون على أن يؤدي الهجوم الإرهابي في نيس، بالإضافة إلى الهجوم المحدود على القنصلية الفرنسية في جدة، إلى تخفيف حدة ردود الفعل في الخليج، كما قال إتش إيه هيليير الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

وأضاف “بعد جرائم القتل التي حصلت في نيس الخميس، ستكون هناك رغبة أقل في انتقاد فرنسا”.

وأشارت تشينسيا بيانكو، الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، إلى أن هذا الجدل قد يعرّض العلاقات الوطيدة بين فرنسا وقطر للخطر.

وأوضحت أن “العداء الفرنسي المتزايد تجاه تركيا قد يضر بالعلاقات بين فرنسا وأقرب حليف لأنقرة في الخليج ألا وهو قطر”.

وفي ظل صمت قطري رسمي على الدعوات إلى مقاطعة بضائع فرنسا، يظهر نشطاء قطريون على مواقع التواصل الاجتماعي تحمّسا لاستبدال المنتجات الفرنسية بمنتجات تركية، ودشنوا هاشتاغًا باسم “استبدل المنتج الفرنسي بالتركي”.

كما بادر آخرون بوضع قائمة مصورة تضم المنتجات الفرنسية المنتشرة في الأسواق التجارية لمقاطعتها، ونشروا قائمة بأسماء المنتجات التركية التي سيتم تعويضها بنظيرتها الفرنسية.

'