الأمير خالد بن سلمان .. قصة نجاح وتأهيل لولاية العهد – مصدر24

الأمير خالد بن سلمان .. قصة نجاح وتأهيل لولاية العهد

الرياض – ترقية الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى منصب وزير الدفاع في السعودية، تضعه على بعد خطوة واحدة من التأهّل لتولّي منصب أرقى. والوزير الشاب (34 عاما) شغل منصب نائب وزير الدفاع منذ 2019، بينما كان شقيقه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يتولى وزارة الدفاع، وهو منصب عادة ما يشغله ولي العهد بنفسه.

بدت هذه الترقية نوعا من تقدير للنجاح الذي حققه في إدارة شؤون واحدة من أهم وأضخم وزارات الدفاع في العالم، بحجم إنفاقها وتعدد مستويات عملياتها، وبسبب الدور الذي تؤديه في الحرب في اليمن.

النجاح الأكبر تحقق في توطين 15 في المئة من الصناعات الدفاعية. وهو ما يشكل توفيرا لمبلغ ضخم. وإذا سارت الخطط وفقا لما هو مرسوم لها، بحسب رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد السعودي، فسوف يصبح بالإمكان توطين 50 في المئة من الصناعات العسكرية بحلول ذلك الوقت.

اعتبارات داخلية

مجالات التوطين العسكري في السعودية مازالت تدور حول جوانب تأسيسية أولية، مثل صناعة معدات الإطلاق وحاويات الصواريخ وغير ذلك، إلا أنها تشكل نقطة انطلاق لا بد منها

يقول المراقبون إن ما حققه الأمير خالد من نجاح، فضلا عن موقعه الجديد، يؤهله ضمنيا ليكون وليا لولي العهد. إلا أن الإقرار بهذا الأمر مازال خاضعا لاعتبارات داخلية أخرى. والرهان فيه يعتمد على بناء قوة عسكرية أكثر استقلالا.

ويستفيد الأمير خالد من ميزانية دفاع تبلغ 45.58 مليار دولار سنويا، وهي سابع أكبر ميزانية دفاعية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين والهند وألمانيا وبريطانيا واليابان. بينما تنفق كوريا الجنوبية وفرنسا وأستراليا مقدارا أقل.

وقبل الشروع في سياسات توطين الصناعات العسكرية كانت السعودية قد أنفقت نحو 70 مليار دولار في عام 2020، و78 مليار دولار في عام 2019، ولكن تم خفضها في عام 2021 إلى 48 مليار دولار.

وتحت إدارة الأمير خالد التنفيذية تمكنت وزارة الدفاع السعودية من توقيع العشرات من اتفاقيات الشراكة مع عدد من كبريات شركات صناعة الأسلحة. وخلال العام الجاري وحده أعلنت الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية عن 22 اتفاقية شراكة صناعية مع عدد من الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في الصناعات العسكرية والدفاعية وبقيمة إجمالية بلغت حوالي 3.5 مليار دولار.

وشملت الاتفاقيات عدداً من المجالات كأعمال توطين مباشرة للمنظومات والأنظمة العسكرية، وبناء قدرات نوعية في المجالات الصناعية المستهدفة كبناء خطوط إنتاج ونقل وتوطين التقنيات والخدمات، بالإضافة إلى تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها وتمكينها من العمل في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية.

شراكات إستراتيجية

ثلاثة عوامل تشجع السعودية على بناء صناعة عسكرية خاصة بها؛ توطين جانب من الإنفاق العسكري ومواجهة التهديدات الإيرانية، إضافة إلى الخروج من دائرة التبعية الدفاعية

تقول المصادر الرسمية السعودية إن برنامج الشراكة الصناعية يستهدف توسيع قاعدة الصناعات العسكرية المحلية في القطاعات ذات القيمة المضافة، والعمل على توفير شبكة للخدمات والدعم الفني للصناعات العسكرية، وتحفيز الاستثمار المباشر والشراكات الإستراتيجية مع الشركات العالمية في القطاع، ونقل التقنيات والمعارف في الصناعة والخدمات والبحث والتطوير، بالإضافة إلى تطوير الكوادر البشرية القادرة على العمل في الصناعات المتخصصة.

ويقول محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية أحمد العوهلي إن “إستراتيجية الصناعات العسكرية التي وضعتها الهيئة تركز على الاستفادة من عمليات الشراء والعقود لتمكين الصناعة والتوطين”.

وقد خطت الهيئة التي تأسست في عام 2018 خطوات حثيثة نحو بناء أرضية ملائمة لتحويل السعودية من مستهلك إلى شريك يسعى إلى لعب دور أكبر، كلما توفرت المهارات المطلوبة.

وتقر الهيئة بأنها مازالت تفتقر إلى بعض المهارات الأساسية، ما يتطلب جهدا في مجالات التعليم العالي وبناء الخبرات، وهو الأمر الذي لا يزال يحتاج إلى عدة سنوات لكي يمكن ضمان توفر العدد الكافي منها، كما يحتاج إلى عدة سنوات أخرى لتنمية الخبرات في الإنتاج الصناعي المباشر. إلا أن ما تأخر لعدة عقود أصبح خاضعا الآن لجدول زمني واضح من أجل إغلاق العجز فيه.

وعلى الرغم من أن السعودية سوف تظل مستهلكا كبيرا للصناعات الدفاعية، إلا أن هناك مجالات يمكنها أن تحقق فيها الاكتفاء الذاتي، ومنها صناعات الصواريخ والطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للصواريخ، وهو برنامج تتشارك فيه السعودية مع شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية.

ومن المتوقع بحلول عام 2025، وبالتعاون مع الشركة نفسها، أن تتمكن السعودية من تصنيع أجزاء من صواريخ “ثاد” المضادة للصواريخ. بينما يجري بناء منشآت للتخزين في مدن الخرج وسط البلاد وينبع والطائف في الغرب، فضلا عن مدينة الملك خالد العسكرية في الشمال.

توطين التصنيع

 

من أهداف رؤية 2030 تحويل السعودية إلى قوة دفاعية مستقلة، قادرة على ضمان احتياجاتها الأساسية
من أهداف رؤية 2030 تحويل السعودية إلى قوة دفاعية مستقلة، قادرة على ضمان احتياجاتها الأساسية

 

في العام الماضي وقعت الشركة السعودية “الشرق الأوسط لمحركات الطائرة المحدودة” عقد إصلاح وتوضيب محركات مقاتلة “يوروفايتر تايفون”، مع شركة “أم تي يو” الألمانية. وهذه المقاتلة هي من أبرز المقاتلات التي تستخدمها القوة الجوية السعودية إلى جانب مقاتلات أف 16 الأميركية.

وكان ولي العهد قد وضع قاعدة ترسخت على مدار السنوات الخمس الماضية، تقول هذه القاعدة “لا صفقة سلاح إذا لم تتضمن محتوى محلياً”.

ويقول المراقبون إن الكثير من مجالات التوطين مازالت تدور حول جوانب تأسيسية أولية، مثل صناعة معدات الإطلاق وحاويات الصواريخ وغير ذلك، إلا أنها تشكل نقطة انطلاق لا بد منها. وخاصة فيما يتعلق بتطوير المهارات وتحويل الصناعات العسكرية إلى قوة جاذبة للخبراء والفنيين الجدد.

تحت إدارة الأمير خالد التنفيذية تمكنت وزارة الدفاع السعودية من توقيع العشرات من اتفاقيات الشراكة مع عدد من كبريات شركات صناعة الأسلحة

ويبيّن العوهلي أن الهيئة العامة للصناعات العسكرية عملت من خلال برنامج الشراكة الصناعية والتزامات التوازن الاقتصادي على دعم بناء قدرات محلية وتوطين التصنيع، وذلك بالتعاون مع الشركات العالمية، ومن تلك المشاريع التعاون مع وزارة الدفاع على تدشين وتوطين زوارق اعتراضية سريعة مُصنّعة محلياً، إضافة إلى تدشين أول حوض عائم، حيث تم تصنيعه وتوطينه محلياً بالتعاون مع شركة “سي أم أن” الفرنسية وشركة الزامل للخدمات البحرية. وتعمل الهيئة على تطوير بناء مسيّرات مثل “حارس الأجواء” مع بعض الشركات المحلية لتحويلها إلى منتج محلي.

والهيئة العامة للصناعات العسكرية هي واحدة من ثلاث جهات تعمل في هذا القطاع بجوار الشركة السعودية للصناعات العسكرية والمؤسسة العامة للصناعات العسكرية، وتخضع ثلاثتها لإشراف مباشر من الأمير خالد.

ويرى مراقبون أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في دفع المملكة إلى بناء صناعة عسكرية خاصة بها؛ الأول هو توطين جانب من الإنفاق العسكري، ما يجعل فاتورة التسلح تنطوي على قيمة اقتصادية محلية، وتساهم في توفير مواطن الشغل واجتذاب الخبرات وتطويرها محليا.

أما العامل الثاني فيتعلق بمواجهة التهديدات الإيرانية، بما يسمح لطهران أن تدرك أنها تقف في مواجهة خصم قادر على أن يُلحق بها مقدارا مساويا من الضرر، إن لم يكن أكثر، بالنظر إلى الفارق التكنولوجي الذي تستطيع السعودية توظيفه لصالحها.

والعامل الثالث هو الخروج من دائرة التبعية الدفاعية للخارج، وذلك بناء على إستراتيجية تعتمد على تنويع مصادر التسلح واستقطاب الشركات الكبرى وتطوير الخبرات المحلية، فضلا عن توطين أجزاء من الصناعة المتعلقة بكل صفقة.

مهمات قتالية

 

تجربة الأمير خالد تتجاوز الدراسات النظرية؛ فقد قام بمهام جوية ضد تنظيم داعش كجزء من التحالف الدولي
تجربة الأمير خالد تتجاوز الدراسات النظرية؛ فقد قام بمهام جوية ضد تنظيم داعش كجزء من التحالف الدولي

 

درس الأمير خالد الحرب الإلكترونية المتقدمة في باريس. وحصل على شهادة البكالوريوس في علوم الطيران من كلية الملك فيصل الجوية، وواصل تعليمه في الولايات المتحدة وحصل من جامعة هارفارد على شهادة “كبار التنفيذيين في الأمن الوطني والدولي”.

انضم الأمير خالد إلى القوات الجوية الملكية السعودية. وقد بدأت مسيرته المهنية في الطيران على طائرتي “تيكسان6″ و”تي – 38” في قاعدة كولومبوس الجوية في ميسيسبي. ثم التحق ببرنامج طيران على طائرة “أف – 15 أس”، وعُيّن ضابط استخباراتٍ تكتيكيا إلى جانب مهنته كطيار لطائرة “أف – 15 أس” في السرب 92 التابع للجناح الثالث في قاعدة الملك عبدالعزيز في الظهران.

الهيئة العامة للصناعات العسكرية عملت من خلال برنامج الشراكة الصناعية والتزامات التوازن الاقتصادي على دعم بناء قدرات محلية وتوطين التصنيع

تخصصه في الدراسات الأمنية عزّزه عبر دراساته العليا في جامعة جورجتاون التي التحق بها للحصول على درجة الماجستير، وقد أوقف دراسته فيها قبل تعيينه سفيرا للمملكة العربية السعودية في واشنطن بعد أن عمل مستشاراً ضمن البعثة الدبلوماسية السعودية إلى أميركا.

تجربة الأمير خالد تتجاوز الدراسات العسكرية النظرية، فإجمالي ساعات التدريب التي تلقاها كطيار مقاتل يقارب 1000 ساعة طيران، وقام بمهام جوية عملية ضد تنظيم داعش كجزء من التحالف الدولي. كما قام بمهمة في أجواء اليمن ضمن عمليتيْ “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل”. كما خضع لتدريبات مكثفة في قاعدة نيليس الجوية في ولاية نيفادا. ثم أجبرته إصابة في ظهره على التوقف عن الطيران، فعمل ضابطا في مكتب وزير الدفاع، ثم مستشارًا مدنيًا رفيع المستوى في الوزارة، قبل أن يتولى منصب نائب الوزير منذ 2019 وكذلك نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للصناعات العسكرية.

وإذا تحققت رؤية 2030، بتحول المملكة إلى قوة دفاعية مستقلة وقادرة على ضمان احتياجاتها الأساسية، فإن النجاح سوف يكفل للأمير الشاب أن يتأهل لما يؤهله له منصبه الجديد.

'