الأزمة المالية المتفاقمة بلبنان تعصف بقطاع الأدوية وتدفع إلى هجرة الأطباء – مصدر24

الأزمة المالية المتفاقمة بلبنان تعصف بقطاع الأدوية وتدفع إلى هجرة الأطباء

بيروت – فاقمت الأزمة الاقتصادية الحادة مشاكل القطاع الصحي في لبنان الذي بات يشكو من تراجع مخزون الأدوية وارتفاع غير مسبوق في هجرة الأطباء، مع تزايد تقلبات أسعار الصرف في البلاد، وسط غياب تام لأي خطط إنقاذية أو بديلة.

وخلّفت الأزمة قلقا وسط القطاع الصحي والمواطنين اللبنانيين، خاصة بعد تصريحات عن نية المصرف المركزي رفع الدعم عن الأدوية، وتأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في اغسطس الماضي، أنه لا يمكن استخدام احتياطيات المصرف الإلزامية لتمويل التجارة بمجرد بلوغه الحد الأدنى.

وعمّقت أزمة فايروس كورونا مشاكل القطاع الصحي، اذ يشهد لبنان منذ أسابيع ارتفاعا غير مسبوق لعدد الاصابات بفايروس كورونا المستجد، بتسجيله نحو 500 حالة إصابة يومية، في حين تستقبل 5 أو 6 مستشفيات فقط حالات كورونا، وتعاني المستشفيات الحكومية من عدم القدرة على استيعاب جميع المرضى.

وكشفت وزارة الصحة، في اخر احصاء، ارتفاع العدد الإجمالي للمصابين إلى 40868، فيما تم تسجيل 7 حالات وفاة خلال يوم واحد.

ونتيجة ارتفاع معدلات الإصابة اليومية بالفايروس بنسق سريع، أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية، الجمعة، فرض إغلاق على 111 قرية وبلدة في أرجاء البلاد لمدة أسبوع.

وأوضحت أنه اعتبارا من صباح الأحد ولمدة ثمانية أيام سيتعين على سكان المناطق المشمولة بالقرار “التزام منازلهم” و”اعتماد الكمامة لتغطية الفم والأنف عند اضطرارهم للتنقل”، كما سيتوقف العمل في جميع المؤسسات العامة والخاصة وتلغى جميع المناسبات الاجتماعية والدينية، فيما ستستثنى المؤسسات الصحية والصيدليات والأفران.

ويأتي القرار بعد رفض واسع النطاق لفرض إغلاق على المستوى الوطني في أغسطس الماضي.

كارثة صحية
تحذيرات غير مسموعة
تحذيرات غير مسموعة
أعرب نقيب المستشفيات في لبنان، سليمان هارون، عن قلقه معتبرا أنه “إذا رُفع الدعم عن الدواء، فسيؤدي إلى انهيار القطاع الصحي، إذ لن يكون بإمكان المستشفيات تأمين الدواء وستعجز عن استقبال المرضى.. المرضى كذلك لن يكونوا قادرين على دفع تكلفة الدواء”.

وأضاف هارون “كما أن الجهات الضامنة من ضمان اجتماعي إلى وزارة الصحة إلى قوى أمن إلى جيش، لن يكونوا قادرين على تأمين فاتورة العلاج.. هذا الأمر سيشكل كارثة صحية ليس لها حدود”.

وتابع: “الدعم الحالي هو 85 بالمئة من أصل فاتورة المستشفى، التي يجب أن تكون في الأصل 100 بالمئة، رغم ارتفاع نسبة الدعم الحالي إلا أن الأسعار مرتفعة.. ونسبة 15 بالمئة المتبقية تُحسب على سعر صرف السوق السوداء، أي ما يوازي الـ 8500 تقريبا، أي خمسة أضعاف السعر الرسمي”.

وأكد هارون أنّ المخزون المتبقي للأدوية في لبنان “كالعادة بحدود 3 أشهر”.

وتفرض المصارف اللبنانية قيودا على السحب من الودائع بالدولار، في ظل أزمة اقتصادية ومعيشية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1990، أدت إلى تفجر احتجاجات واسعة في 17 أكتوبر 2019.

ونبّه الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين أن “الاحتياطي غير قادر على أن يكفينا، وخطط الدعم التي أطلقت سابقا استفاد منها التجار وليس الشعب، ونتائج رفع الدعم ستكون مؤثرة سلبا بشكل كبير على حياة المواطنين”.

وأضاف “تلقائيا، رفع الدعم هذا سيؤدي إلى رفع الأسعار كافة بنسبة 60 بالمئة من استهلاكنا اليومي أي الأدوية، البنزين، الطحين والكهرباء”.

ونفى الخبير الاقتصادي، قدرة مصرف لبنان الاستمرار في الدعم، موضحا أن “هذا الدعم قادر على الاستمرار ليس لأكثر من شهرين.. الاحتياطي اللبناني المتبقي هو 16.5 إلى 17 مليار دولار”.

وأضاف “هل الاحتياطات التي كانت تستخدم في السابق، أليست من أموال المودعين؟ وبالتالي الحفاظ على أموال المودعين كان يجب أن يكون ضمن خطة واضحة، لذلك تدريجيا لبنان هو متجه إلى مشكلة كبيرة”.

واعتبر ناصر الدين في حديثه للأناضول، أنّه “نظرا لغياب التدفق النقدي ونظرا لعدم وجود خطة اقتصادية، ونظرا لعقوبات تمنع أي توجه للأموال إلى لبنان، أصبحنا في واقع لا يُحسد عليه”.

وعلّق نقيب الصيادلة غسان الأمين، على الأزمة قائلا “في الظاهر، مصرف لبنان بات أمام أزمة سيولة والآلية المتبعة من قبل المستورد حين يرسل الفاتورة لمصرف لبنان، ليحصل على الموافقة تتسبب بالتأخير”.

واعتبر الأمين أن “هذه الآليّة أثرت على المخزون وهناك أدوية باتت مقطوعة لكننا نحصل عليها بعد مدّة.. حتى لو استطعنا استيراد الدواء، سيكون سعره طائلا فوق قدرة الناس”.

وترأس رئيس الجمهورية ميشال عون الشهر الماضي اجتماعا للبحث في الرصيد الاحتياطي لدى المصرف المركزي لتحديد فترة الدعم المتبقية والكميات المرتقبة للمواد المدعومة.

هجرة الأطباء على المحك
قرار مصيري
قرار مصيري
كشف الطبيب والناشط هادي مراد، أن باب الهجرة بات هو الحل لعدد من الأطباء اللبنانيين.

وقال مراد إن “هجرة الأطباء باتت على المحك، هناك 600 طبيب أي ما يعادل 5 بالمئة من أطباء لبنان غادروا البلاد، بينهم من قدم استقالته من المشافي الجامعية والخاصة، بظرف شهرين، وهذا رقم كبير جدا”.

وأضاف مراد ”منهم من له إقامات في الولايات المتحدة ومنهم في كندا ومنهم فضّل التوجّه إلى دول الخليج”.

وبشأن الأدوية المقطوعة محليا، أوضح أن “الأدوية للعلاجات المزمنة، هناك أشخاص تهافتوا لشرائها خصوصا بعد أحاديث عن رفع الدعم لتخزينها خوفا من انقطاعها في السوق المحلية”.

وأضاف أن “السبب الأساسي أيضا، هو تهريب الأدوية إلى الخارج في ظل غياب للتفتيش الصيدلي على مستودعات الصيادلة وعلى الشركات المستوردة”، محمّلا المسؤولية في هذا الخصوص لنقابة الصيادلة.

وكان نقيب الأطباء شرف أبو شرف، قد كشف في سبتمبر الماضي، عن تقدم مئات الأطباء من النقابة لطلب ملفاتهم وإفادات استعداداً لمغادرة البلاد، منبهاً لكارثة حقيقية في حال استمر النزيف الحاصل في القطاع الطبي، فيما حذرت نقابة الممرضات والممرضين من “تكاثر هجرة اليد العاملة التمريضية ذات الكفاءة العلمية والخبرات بحثاً عن ظروف عمل خارج لبنان، وهذا أمر يدعو إلى القلق على مستقبل الصحة في لبنان ومستقبل المهنة”.

وفاقم انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة أكثر من 190 شخصًا وخلّف آلاف الجرحى، الأزمات التي يعاني منها القطاع الاستشفائي في لبنان، وخاصة بعد خروج عدد من المستشفيات عن العمل نتيجة دمارها بشكل جزئي أو كامل، وبالتالي فقدان المئات من الأطباء والممرضين وظائفهم، علماً بأنهم قبل الانفجار كانوا يعانون من خفض رواتبهم، بسبب الأزمة المالية التي ترزح تحتها البلاد، كما عدم تسديد مستحقاتهم، عدا احتجاز أموالهم في المصارف، كما باقي المودعين اللبنانيين، مع شح الدولار في السوق اللبنانية.

'