الأنشطة الرياضية فعّالة كالأدوية في علاج الاضطرابات النفسية – مصدر24

الأنشطة الرياضية فعّالة كالأدوية في علاج الاضطرابات النفسية

لندن – أثّر وباء كورونا بشكل كبير على الصحة النفسية والعقلية لمعظم الناس، وواجه الكثيرون تحديات كبيرة في سبيل السيطرة على قلقهم وتوترهم وما يشعرون به من ملل وإحباط جراء إجراءات الإغلاق والحجر المنزلي الذي حرمهم من الكثير من المتع ووسائل الترفيه.

غير أن خبراء الصحة النفسية واللياقة البدنية لطالما نصحوا بممارسة التمارين الرياضية، لما لها من دور فعّال في تحسين الصحة الجسدية والحالة المزاجية والأداء في العمل، كما تعتبر من أفضل الوصفات التي تساعد على تخفيف التوتر والقلق.

وأظهرت عدة دراسات علمية أن التمارين الرياضية الدورية لها نفس النتائج الإيجابية التي يحققها التأمل وأدوية الطب النفسي في علاج الكآبة والقلق والتقلبات المزاجية.

وسواء كان ذلك من خلال المشي السريع لمدة 30 دقيقة، أو ركوب الدراجة لمدة ساعة في الهواء الطلق، أو القيام ببعض التمارين في المنزل لمدة 20 دقيقة، فإن فوائدها الصحية فورية، فهي تساعد على التغلب على الأرق والاستمتاع بنوم هانئ، وتسهم في تحسين القدرات الجنسية والوقاية من الأمراض.

تخفيف الآلام

تزيد مزاولة النشاط الرياضي المتوسط أو عالي الكثافة بشكل منتظم في إطلاق هرمون الإندورفين، وفي الوقت نفسه یرتفع ضغط الدم في القلب، فیعتقد الدماغ أن الشخص إما يقاتل عدوا أو يھرب منه، ما يدفع الغدة النخامیة إلى إفراز ھرمون الإندورفین الذي یحارب التوتر ویقلل من مشقة الریاضة ویوقف الشعور بالألم.

ممارسة الرياضة تصنف على أنها أفضل من العقاقير في علاج بعض الأمراض النفسية، لأنها لا تترك آثارا جانبية على صحة المرضى

وكشفت دراسة أميركية حديثة أن التمارين الرياضية تلعب دورا مهما في الوقاية من مرض الزهايمر، عبر تحفيز الجسم على إنتاج هرمون يحسن الذاكرة ويحافظ على صحة الدماغ.

وأوضح الباحثون من كلية الطب بجامعة كولومبيا أن الرياضيين يعرفون أن تمرينا قويا يمكن أن يحفز الجسم على إطلاق سيل من هرمون الإندورفين الذي يساعد على تخفيف الآلام ويعطي شعوراً بالراحة والتحسن، كما أنه هرمون جيد لتحسين المزاج.

المواجهة أو الهروب

المواجهة أو الهروب هما ردّا فعل طبيعيان مبرمجان للجسم تجاه أي موقف مرهق وضاغط، وتكمن المشكلة في أن الكثير من ضغوط اليوم لا تتطلب القتال الجسدي أو الهروب، لكن الجسم يفرز الأدرينالين أو ما يعرف لدى الرياضيين بهرمون الكر والفر الذي قد ينتجه أحيانا بوتيرة عالية في حالات الانفعال والتوتر وعند زيادة حدة الاندفاع أو الاستعداد لأي طارئ أو ظرف صعب.

وأثناء ممارسة الرياضة ترتفع معدلات الأدرينالين في الدم، فتزداد قوة الجسم وسرعته كما يقل الشعور بالألم، وينجر عن ذلك الكثير من التغيرات الفيزيائية التي تجعل الجسم مستعدا للقتال بشدة أو الهروب بشكل أسرع من المعتاد، كنوع من الاستجابة لإشارة التهديد الناتجة عن الشعور بالغضب والغيظ.

ويرتبط هرمون الأدرينالين عادة بالمشاعر السلبية التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان كالحزن والخوف والقلق والغضب والتوتر؛ وعند التعرض لأي نوع من هذه المشاعر تبدأ الغدة الكظرية في إفراز هرمون الأدرينالين الذي يعمل على زيادة دقات القلب ورفع مستوى ضغط الدم فيستجيب الجسم لما يمر به الشخص من حالة نفسية ويمنحه الطاقة اللازمة للتعامل مع الموقف.

التفاعل البشري

Thumbnail

مع حلول الربيع عادت أنشطة الرياضة واللياقة البدنية في الهواء الطلق، إلا أن البعض يجد صعوبة في المواظبة على ممارسة الرياضة لذا ينصح ينس كلاينرت عالم النفس الرياضي الألماني بممارسة الرياضة بشكل جماعي مع الأصدقاء والمعارف، كي تتسم أجواء الممارسة بالمرح والبهجة.

ولا يساعد حضور تمرين رياضي جماعي أو المشاركة في جولة مع الأسرة أو الأصدقاء على أداء التمرين اليومي فحسب، بل يتيحان أيضًا فرصة التفاعل مع الآخرين الذين ربما يعانون من ضغوط مماثلة في الحياة. وهذا التفاعل البشري يساعد على التخلص من بعض المشاعر السلبية المرتبطة بالتوتر ويقلل من الشعور بالوحدة.

وأكد كلاينرت أن مكافأة النفس بالجوائز تسهم أيضا في المواظبة على ممارسة الرياضة؛ لذا يمكن للمرء مكافأة نفسه من وقت لآخر بوجبة لذيذة أو بملابس جديدة عند إحراز تقدم معين.

النوم بشكل أفضل

يمكن أن يكون الشعور بالتوتر وعدم القدرة على النوم حلقة مفرغة، ويتسبب الأرق في الإجهاد، ويصبح من الصعب تعويض النوم في الليلة التالية، إلا أن المواظبة على ممارسة التمارين الرياضية لا تكسر هذه الحلقة فقط من خلال تحسين الحالة المزاجية والنوم وتقليل التوتر والقلق، بل تساعد أيضًا على الشعور بالتعب في الليل، فيتمكن المرء من النوم  بشكل عميق دون أن يتململ كثيراً في فراشه.

وتوصلت دراسة أميركية حديثة إلى أن ممارسة التمارين الرياضية مرة واحدة لا تساعد بشكل سحري على النوم، بل إن ممارستها بشكل منتظم هي السبيل المناسب لذلك.

 كما كشفت الدراسة عن وجود علاقة تبادلية بين النوم والرياضة، إذ تساعد الرياضة على النوم فيما قد تؤدي قلة النوم إلى تراجع القدرة على ممارسة الرياضة.

الرياضة تساعد على النوم بشكل عميق، فيما تؤدي قلة النوم إلى تراجع القدرة على ممارسة الرياضة

وقالت الطبيبة كيلي بارون من جامعة نورثوسترن الأميركية، والباحثة الأساسية في الدراسة التي نشرت في دورية “كلينيكال سليب ميديسين” العلمية، “إذا كنت تعاني من الأرق فلن تتمكن من تحسين نوعية نومك فور بدء ممارستك للرياضة”.

وأوضحت أن العلاقة التي تجمع بين الرياضة والنوم طويلة المدى، داعية الأشخاص إلى المواظبة على ممارسة الرياضة وعدم فقدان اهتمامهم بها.

حياة منظمة

يمكن أن يكون الافتقار إلى التنظيم والتخطيط سببا رئيسيا في الشعور بالتوتر، سواء كان ذلك في الحياة المهنية أو ضمن الحياة الأسرية. لكن عند وضع خطة لممارسة التمارين وتحديد أهداف أسبوعية منتظمة فإن المرء سيشعر في النهاية بأنه قد حقق إنجازا كبيرا، وسيساعده ذلك على نقل هذه المهارات إلى مجالات أخرى. كما أن مجرد وضع خطة لممارسة الرياضة يوميا قادر على إزالة التوتر وإراحة الذهن.

وإذا كان المرء يقضي الكثير من الوقت في القيادة أو الجلوس خلف مكتب أو مشاهدة الأجهزة اللوحية والكمبيوترات والهواتف فعليه أن يضع في اعتباره أن وضعية الجلوس المطول والنظر إلى الشاشات تؤدي إلى الشعور بعدم الراحة أو إصابات في مفاصل الرقبة والكتف والظهر، ولذلك فإن النصيحة التي يسديها الخبراء هي القيام بتمرين الدمبل السريع من مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع للمساعدة على تقوية جميع العضلات الرئيسية ووسط الظهر والحفاظ على وضعية جلوس جيدة.

وأشار علماء من جامعة بوسطن وجامعة فيرجينيا الأميركيتين إلى أن ممارسة الرياضة تصنف على أنها أفضل من الأدوية في علاج بعض الأمراض النفسية، لأن تناول العقاقير يمكن أن يحدث آثارا جانبية على الرغم من نجاعتها في مداواة المريض، حيث أحيانا يؤدي استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب إلى ضعف الرؤية والقلق ليلا، وكذلك زيادة الوزن وانخفاض الرغبة الجنسية.

ونوه العلماء إلى ضرورة أن يحض الأطباء النفسيون مرضاهم بشكل أكبر على مزاولة الرياضة بشكل دوري، فهي سلاح طبي أساسي وفعّال في مكافحة القلق والاكتئاب.

'