الأزمات لا توقف قاطرات رؤية 2030 السعودية – مصدر24

الأزمات لا توقف قاطرات رؤية 2030 السعودية

الأزمات لا توقف قاطرات رؤية 2030 السعودية

حين تفشى فايروس كورونا في المملكة العربية السعودية التي باتت تصنف كأحد أكثر البلدان الموبوءة في منطقة الشرق الأوسط، توقع جل الخبراء بأن ما ترتب على هذه الأزمة الصحية من كوارث اقتصادية تجلت تداعياتها في انخفاض أسعار النفط سيوقف عجلات قاطرات رؤية 2030. لكن الرياض الحالمة بتنويع عائدات اقتصادها وفق رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نجحت في تخطي هذه العقبة بعدما أبرمت شركة نيوم عقدا بقيمة 1.7 مليون دولار أميركي مع شركة “رودر فين”، وهي شركة علاقات عامة لها مكاتب في الولايات المتحدة وبريطانيا، قصد إنشاء مدينة مستقبلية تطل على البحر الأحمر بقيمة 500 مليار دولار أميركي.

لندن – دفع تفشي فايروس كورونا في المملكة العربية السعودية، والذي كان متبوعا بأزمة اقتصادية حادة جراء انخفاض أسعار النفط، الخبراء إلى التساؤل عن مدى إمكانية تحقق رؤية 2030 التي يراهن عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وعلى عكس التوقعات، ورغم حدة الأزمة الاقتصادية، تواصل الرياض اليوم الرهان على تأمين اقتصادها بجعله متنوع المصادر وغير مرتهن بعائدات النفط فقط.

وانطلقت السعودية مجددا خلال الأسابيع الأخيرة في استئناف تنفيذ رؤية 2030، حيث وظفت شركة علاقات عامة دولية لمواجهة الشكوك بشأن حلم الأمير محمد بن سلمان بإنشاء مدينة مستقبلية تطل على البحر الأحمر تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أميركي.

استئناف الحلم

ترفع الرياض شعار “دائما ما تبدأ كل قصة نجاح برؤية” ولذلك يصر قادة المملكة، بعد مضي خمسة أعوام على بدء الخطة الاقتصادية، على تخطي أزمة أسعار النفط المنخفضة وتداعيات فايروس كورونا، كي يتسنى للرياض تحقيق المشروع بحلول العام 2030.

ويرى مراقبون أن السعودية باتت في اختبار تحديات صعب، إلا أن ما ينجز على أرض الواقع في الوقت الراهن يجعلها مطمئنة على مستقبل اقتصادها بسبب خططها الإصلاحية التي تعمل على تنمية عائدات الاقتصاد غير النفطي، فضلا عن أن اقتصادها غير مثقل بالديون.

ورغم أن السعودية سجلت معدلات إصابة مرتفعة بفايروس كورونا جعلتها في مقدمة الدول الموبوءة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن المملكة نجحت نسبيا في تخطي العقبة بعدما وفرت إجراءات حازمة مثل الدواء وظروف الحجر الصحي المثالي للسعوديين والمقيمين.

جيمس دورسي: بعد عقد نيوم أصبحت إعادة التفكير متاحة أمام المنتقدين

وشكك خبراء في منطقة الشرق الأوسط بقدرة الرياض حاليا على العودة إلى حلم طموح يخلص البلد من شبح الاقتصاد النفطي، لكن المملكة نجحت مؤخرا في إبرام عقد نيوم بقيمة 1.7 مليون دولار أميركي مع شركة “رودر فين”، وهي شركة علاقات عامة لها مكاتب في الولايات المتحدة وبريطانيا وآسيا، وذلك قصد إنشاء مدينة مستقبلية تطل على البحر الأحمر تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أميركي.

وتعد هذه الخطوة جزءا وتفصيلا من خطة الرؤية التي تهدف في المجمل إلى توفير تريليوني دولا بحلول عام 2030. كما وضعت الخطة أهدافا لتوسيع مساهمة القطاع غير النفطي في ميزانية الحكومة إلى 6 أضعاف، بنحو 267 مليار دولار، بالإضافة إلى مضاعفة الصادرات غير النفطية ثلاثة أضعاف من 16 إلى 50 في المئة من الناتج المحلي العام.

وفي المحصلة تهدف الرؤية إلى فتح البلاد وخصخصة أجزاء من الاقتصاد وتخفيض الدعم واجتذاب المستثمرين الخارجيين وتخفيف الاعتماد على النفط.

وبحسب جيمس دورسي الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن الأزمة الاقتصادية والمالية في السعودية لم تضعف ميل الأمير محمد بن سلمان إلى تنفيذ مشاريع رابحة ورفيعة المستوى.

ويستند دورسي في تأكيد استنتاجاته على نجاح الرياض في توظيف عقد مع شركة علاقات عامة دولية لمواجهة الشكوك حول حلم ولي العهد السعودي بإنشاء مدينة مستقبلية تطل على البحر الأحمر تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أميركي.

وعندما أعلن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، عن تطبيق تدابير التقشف في مايو، بما في ذلك خفض 8 مليارات دولار أميركي من الإنفاق على “رؤية 2030” الطموحة لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، افترض الاقتصاديون والمنتقدون أن الوباء هو الضربة القاضية لمشاريع ضخمة مثل مشروع مدينة نيوم، بقيمة 500 مليار دولار أميركي، لبناء مدينة ذكية مستقبلية ضخمة تطل على البحر الأحمر.

وبعد إبرام عقد نيوم أصبحت الآن إعادة التفكير مرة أخرى في المسألة، بحسب دورسي، متاحة أمام العديد من الاقتصاديين والمنتقدين.

توقعات المنتقدين

لقد تم توجيه الانتقادات إلى القيمة الإستراتيجية للمشروع في الوقت الذي تواجه فيه المملكة التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا، وتأثير تراجع أسعار النفط، لكن رغم  ذلك سعت نيوم الأسبوع الماضي إلى مواجهة الانتقادات من خلال توظيف شركة علاقات عامة ومجموعات ضغط أميركية.

ويأتي ذلك بعد الجدل المثار بشأن ما قيل عن السعي لإنقاذ مشروع آخر، وهو شراء نادي نيوكاسل يونايتد الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، بعد أن واجهت الحكومة السعودية اتهامات بالسماح بقرصنة البث التلفزيوني في خلافها مع دولة قطر.

ووظف خصوم المملكة في هذا الجدل مرة أخرى، اتهام السعودية بتعمد القرصنة بغية شراء نادي نيوكاسل، كما وظفوا أيضا ورقة حقوق الإنسان وخاصة قضية الصحافي جمال خاشقجي.

ومع طرح فكرة أن “نيوم” كانت تحديا سعوديا لتجاوز مطبات تتعلق بسمعة الرياض، جادل علي الشهابي، المحلل السياسي والمصرفي السابق وعضو المجلس الاستشاري لمشروع نيوم في سلسلة من التغريدات بأن المشروع كان أكثر بكثير من مجرد دحض تقارير إعلامية سلبية.

ويقول الشهابي “مشروع نيوم له قيمة جوهرية أكبر من كونه مشروعاً مبهراً. ستشارك نيوم بشكل كبير في بعض المشاريع الهامة مثل تحلية المياه والزراعة الصحراوية المبتكرة والمزيد من استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وما إلى ذلك من المشاريع التي تهم الدولة والاحتياجات العاجلة للمنطقة”.

وأضاف “لقد تم التخطيط لهذه المشاريع بشكل جيد للغاية ويتم تنفيذ بعضها بالفعل”، معترفًا بأن الشركة التي تدعم المشروع لا يزال عليها تقديم بعض التفاصيل”.

وأيدت شركة “رودر فين” تحليلات الشهابي بتقديمها إلى وزارة العدل الأميركية كوكيل أجنبي. وقالت الشركة “نيوم حلم كبير وجريء. إنها محاولة للقيام بشيء لم يتم فعله من قبل ويأتي في وقت يحتاج فيه العالم إلى اتباع تفكير جديد وإيجاد حلول جديدة”.

رغم تفشي الوباء وأزمات الاقتصاد المتلاحقة، الرياض تواصل رفع شعار "دائما ما تبدأ كل قصة نجاح برؤية"
رغم تفشي الوباء وأزمات الاقتصاد المتلاحقة، الرياض تواصل رفع شعار “دائما ما تبدأ كل قصة نجاح برؤية”

وتم الإعلان عن عقد “رودر فين” بعدما قالت مؤسسة نيوم إنها تتخذ خطوات متعددة لإثبات أنها “مسؤولة اجتماعيًا وسوف تحقق مبادرات مؤثرة ومستدامة وملتزمة”.

ورغم التفاصيل التي قالها الشهابي حول خطط نيوم الفخمة، وتقديم “رودر فين” إلى وزارة العدل كوكيل أجنبي، بالإضافة إلى إعلانات نيوم، إلا أن الأمر بدا بحسب البعض أقل توجهاً نحو الإسهام في المبادرات الاقتصادية والبيئية للمدينة المستقبلية، ولكن أكثر توجهاً نحو إصلاح الأضرار الناجمة بسبب الخلاف مع رجال القبائل المحليين ومقتل الحويطي.

وأعلنت مؤسسة نيوم في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها ستقدم دروسًا في اللغة الإنجليزية في أكاديميتها التي تم إنشاؤها مؤخرًا وسيتم تدريب حوالي 1000 طالب على السياحة والضيافة والأمن السيبراني.

وفي الوقت نفسه، قالت الحكومة إن السعوديين المؤهلين سيتم تعويضهم عن خسارة الأرض بقطع أراض على طول الساحل كجزء من برنامج لتحسين مستويات المعيشة.

وذكر موقع فوريس بوليسي الأميركي أن مؤسسة “رودر فين” ستنتج موادّ إعلامية، بما في ذلك مقطع فيديو كل شهر لتعزيز مشاركة مشروع نيوم مع المجتمع المحلي بالإضافة إلى مواد مرئية تبرز وفاء الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية.

وبحسب الكثير من الخبراء، يهدد  مشروع نيوم الحلقات الدينية المتشددة في السعودية التي ترى في انفتاح المملكة إجتماعيا  يحاصر توجهاتها المتطرفة.

مشاريع ضخمة

علي الشهابي: مشروع نيوم له قيمة جوهرية أكبر من كونه مشروعا مبهرا

في هذا الإطار نقل موقع مجلة فورين بوليسي في أبريل الماضي، دفاع بعض من يمثلون هذا التيار المتشدد، استنادا على تصريحات  سارة ليا ويتسن، المديرة السابقة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، وعبدالله العودة، الباحث القانوني السعودي، اللذين عارضا طموحات نيوم الكبرى.

ووالد العودة هو الشيخ سلمان العودة، وهو عالم ديني متشدد ويمثل جماعة الإخوان المسلمين بالمملكة، مسجون في السعودية منذ عام 2017 لدعوته إلى إنهاء الخلاف مع قطر.

وقال كل من ويتسن والعودة “ما إذا كان مشروع نيوم قابلاً للتطبيق عن بعد، بالنظر إلى الانهيار المالي العالمي بسبب فايروس كورونا وارتفاع الدين السعودي وسط تراجع أسعار النفط، أمر مشكوك فيه إلى حد كبير. النتيجة الوحيدة التي رأيناها من هذه الرؤية لمدينة مستقبلية هي التدمير الموعود لمجتمع تاريخي وموت متظاهر سعودي باستخدام وسائل قديمة، ويبدو أنه لا يوجد هناك مجال لتطبيق المفاهيم الحديثة للحقوق والعدالة”.

لا تتحرك السعودية لإنقاذ رؤية 2030، وفق نيوم فقط، بل رسخت جهودها لتنفيذ مشروعات أخرى وعلى رأسها البدء في المرحلة الأولى لتطوير منطقة تراثية وثقافية في العاصمة الرياض، بقيمة 20 مليار دولار.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) مؤخرا أن هيئة تطوير بوابة الدرعية التاريخية تشرف على أكبر مشروع تراثي وثقافي في العالم لتأهيل وتطوير الدرعية التاريخية “جوهرة المملكة”.

ويمتد المشروع على مساحة 7 كيلومترات مربعة،  ويهدف إلى إنشاء مجموعة متنوعة من المشروعات السياحية والترفيهية بينها 20 فندقا ومجموعة من المتاحف، ومحلات عالمية للتسوق، وأكثر من 100 مطعم عالمي.

وستكون منطقة البجيري مركزا رئيسيا للمطاعم العالمية في الرياض، مع إطلالات ومناظر مميزة على حي الطريف وواحة الدرعية للفنون التي تُعد واحدا من مراكز الفن المعاصر في البلاد وفندق سمحان التراثي الذي يتكون من 142 غرفة بطابع تراثي نجدي.

وقال الرئيس التنفيذي للهيئة جيري أنزيريلو، إن “تطوير منطقة الدرعية التاريخية يهدف إلى أن تكون وجهة سياحية عالمية، بفضل ما تمتلكه من مقومات طبيعية ومواقع تاريخية وتراثية عريقة”.

وأوضح أن المنطقة تزخر بإمكانات ثقافية متنوعة، وطابع معماري مميز، لاسيما العمارة النجدية المعروفة في الدرعية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 300 عام. ويقول خبراء إن أزمة كورونا ستكون في السعودية بمثابة سحابة صيف عابرة لن توقف قاطرات رؤية 2030 التي تتضمن إستراتجيات جديدة في كل القطاعات بما في ذلك الرياضة.

وأكد هذا التوجه مؤخرا، الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة السعودي، الذي شدد على أهمية الدور الذي تلعبه الرياضة في تحقيق أهداف رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد وصناعة مجتمع حيوي، وهو ما انعكس فى إنجازات القطاع الرياضي بالمملكة في السنوات القليلة الماضية.

ولتنفيذ هذه التصورات على أرض الواقع، ناقش وزير الرياضة السعودي في ندوة مع المختصين في عالم الرياضة والاقتصاد الكثير من الموضوعات المتعلقة بقطاع الرياضة وفرص الاستثمار، والعائد من استضافة الفعاليات الرياضية العالمية في المملكة.

'