ويعد الاقتطاع بسبب الإضراب عن العمل، إجراء أقرته الحكومة التي ترأسها عبد الإله بنكيران عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي من خلال مرسوم يجعل تلقي الأجر مرتبطا بأداء العمل.

وفي غياب قانون يُنظّم الإضراب إلى يومنا هذا، يتساءل الموظفون ومنخرطو النقابات حول “شرعية” الإجراء الحكومي، الذي يعتبرونه “غير قانوني”، كما يؤكد يونس فراشن، عضو المكتب التنفيذي لنقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”.

ويرى الناشط النقابي، في تصريحه لـ”سكاي نيوز عربية”، أن الاقتطاع من أجور الشخص المضرب “يمس بالحقّ الذي ضَمِنه الدستور المغربي في ممارسة الإضراب، والذي يؤكد على إصدار نص تنظيمي لتنظيم طرق وآليات ممارسة هذا الحقّ”.

كما اعتبر المصدر نفسه، أن “أي اقتطاع خارج النص القانوني، أو بدون نص تنظيمي للممارسة الحق في الإضراب لا شرعية له”، مبرزا أن هذه الاقتطاعات من أجور الشّغيلة “نوع من التضييق على حقّ دستوري وتضمنه أيضا المواثيق الدولية”.

آلية ضبط

ويرى المدافعون عن الاقتطاع من أجور المضربين، أن هذا الإجراء كان ضروريا، لأن كثرة الإضرابات، وخوض بعضها لعدة أيام متوالية في بعض الأحيان، أدى إلى حالة من الفوضى، لا سيما في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة.

وبحسب هذا الرأي، فإن الإضرابات التي كانت تُخاض بشكل متكرر وربما “مبالغ فيه”، أحدثت شللا كبيرا في بعض الإدارات، فكان المواطن يقصد مؤسسة حكومية حتى يقضي أمرا أو يحصل على وثيقة، فيضطر إلى الانتظار وتتعطل مصالحه.

أما في ظل ربط العمل بالإجراء، فإن ما حدث بحسب متابعين، هو نوع من “عقلنة الإضراب”، حتى لا يظل بمثابة حق “فضفاض”، لأن العمل النقابي يقوم على التدرج من أجل انتزاع حقوق الموظفين، وليس “التعطيل الشامل” من أجل إجبار السلطات على تلبية المطالب دفعة واحدة.

وتبعا لذلك، فإن الهدف من ربط العمل بالأجر، والاقتطاع من أجور المضربين، هو “ترشيد” هذا الحق الدستوري، وعدم “ترك الحبل على الغارب”.

اقتطاعات مثيرة للجدل

وأجلت الحكومة الحالية، نهاية العام الماضي، عرض مشروع قانون حول تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، ولم يتم عرضه أو مناقشته إلى يومنا هذا.

في هذا الإطار، قال عمر الشرقاوي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، في تدوينة على صفحته بفيسبوك، إنه “لا يعقل أن تُقبر الحكومة القانون التنظيمي للإضراب رغم أن الدستور الجديد ألزمها بآجال لإخراج القوانين التّنظيمية، بينما تطلق يدها دون وجه حق للاقتطاع من الموظفين بناء على تأويلات قانونية مُتعسفة واجتهادات قضائية”.

وتابع أستاذ القانون الدستوري، أنه كان على الحكومة “إخراج قانون الإضراب لكي يتم تقنين ممارسة هذا الحقّ وترتيب الجزاءات في حالة خرقه”.

وأبرز الشرقاوي أن “استمرار الحكومة الحالية والسابقة في قرارات الاقتطاع ضد اللإضراب الذي يُمارس ضدّ سياسات حكومية جائرة، له تبرير واحد هو قتل ممارسة دستورية وجعل حقّ الرّفض مؤدّى عنه”.

نصف قرن بدون قانون

ويبقى الحقّ في الإضراب منصوصا عليه في الدّساتير المغربية، منذ أولها في عام 1962. لكن على الرغم من تعاقب الحكومات والدّساتير، لم تتحقّق الخطوة الأساسية المتمثّلة في إخراج القانون المُنظّم لهذا الحق الدستوري.

وفي سنة 2011، نص الدستور الجديد على ضرورة عرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدّستور قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان قبل انتهاء الولاية التشريعية.

وحينها، أعدّت الحكومة التي ترأسها عبد الإله بنكيران، أول مشروع قانون تنظيمي لتأطير الإضراب في المغرب، وصُودق عليه في مجلس وزاري في الجزء الأخير من ولاية الحكومة عام 2014، ثم بعدها أحيل مشروع القانون على البرلمان دون أن يجد طريقه إلى المناقشة إلى يومنا هذا بسبب، رفض النّقابات العمالية، التي احتجّت على مضامين الوثيقة وعلى عدم إشراكها في صياغتها.

في هذا الإطار، قال يونس فراشن، عضو المكتب التنفيذي لنقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، إن “كلّ القوانين الاجتماعية وخاصة القوانين المرتبطة بالحرّيات النقابية في كلّ أنحاء العالم تمُر أولا عبر الحوار الاجتماعي كآلية للتّفاوض والتوافق، ولا يجب أن تخضع لمنطق الأغلبيّة والأقليّة داخل البرلمان”.

نصّ بتكلفة سياسية

يرى عبد المنعم لزعر، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “الحديث عن مشروع قانون تنظيمي، هو حديث عن مشروع شبه دستوري يعتبر حاملا لمعايير تكميلية لمعايير الدستور، لذلك فالرهانات التي تحيط بالنصّ عادة ما تُوَلّد صراعات ومساومات وتفاعلات”.

لذلك كان تأجيل مشروع القانون، “تعبيرا وانعكاسا لمأزق بأبعاد مختلفة، على رأسها البعد السيّاسي الذي يتجلّى في رفض الجميع تحمّل تكلفة الاشتغال داخل الفضاء البرلماني كمسار اختارته الحكومة لإخراج نص مشروع القانون بدل الاشتغال خارج البرلمان”، وفق أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”.

وأوضح المتحدث نفسه، أن الاشتغال داخل الفضاء البرلماني “سيعود بالنّفع على الحكومة والأغلبية التي تساندها إذا أُخرج مشروع القانون من عنق الزّجاجة”.

غير أن إخضاع نصّ مشروع القانون للاشتغال خارج الفضاء البرلماني كما طالبت بذلك النّقابات عبر الحوار، يعتبر مسارا “يحمل عائدات نوعية لفائدة النقابات، في حين ستصل تكلفته لحدّ إقبار النصّ بعد استحالة التوصّل إلى توافق بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب”، يضيف عبد المنعم لزعر، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط.