الأغلبية السياسية في الكويت بين النقد والتقييم – مصدر24

الأغلبية السياسية في الكويت بين النقد والتقييم

الحراك السياسي في الكويت لا يمكن أن يتطور دون عرضه على أدوات النقد الموضوعي. فخلال السنوات الماضية انشغل الفرقاء السياسيون ومن يناصرهم في نقد بعضهم بعضا أو الدفاع عن تجربتهم ومتبنياتهم السياسية، لكن لم نلحظ أي نوع من الكتابات أو المقاربات الجادة لنقد الذات وتقييم التجربة والمواقف السياسية من داخلها أو محاولة تصحيح المسار.

ما شاهدناه خلال السنوات الماضية هو سعي كل طرف لتسجيل النقاط ضد خصومه، حتى لم تعد للإنصاف والموضوعية مساحة كافية لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح أو الإفصاح عن كلمة الحق، فالحكومة وأنصارها يحاولون شيطنة الأغلبية، والأغلبية تحاول شيطنة خصومها.

هذا التعالي أو التغافل عن تقييم الذات، والعزوف عن نقد التجربة والوقوف عند الأخطاء ومحاولة تصحيحها، تعد من الأسباب المباشرة لاستمرار تضييع أولويات العمل السياسي بما في ذلك تضييع أولويات عمل نواب مجلس الأمة والتفريط بالقضايا التي انتخبهم الشعب من أجلها.

 

 على الرغم من تفاعل الشارع الكويتي مع الأغلبية البرلمانية إلا أن الأخطاء التي وقعت بها، والخلل الذي شاب خطواتها ومبادراتها، أدى إلى خسارة مواقعها في الساحة

لا شك أن أعمال النقد والتوقف للتفكير والتأمل في المواقف هو إجراء صحي جدا ويعود بالنفع على جودة الحياة السياسية وتطورها، لكن لم تحظ قيم الاعتذار والاعتراف بالأخطاء بنصيب يذكر في سجل المتصدين للشأن السياسي من النواب وكتاب الرأي أو شباب الحراك السياسي.

على العكس من ذلك وجدنا أن المخطئين يصرون على مواقفهم أو يبررونها، أو يسحبون أنفسهم منها ويرمون تبعاتها على الآخرين مستغفلين عقول وذاكرة المجتمع. وهذا السلوك قد يشفع لهم عند أنصارهم ومحبيهم لكنه لا يشفع لهم عند بقية أفراد المجتمع.

والأهم من ذلك أن هذا السلوك لا يقدم أي فائدة للتجربة السياسية وإنما يساهم في تجهيل الرأي العام، حتى تتحول القضايا الجادة إلى قضايا مهملة وهامشية.

لنعد إلى مجلس عام 2009 حين اجتمعت بعض الكتل النيابية وأطلق عليها آنذاك الأغلبية البرلمانية وطالبت برحيل رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، وأصبح شعار الرحيل أولوية الإصلاح في الكويت. لم يكتف المناضلون في تلك القضية بنقاش المطلب في البرلمان وإنما نزلوا إلى ساحة الإرادة وعقدوا عدة ندوات لتحقيق المطلب، وهو حق مشروع طالما ظل في إطار المطالبة السلمية وفي دائرة احترام القانون.

تصاعد الحراك الشبابي في العام 2011 تفاعلا مع أحداث الربيع العربي وعقدت الندوات ونظمت المسيرات الشعبية والتي جرت على إثرها بعض المواجهات مع رجال الأمن، وصلت ذروتها بالاحتجاجات الشعبية أمام مجلس الأمة وانتهت باقتحام مبناه في السادس عشر من نوفمبر 2011. كانت من بين أهم مطالب الحراك آنذاك رحيل رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وحل البرلمان، ومحاسبة الفاسدين.

 

◘ الأغلبية البرلمانية يتقدمهم نشطاء التيارات الإسلامية والمحافظة سعت إلى تمرير مشروعات تدعم أجندتهم الفكرية وأبرزها قانون المسيء
 الأغلبية البرلمانية يتقدمهم نشطاء التيارات الإسلامية والمحافظة سعت إلى تمرير مشروعات تدعم أجندتهم الفكرية وأبرزها قانون المسيء

 

أمام هيمنة مطلب الرحيل أعفى أمير البلاد الشيخ ناصر المحمد من منصبه وتم تعيين الشيخ جابر المبارك رئيسا للوزراء. وفي العام 2012 سعت الأغلبية البرلمانية يتقدمهم نشطاء التيارات الإسلامية والمحافظة إلى تمرير مشروعات تدعم أجندتهم الفكرية وأبرزها قانون المسيء، واعتبروا أن بداية الإصلاح الحقيقي تتم من خلال إقراره لتغليظ العقوبة على من تثبت في حقهم الإدانة، قبل أن يرفض أمير الكويت إقرار تعديلات قانونية تنص على إنزال عقوبة الإعدام بالمسيئين، واكتفى بالعقوبات المتشددة الأخرى.

لكن على غير المتوقع من الأغلبية تم تلقف هذا التعديل في مجلس 2016 وإضافة الذات الأميرية من ضمن المدانين مع حرمان المسيء من الانتخاب، ونص القانون الذي أقره مجلس الأمة الكويتي في الثاني والعشرين من شهر يونيو لعام 2016 على الآتي “كما يحرم من الانتخاب كل من أدين بحكم نهائي في جريمة المساس بالذات الإلهية، الأنبياء، والذات الأميرية”. وجاء هذا القانون ضمن تعديل للمادة الثانية في قانون الانتخاب.

يؤخذ على كتلة الأغلبية أنها سارت ضمن أجندة التيارات الدينية المتشددة والتي حاولت أن تحقق هدفا في مرمى خصومها وتجردهم من حقوقهم السياسية بل والوطنية أيضا، ودفعت تجاه حزمة من القوانين والإجراءات من قبيل المطالبة بسحب الجنسية ممن يتعرض لزوجات النبي الأكرم أو لأصحابه، وملاحقة المغردين، ورفع القضايا على أصحاب الرأي ومراقبة الأنشطة الدينية وتوثيق محاضرات الخطباء، وملاحقة العلماء وطردهم من البلاد على أطروحات فكرية أو تاريخية.

بعد إقرار قانون حرمان المسيء انشغلت الساحة في النقاش بين مؤيد لتطبيقه بأثر رجعي وبين معترض، لكن المعضلة الكبيرة أن القانون طبق على عدد من نواب الأغلبية وشباب الحراك السياسي، بل الأنكى من ذلك أن السلطة طبقت كل مطالب التيارات الدينية المتشددة على الأغلبية، فتم حرمان من أدينوا بقانون المسيء من الترشح والانتخاب، وسحبت جنسية بعض المدانين، وتمت ملاحقة واعتقال كوكبة من شباب الحراك السياسي والمغردين، وأصبح رفع القضايا على أصحاب الرأي وملاحقتهم من الإجراءات الروتينية التي تتكرر كل يوم.

وعلى الرغم من الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها كتلة الأغلبية على الحريات العامة، إلا أنهم لم يخرجوا بخطاب اعتذار الى الشعب ولم يعترفوا بالخطأ البين الذي ارتكبوه بحق الناشطين من الشباب والمغردين، وإنما انتقلوا فورا إلى دكة المظلومية والمطالبين بإلغاء القانون فقط دون أن يحملوا أنفسهم أي مسؤولية سياسية أو حتى أخلاقية نظير المشاركة في التشريع والتحريض على أمثال هذه القوانين وإقرارها وتشجيعها.

وقد رفضت المحكمة أخيرا أربع دعاوى محالة من محكمة الاستئناف للنظر في مدى دستورية “قانون حرمان المسيء”، بما يعني سلامة القانون من الناحية القانونية واستمرار العمل به.

 

قيم الاعتذار والاعتراف بالأخطاء لم تحظ بنصيب يذكر في سجل المتصدين للشأن السياسي من النواب وكتاب الرأي أو شباب الحراك السياسي

على الرغم من تفاعل الشارع الكويتي مع الأغلبية البرلمانية إلا أن الأخطاء التي وقعت بها، والخلل الذي شاب خطواتها ومبادراتها، وأهمها انفعالها المشين ضد الحريات العامة، واصطدامها مع بعض الشرائح الاجتماعية، واستسلامها للأصوات العالية داخلها أدى إلى خسارة مواقعها في الساحة.

وبظني أن قادة كتلة الأغلبية فشلوا فشلا ذريعا في إدارة المعارضة، ولم تكن أولوياتهم السياسية واضحة. فخلال الفترة التي تفاعلت كل الأطياف المجتمعية معهم، أصر البعض منهم على تبني خطاب إقصائي وطائفي، ولم يكن لقيادة الكتلة أي موقف واضح تجاه هذا النبذ الاجتماعي والديني.

وبدلا من استماعها لصوت العقل وتفاعلها مع أصحاب الأطروحات الفكرية والسياسية، فإنها انساقت خلف أصحاب الأجندات الخاصة، فدخل ضمن طيف الكتلة من يهدد بنحر المخالفين، ومن ينادي بإسقاط الجنسية عن المدانين، ومن يطالب بإعدام المسيئين، ومن يهاجم ويتوعد المذاهب الإسلامية الأخرى، ومن يهدد بزعزعة الأمن الوطني.

إن تصحيح المسار السياسي يبدأ من اعتراف كتلة الأغلبية بحزمة أخطائها السابقة، والإقرار بأن منهجية إلغاء المختلفين معها هي منهجية مكلفة جدا على الحياة السياسية والمسيرة الديمقراطية، وأن المصلحة العامة تقتضي إبداء التسامح مع الجميع والتوقف عن التشكيك في وطنية المخالفين لهم لأسباب دينية أو مذهبية، والتخفيف من نظام التأديب ومحاولة تشريع الجزاءات والقوانين المقيدة للحريات، والاعتراف بضرورات العيش المشترك.

'