الإصلاحات الاقتصادية في مصر لم تصطدم برجال الأعمال – مصدر24

الإصلاحات الاقتصادية في مصر لم تصطدم برجال الأعمال

القاهرة – أوقفت أجهزة الأمن المصرية رجل الأعمال الشهير صلاح دياب، الثلاثاء، للتحقيق معه في تهمة ارتكاب مخالفات مالية، ولم تفصح عن طبيعتها.

وجاء التوقيف في وقت يحاول فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي توسيع محاسبة المعتدين على أراضي الدولة، ووقف مخالفات البناء، وسد القنوات التي يتسرب منها الفساد، ومحاسبة من تحوم حولهم شبهات في هذا المجال.

وقال متابعون إن إجراءات الحكومة لنجاح الإصلاح الاقتصادي لم تقترب حتى الآن من طبقة رجال الأعمال، وحصّلت غالبية الضرائب من جيوب الموظفين والبسطاء، في حين حصد الكثير من المستثمرين مكاسب عدة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ووضعوا أياديهم على أراضٍ دون وجه حق، أو امتلكوها بثمن بخس لا يتناسب مع أسعارها الحقيقية.

وأضاف هؤلاء أن الحكومة قررت فتح هذا الملف المسكوت عنه، والتلويح بأن القانون يطبق على الجميع، وبلا استثناء طالما هناك مخالفات.

وسبق اتهام دياب منذ خمسة أعوام في قضايا خاصة بالاستيلاء على أراضٍ والتعدي على نهر النيل، وقام في ديسمبر الماضي بسداد مبلغ 270 مليون جنيه مصري (نحو 17 مليون دولار) مع شريكه رجل الأعمال محمود الجمال للتصالح في إحدى القضايا باسم “صن ست هيلز” بطريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي.

وأوقفت السلطات المصرية دياب ونجله و12 رجل أعمال، على خلفية عدة اتهامات بينها “العدوان على المال العام”. وقررت المحكمة آنذاك التحفظ على أمواله، ثم أحيل إلى المحاكمة بتهمة حيازة أسلحة وذخيرة، وأخلي سبيله بكفالة مالية قدرها 3200 دولار قبل أن يصدر حكم ببراءته.

لكن مراقبين اعتبروا القبض على دياب حاليا لا يخلو من تصفية حسابات سياسية مؤجلة، بسبب ارتكابه ما يوصف بـ”شطحات” تتناقض مع مصلحة الأمن القومي، في ما يخص سيناء، حيث نشر الرجل بتوقيع مستعار مقالا في أبريل الماضي بصحيفة “المصري اليوم”، وهو مؤسسها منذ حوالي 15 عاما، دعا فيه إلى اعتبار سيناء إقليما مستقلا عن الحكومة.

وطالب في عمود يومي، كان يكتبه بتوقيع “نيوتن”، بتعيين حاكم خاص له صلاحيات رئيس الجمهورية، ما دفع المجلس الأعلى للإعلام إلى توقيع عقوبات مالية آنذاك على “المصري اليوم”، وإلزام دياب بوضع اسمه الحقيقي على المقالات التي يكتبها بعنوان “وجدتها”.

ويبدو أن العقوبات المالية والمعنوية التي فرضت على الصحيفة لم تكن كافية، وهناك ضرورة لردع مؤسس الصحيفة نفسه، الذي يمتلك مشروعات عديدة في القطاع الزراعي تشوبها مخالفات قانونية.

لكن مصادر سياسية أشارت إلى أن مؤسسات قياس الرأي العام في مصر بدأت تستشعر حالة من عدم الرضا بين المواطنين على مستوى الطبقات الدنيا والوسطى تجاه الحكومة، بسبب زيادة الأعباء المالية، ورفع أسعار الخدمات، والتعامل بصرامة مع مخالفي البناء، ومعظمهم من متوسطي الحال، ما دفع الحكومة إلى تقديم نموذج جاهز ومعروف من رجال الأعمال يُدلل على عدم محاباة الفئات الأكثر ثراء، والتعامل بمساواة وعدالة مع جميع الفئات.

وثمة تصور آخر، يقول إن الضغوط الاقتصادية تقتضي توجيه رسالة عاجلة إلى مجتمع الأعمال للمساهمة في تمويل مشروعات الدولة، ودعمها ماليا.

"نيوتن" في قبضة الأمن بتهم مخالفات مالية
“نيوتن” في قبضة الأمن بتهم مخالفات مالية

وتشير واقعة القبض على دياب وتوقيتها إلى أنه لا يوجد أحد من رجال الأعمال بعيدا عن المحاسبة، وتخلي أصحاب الثروات عن جزء من ثرواتهم للمصلحة العامة قد يكون أمرا لا بديل عنه، لكن لماذا صلاح دياب تحديدا؟

أجاب أحد المقربين من الرجل، لـ “العرب”، قائلا “لأنه يمتلك صحيفة، وتجربة القبض عليه سابقا عززت أن مثل هذا الحدث يثير خوف وقلق المجتمع المخملي كله، الذي يتصور أنه بعيد عن عقاب الدولة”.

وربطت بعض الدوائر بين توقيف دياب، الذي له استثمارات في مجالات العقارات والبترول والأراضي الزراعية، وبين أنباء تجددت قبل أيام حول وجود عرض جديد مقدم له لبيع مؤسسة “المصري اليوم”، وهو ما استشعره عاملون في الصحيفة بعد أن تم إخلاء بعض طوابق مقرها وسط القاهرة، ووضع جميع العاملين في طابق واحد.

ورغم أن صلاح دياب نفى، في تصريح سابق لـ”العرب”، التفريط في صحيفته بالبيع، لم تستبعد مصادر مقربة إمكانية إتمام الصفقة بعد نضجها.

وعقد دياب اجتماعا مغلقا لمجلس إدارة الصحيفة قبل أيام بحضور عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس الإدارة، لمناقشة أمور طارئة، قال البعض إنها تهم وجود عرض بيع عاجل للمؤسسة.

ويعزز هذا التصور أن آخر مقال نشره دياب، صباح الثلاثاء، تحدث فيه عن أغنية شهيرة لفرانك سيناترا يراها تترجم حياته.

وتقول كلمات الأغنية “الآن وقد اقتربت النهاية، وأوشك الستار أن يسدل، فيا صديقي دعني أقلْها لك بصراحة ووضوح، عشت حياة مليئة بالأحداث، بالنجاحات والإخفاقات والأفراح والصدمات، مشيت فيها على كل درب، خضت كل المغامرات التي أتاحتها لي الظروف، أما عن الندم، فبالطبع هناك ما ندمت عليه، لكن إحقاقا للحق ندم يكاد لا يذكر”.

وتعتبر صحيفة “المصري اليوم” الوحيدة خارج ملكية الدولة، إذ استحوذت شركات تابعة لها على كافة وسائل الإعلام الخاصة، من صحف وفضائيات ومواقع إلكترونية وقنوات إذاعية.

وسواء كان التوقيف لأسباب اقتصادية أو لوجود مخالفات أو لأسباب إعلامية، ففي كل الأحوال يؤكد أن الحكومة عازمة على فرض قبضتها بلا تهاون، ولا أحد يستطيع مناطحتها.

'