واتفق مسؤول بوزارة الآثار وأستاذ متخصص بجامعة القاهرة في حديثهما لموقع “سكاي نيوز عربية” على أن هذا الكنز الأثري الجديد يكشف بوضوح جانبا من أسرار المصري القديم، يتعلق بالاقتصاد الذي اعتمد عليه، وأنه كانت هناك أركان دولة متكاملة وصناعة التحنيط لم تكن تتم صدفة أو بعشوائية بل كانت لها أسس وقواعد، هذا الجزء من الاقتصاد يمكن وصفه بـ”اقتصاد الجبانة”.

وكشفت وزارة الآثار المصرية في مؤتمر صحفي عالمي أن الكنز المكتشف يضم إلى جانب ورشتي التحنيط، مقبرتين وعددا من اللقى الأثرية، وأن الكشف جاء خلال استكمال أعمال الحفائر بجبانة الحيوانات المقدسة (البوباسطيون) بمنطقة آثار سقارة، للعام السادس على التوالي.

وحسب ما أعلنت الوزارة، فإن الورشتين المكتشفتين:

  • تعودان لأواخر عصر الأسرة الـ30 وبداية العصر البطلمي، كما تم الكشف عن مقبرتين من عصري الدولتين القديمة والحديثة، بالإضافة إلى عدد من اللقى الأثرية.
  • ورشة التحنيط الآدمية التى تم الكشف عنها، عبارة عن مبنى مستطيل الشكل من الطوب اللبن مقسم من الداخل إلى عدد من الحجرات تحتوي على سريرين للتحنيط الآدمي وتتراوح أبعاد السرير حوالى مترين طول ومتر عرض و50 سم ارتفاع، وهو مكون من عدة كتل حجرية مغطى من الأعلى بطبقة من الملاط بها ميول ينتهي بميزاب.
  • تم الكشف داخل الورشة على عدد كبير من الأواني الفخارية، من بينها أواني على شكل إناء الحس منتشرة في جميع الحجرات والتي ربما كان يتم استخدامها فى عملية التحنيط.
  • كما تم الكشف عن بعض الأدوات والأواني الطقسية وكمية كبيرة من الكتان ومادة الراتينج الأسود المستخدمة في التحنيط، الأمر الذي يشير إلى أن عمليات التحنيط التي كانت تتم بتلك الورشة لآدميين.
  • ورشة التحنيط الحيوانية عبارة عن مبنى مستطيل الشكل مبني من الطوب اللبن يتوسطهما مدخل له أرضية من الحجر الجيري من الداخل مقسمة إلى عدد من الحجرات والصالات، حيث تم الكشف داخلها على عدد كبير من الأواني الفخارية وبعض الدفنات الحيوانية مختلفة الأشكال والأحجام، كما عثر على بعض الأدوات الخاصة بالتحنيط الحيواني كالكتان وبعض الأدوات البرونزية.
  • تحتوي الورشة على 5 أسرة من الحجر الجيري، وهي غائرة في الأرضية ومختلفة نسبيا عن تلك الأسرة الموجودة في ورشة التحنيط الآدمية، ودراسة اللقى الأثرية التي تم الكشف عنها داخل هذه الورشة تشير إلى أن الورشة كانت تستخدم على الأرجح في تحنيط الحيوانات المقدسة المرتبطة بالإلهة باستت.
  • المقبرتان اللتان تم الكشف عنهما، الأولى لشخص يدعى “نى حسوت با” وهو أحد موظفي عصر الدولة القديمة من الأسرة الخامسة (حوالي 2400 ق. م) ويحمل العديد من الألقاب الدينية والإدارية أهمها كبير عشرة الجنوب، مدير الكتبة، كاهن الإله حورس والآلهة ماعت، والمسؤول القانوني عن شق الترع والقنوات.
  • المقبرة الثانية فهي لشخص يدعى “من خبر” من عصر الدولة الحديثة من الأسرة 18(1400 ق. م) وكان يحمل لقب كاهن الإلهة قادش وهي معبودة أجنبية من أصل كنعاني من منطقة سوريا كانت تعبد في مدينة قادش وعُبدت في مصر خلال عصر الأسرة 18 وكانت المعبودة الخاصة بالخصوبة، وسيدة نجوم السماء عظيمة السحر.

ماذا يعني هذا الكشف؟

من جانبه، قال المسؤول بوزارة الآثار المصرية، الدكتور علي رضا، لموقع “سكاي نيوز عربية” إن:

  • الكشف لأول مرة عن أكبر وأكمل ورشتين للتحنيط يكشف مزيدا من أسرار التحنيط عند الفراعنة.
  • ثانيا هذا يثبت أن المصري القديم كانت لديه دولة كاملة قائمة بذاتها ولم يكن التحنيط يتم صدفة، بل له منظومة وقواعد وأسس.
  • كانت هناك ورش وعمال وكهنة وعملية صناعية كاملة للتحنيط، كجزء من اقتصاد الدولة المصرية القديمة.
  • هذا الكشف تم بأياد مصرية وليست بعثات أجنبية مما يعني أن جميع الأسرار التي يتم التوصل أليها عن طبيعة الدولة المصرية القديمة تصبح كاملة في أيدينا.

واتفق معه أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد بدران، في حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية” على أن:

  • أهمية الكشف تكمن في معرفة ورش التحنيط، الذي كان من أهم خصائص الحضارة المصرية القديمة، والذي ظل لفترة طويلة من أسرار تلك الحضارة العظيمة.
  • بجانب الكشف عن أدوات التحنيط والمواد المستخدمة فيه، يتم الوقوف على ماهية العاملين في التحنيط والإدارة المختصة وطرق الدفن المتبعة في مصر القديمة والبلدان التي كان يُجلب منها بعض مواد التحنيط، مثل أفريقيا ووسط آسيا.
  • هذا الكشف اليوم يوضح لنا سرا عن من الاقتصاد الحيوي والمهم في مصر القديمة وهو “اقتصاد الجبانة” من حيث صناعة التوابيت الخشبية الملونة والمنقوشة وتحنيط الأجساد طبقاً لعقيدة المصري القديم.
  • اقتصاد الجبانة المقصود كان مؤسسة مكونة من عدة إدارات، كل إدارة تختص بعمل محدد يرتبط بالجبانة وعمليات الدفن وصناعة التوابيت وتحنيط الأجساد ونقش المقابر وكتابة البرديات التي توضع مع المتوفي مثل بردية الخروج إلى النهار المعروف باسم كتاب الموتى.
  • بالإضافة إلى ذلك كانت هناك صناعة وتوريد الكتان المستخدم في لفائف التحنيط والزيوت والراتنجات والأصماغ والزيوت العطرية وملح النطرون أي أنه اقتصاد قائم على الموت الذي كان يستعد له المصري القديم بعمل مقبرة ونحت تمثال وتحنيط الجسد لأنه كان يؤمن إيمانا راسخا بفكرة البعث بعد الموت والخلود.

الجدير بالذكر أن البعثة المصرية الألمانية برئاسة الراحل الدكتور رمضان بدري حسين كشفت عن أول ورشة للتحنيط في سقارة جنوب هرم الملك ونيس عام 2016.