الأردن ومصر والدولة الفاشلة في العراق – مصدر24

الأردن ومصر والدولة الفاشلة في العراق

الميل المصري والأردني نحو العراق يهدف إلى تحقيق غرضين صغيرين، الأول الاستفادة من موارده الخام، والثاني تحويله إلى سوق للخدمات والبضائع والخبرات التي يمكن للبلدين أن يقدمانها لدولة مغرية، لأنها فاشلة.

هذان الهدفان لا يتضمنان إعادة ضم العراق إلى حاضنته العربية الطبيعية، ولا حتى الدفاع عما قد يحرصان على إنشائه من مصالح في مواجهة التدخلات الإيرانية.

الدول التي تريد أن تبني مصالح راسخة، يتعين عليها أن تكون قادرة على حمايتها على الأقل. وهذا ما لم يظهر عليه أي دليل حتى الآن.

يمتلك العراق موارد هائلة. ومن حسن الحظ أنها ما تزال مدفونة. والحاجة إليه، لاستنهاض المزيد من فرص التنمية في مصر والأردن، ليست بأقل من حاجة العراق نفسه إلى هذين الشريكين الجارين

الاستفادة من فشل دولة، يتعين أن يبدأ من الاستعداد لإقالتها من العثرة، بتوفير القدرات لحماية ودعم الراغبين باستنهاضها، داخل الحكومة وخارجها. وليس من خلال التخاطب مع رئيس وزراء مشلول القدرات أصلا.

يمكن توقيع اتفاقات وعقود، ولكن ما قيمتها إذا اتضح أنها غير قابلة للتنفيذ؟ أو إذا اعترضت طريقها مصالح مضادة أخرى؟ أو إذا اعتبرتها الميليشيات التابعة لإيران تهديدا لها؟

لقد بدأ الجهد المصري – الأردني مع العراق عندما كان عادل عبدالمهدي رئيسا للوزراء. ولم يُسفر عن تقدم حقيقي، لأن الاتفاقات الأولية كانت تدور حول تطلعات ذات طبيعة انتهازية أكثر منها مشروعا استراتيجيا يقصد استنهاض العراق ودمجه.

“نفتح لك طريقا لبيع النفط، ثم نأخذ قسطا منه مجانا، ثم نبيع لك خدمات في مقابل الباقي”. هذه هي كل المعادلة. وهي هزيلة إلى درجة تبعث على الأسف.

العراق عندما كان قويا، قدم للأردن ومصر أكثر بكثير مما يحاولان الآن الحصول عليه بضعفه وفشله.

مصطفى الكاظمي جدير بكل الشكوك. وإذا حاولت أن تنزعها عنه، فإنه جدير بعجزه

وفي الواقع، فإن بناء المصالح على فشل الطرف الآخر لا يوفر أساسا راسخا لهذه المصالح.

الانتهازيات الصغيرة شيء، وبناء مصالح استراتيجية شيء آخر. الانتهازيات يكفيها توقيع عقود على قاعدة “شيّلني واِشيّلك”. ولكن المصالح الاستراتيجية مشروع يقصد تغيير القواعد التي يقف عليها الفشل.

لقد شاءت الولايات المتحدة أن تستولي على العراق، لتبني مصالح لها هناك. فنسفت الدولة وأقامت محلها دولة جديدة. الإيرانيون فعلوا الشيء نفسه عندما أضافوا إلى ذلك، بأن حوّلوا العراق إلى جمهورية عصابات مسلحة.

التمرد العراقي المسلح ضد الوجود الأميركي دفع واشنطن إلى الانسحاب لكي تتكئ مصالحها على جمهورية العصابات الإيرانية، وحاولا أن يتقاسما الكعكة، طالما ظل أحدهما بحاجة إلى الآخر.

ولقد تصرف هذان الطرفان وفق المنطق المتاح في دولة تم نسفها، أي نهبها، بعد تجريدها من كل مقومات القدرة على التخطيط لأي شيء، أو المحافظة على أي شيء. فكل ما بقي هو حقول النفط وأنابيبها التي ظلت تشتغل لتمويل آليتي النهب المنظم، والفساد المنظم، ولتغطية كلفة العصابات التي تحمي هاتين الآليتين.

الكثير من العراقيين أنفسهم، انخرطوا في هذا المستنقع، مكرهين أو راغبين، على الأقل لأنه لم تتوفر وسائل للعيش تتعدى هذا الإطار.

تقاسم الحصص لم يُبق شيئا للخارجين عن المعادلة. لا توجد فراغات الآن يمكن احتلالها. كما لا توجد ثغرات تسمح بأن يأخذ الأردن أو مصر قرشا لا ترضى إيران عن وصوله إليهما.

يحتاج الأمر، إذن، مقاربة أخرى. وهذه المقاربة يتعيّن أن تجيب أولا عن السؤال التالي: هل العراق بما يملك من قدرات وثروات ضروري لمصالح مصر والأردن الاستراتيجية؟

إذا كان الجواب نعم. فهناك طريقان لا ثالث لهما لبناء هذه المصالح، وكل منهما يتطلب التضحية بشيء ما.

الأول، هو أن تُعقد الاجتماعات الثلاثية في طهران، تحت إشراف الولي الفقيه شخصيا.

وكل التضحية المطلوبة هنا هي التخلي عن الكلام العروبي الفارغ، والانشغال بالبحث عن فرصة لتنمية مصالح جديدة من دون الإضرار بحصص النهب والفساد. وفي هذه الحال، فإن جمهورية العصابات هي التي سوف تتولى إدارة وحماية تلك المصالح، بوصفها جزءا من استراتيجية النسف القائمة.

التمرد العراقي المسلح ضد الوجود الأميركي دفع واشنطن إلى الانسحاب لكي تتكئ مصالحها على جمهورية العصابات الإيرانية

والثاني، هو إرساء قاعدة جديدة، بدعم قوى وأطراف وطنية قادرة على إعادة بناء البلاد.

وكل التضحية المطلوبة هنا، هي الانخراط بتحميل قسط من واجب الدعم والمساندة لأولئك الذين يمكنهم تغيير المعادلة، في التيار الاجتماعي العريض الذي ظل يتظاهر ويتصدى وهو أعزل.

لا تستطيع أن تبني مصالح وأنت تقف على رؤوس الطير مع دولة منسوفة من خلال علاقات شخصية مع رئيس وزراء “لا يهش ولا ينش”.

بصراحة، هذا كثير من ناحية القراءة الواقعية لما يمكن عمله.

الموقف السلبي لمصر والأردن من الواقع القائم في العراق، مفهوم، بما أن القوى التي اندفعت إلى نسف الدولة في العراق كانت أكبر من أن يقال لها “أف”. ولكن ليس من المفهوم أن تسعى لبناء مصالح من دون أن توفر لها أسسا قادرة على حمايتها على الأقل.

أما بناء شراكة استراتيجية، فهذه قصة تتطلب جوابا على سؤال بسيط: شراكة مع مَنْ؟

ولو سألت رئيس الوزراء في العراق، هذا السؤال فإنه لن يعرف الجواب.

مصطفى الكاظمي جدير بكل الشكوك. وإذا حاولت أن تنزعها عنه، فإنه جدير بعجزه. وهو ما لا يكفي للنظر إليه كحجر زاوية يمكن البناء عليه. وذلك مثلما لا تكفي الغايات الصغيرة أن تبني عليها كلاما كبيرا، من قبيل الحديث عن “شراكة استراتيجية” أو “عودة العراق إلى حاضنته العربية”.

مصر والأردن، لكي يستردا ما كانا قد فازا به من امتيازات عندما كان العراق قويا، يتعين أن يعملا معا لإقالته من عثرته أولا. وبما أننا نتحدث عن دولة فاشلة، وبلد منسوف، فإن المصالح الاستراتيجية لن تكون جديرة بنفسها ما لم يعمل الأردن ومصر على مساعدة العراقيين على إعادة بناء بلدهم، بإقامة نظام سياسي جديد.

أيُّ مسعى أقل من هذا سوف لن يستند إلى أساس معقول.

الدول التي تريد أن تبني مصالح راسخة، يتعين عليها أن تكون قادرة على حمايتها على الأقل. وهذا ما لم يظهر عليه أي دليل حتى الآن

يمتلك العراق موارد هائلة. ومن حسن الحظ أنها ما تزال مدفونة. والحاجة إليه، لاستنهاض المزيد من فرص التنمية في مصر والأردن، ليست بأقل من حاجة العراق نفسه إلى هذين الشريكين الجارين. فإذا أضيفت إليهما الإمكانيات الاستثمارية التي يمكن أن توفرها السعودية والإمارات وغيرها من دول الخليج، فنحن نتحدث عن قوة اقتصادية هائلة.

هذا ليس حلما. إنه إمكانيات قابلة للتحقيق. ولكنك تحتاج أن تعرف من أين تبدأ، ومع مَنْ.

جمهورية العصابات لن تعطيك إذا طلبت، ولن تُغنيك إذا أعطتك.

'