الاستعداد لمرحلة يكون فيها الذكاء الاصطناعي هو المسيطر – مصدر24

الاستعداد لمرحلة يكون فيها الذكاء الاصطناعي هو المسيطر

هل يحقق مستقبل الذكاء الاصطناعي سعادة البشر أم يتسبب في فنائهم؟ هل يصبح أكثر ذكاء من البشر ويفوق قدراتهم أم سيظل تحت سيطرة الإنسان؟ تساؤلات يطرحها د. إيهاب خليفة في كتاب حمل عنوان “الذكاء الاصطناعي.. مستقبل الحياة البشرية في ظل التطورات التكنولوجية”.

في كتابه الجديد، يواجه الدكتور خليفة، أخصائي المدن الذكية ورئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأبوظبي، القارئ بمجموعة من الأسئلة تطرح يوميا أمامه، ويحاول أن يزيل الغموض عن موضوع أثار من الأسئلة والمخاوف أكثر من أي موضوع آخر.

هل هؤلاء على حق أم أن نظرتهم تشاؤمية وأن الذكاء الاصطناعي سوف يحسّن حياة الأفراد ويجعلها أكثر سهولة، على حد قول مارك زوكربيرغ رئيس موقع فيسبوك، وأن كل من يخشى الذكاء الاصطناعي فهو “يغالط البشر” كما صرح الملياردير الأميركي مارك أندرسون؟هل فعلا “سيدمر الذكاء الاصطناعي البشر” مثلما صرحت الروبوت الشهير صوفيا وأعلنت عن رغبتها في ذلك أم سيحقق رفاهيتهم وسعادتهم المنشودة؟ وهل ما صرح به أيلون ماسك، رجل الأعمال والتكنولوجيا، بأن تطوير الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى نشوب حرب عالمية جديدة، أم أنه سيؤدي إلى تدمير الجنس البشري كما رأى عالم الفيزياء الكبير ستيفن هوكينغ؟

وأخيرا هل فعلا الذكاء الاصطناعي بهذا القدر من الأهمية أم أن الأمر مبالغ فيه بدرجة كبيرة ولا يعدو كونه مجرد آلات تساعد في تيسير الحياة البشرية، وأن هذه الأفكار الجامحة ما هي إلا أحد أشكال الخيال العلمي الذي تروج له الأفلام والروايات؟

منظومة أخلاقية شاملة

“الذكاء الاصطناعي: مستقبل الحياة البشرية في ظل التطورات التكنولوجية” كتاب جديد يناقش مراحل تطور الذكاء الاصطناعي وتداعياته على البشرية والعالم

بداية يناقش خليفة في كتابه ما المقصود بالذكاء الاصطناعي، من حيث التعريف والنماذج ومراحل التطور والاستخدامات المتعددة، وكيف سيكون شكل الحياة البشرية في ظل سطوة نظم الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية متمثلة في نموذج المدن الذكية، ومع انتشار نماذج متعددة ومختلفة من هذه المدن القائمة على التقنيات الذكية سوف تنتقل البشرية كلها إلى مرحلة جديدة من التاريخ، تلك المرحلة التي يناقشها من خلال تتبع ملامح مجتمع ما بعد المعلومات وتغير عناصر وموازين القوى فيه.

أهمية الذكاء الاصطناعي، كما يؤكد خليفة، تتعدى كثيرا فكرة الإنسان الآلي أو الروبوت الذي يعمل ويفكر ويشعر كالبشر، أو الذي يفوق البشر مهارة وذكاء، للدرجة التي جعلت البعض ينادي بتطوير قدرات البشر عبر زرع شرائح ذكية في أدمغتهم، لكي تجاري قدرات الذكاء الاصطناعي فيصبح مع الوقت إنسانا نصف آلي.

وفي تعبير له قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن من سيمتلك “الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم”، ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرارا تنفيذيا يطلب من الوكالات الاتحادية تخصيص المزيد من الموارد للبحث في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتمتلك الصين إستراتيجية طموحة للهيمنة على هذا المجال.إن حقيقة الأمر تتعلق بمنظومة أخلاقية وقانونية شاملة تحكم تفاعلات الحياة الإنسانية الجديدة، تلك الحياة التي تجمع في شقيها الإنسان الآلي والإنسان البشري، الذي قد يكون أقصى أهدافه في المستقبل أن يتحول إلى “إنسان آلي كامل”، بدلا من أن يكون “نصف بشري” بفعل ثورة صناعة الذكاء.

إيهاب خليفة: الذكاء الاصطناعي مصمم للقيام بوظائف مفيدة وسيقوم بها رغم الظروف المحيطة

ويرى خليفة أنه مع انتشار التكنولوجيا المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي داخل المجتمعات، وتوجه الدول لتبني نماذج الحكومات الذكية، ظهر توجه آخر أكثر ذكاء، قائم على إنشاء “مدن ذكية”، قادرة على استيعاب الملايين من الأفراد، تتميز بكونها تعتمد بصورة رئيسية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لإدارة كافة متطلبات الحياة اليومية فيها، فالمنازل التي يسكنها الأفراد والبنية التحتية وأنظمة النقل والاتصالات والخدمات الحكومية والتجارية والصناعية وكافة القطاعات بهذه المدن تديرها نظم ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي وإنترنتالأشياء لتسيير الحياة بها، وتحدث بداخلها أنماط مختلفة من “التفاعلات الذكية” بين البشر وبعضهم البعض، وبين البشر والآلات، وبين الآلات وبعضها، تنتج عن هذه التفاعلات المليارات من التيرابايتس من البيانات المتولدة يوميا عنها، وتكون محصلة تحليل هذه البيانات قرارات وسياسات تساعد في تحسين نمط الحياة داخل المدينة الذكية.

ويشير خليفة إلى أن العالم على أعتاب ثورة جديدة ستغير شكل الحياة البشرية يقودها الذكاء الاصطناعي، وهي ثورة شاملة على مختلف المستويات، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وذلك لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتعدد وتتزايد بصورة يصعب حصرها، فهي تقريبا تدخل في كافة المجالات الإنسانية، وحتى اللحظة لم يتم وضع تصور أو تقييم موضوعي لتداعيات هذه التطبيقات، خاصة مع انقسام هذه التطبيقات ما بين تطبيقات مدنية وأخرى عسكرية، واختلاف تداعياتها فيكل منها.

بل يمكن القول إن بعض التطبيقات المدنية للذكاء الاصطناعي، والتي من المفترض أن تجعل حياة الأفراد أسهل وأسرع، مثل نمط المدن الذكية الذي يجمع كافة التقنيات الخاصة بنظم الذكاء الاصطناعي، قد تكون سببا في زيادة سطوة الآلات على الحياة البشرية.

مجتمع ما بعد المعلومات

حياة تجمع بين الإنسان الآلي والإنسان البشري فهل أن العالم على أعتاب مرحلة جديدة من التاريخ
حياة تجمع بين الإنسان الآلي والإنسان البشري فهل أن العالم على أعتاب مرحلة جديدة من التاريخ

العالم على أعتاب مرحلة جديدة من التاريخ البشري، ينتقل فيها من مرحلة مجتمع المعلومات إلى مجتمع ما بعد المعلومات، أو مجتمع الذكاء الفائق، أو مجتمع هيمنة الآلات، أو مجتمع الذكاء الاصطناعي، جميعها مسميات تحاول وصف ما سيكون عليه شكل الحياة البشرية خلال السنوات القليلة القادمة، وذلك على الرغم من صعوبة التنبؤ بما ستكون عليه.

ويوضح أن هذا المجتمع الخامس، أو “مجتمع ما بعد المعلومات”، يأتي بعد أربعة أجيال رئيسية مرت بها الإنسانية، وهي: مجتمعات الصيد والزراعة والصناعة والمعلومات، وأخيرا المجتمع الخامس أو “مجتمع ما بعد المعلومات”، ويمكن تعريفه بأنه: ذلك المجتمع الذي تتحول فيه المعلومة إلى وظيفة في حد ذاتها، حيث تندمج فيه المعلومة والآلة مع عقل الإنسان.

مارك زوكربيرغ: الذكاء الاصطناعي سيجعل حياة الأفراد أكثر سهولة

وبمجرد أن يفكر الإنسان في أي شيء تقوم الآلة بتنفيذه عوضا عنه، بل قد تقوم الآلة بالفعل بناء على توقعاتها لاحتياجات الإنسان، أي حتى قبل أن يفكر فيها، وذلك من خلال دراستها لسلوكه وقدرتها على التوقع باحتياجاته، ويُعتبر الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية هي المحرك الرئيسي داخل هذا المجتمع الجديد، مثلما كان الفحم محركا رئيسيا لمجتمع الصناعة.

ويشير خليفة إلى أن هذا التطور الغير مسبوق قد يعيد صياغة العديد من الثوابت والبديهيات، فنجد أن بعض البشر حول العالم سوف يكتفون بالروبوت رفيقا وزوجا بدلا من جنسهم، يشبعون حاجاتهم النفسية والجسدية مع الآلة التي قد يرون فيها مؤنسا وصديقا جديرا بالرفقة والتضحية أيضا في تخلّ صريح عن الحياة الإنسانية.

وقد يبدأ حينها الحديث عن منظومة قيم حقوقية للروبوت، مثل الحق في الجنسية والمواطنة والتقاضي والزواج والتعلم، إلى الحديث عن الحقوق السياسية كالانتخاب أو التمثيل السياسي، ومع تغلغل الروبوت شيئا في شيئا في كافة أشكال الحياة اليومية ستكون الكثير من المفاهيم الراسخة مثل العدالة والمساواة والخصوصية والحرية في حاجة إلى إعادة النظر.

ويتابع “هناك العديد من التداعيات المترتبة على زيادة الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء كانت أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتى إنسانية وقانونية. فمن ناحية اقتصادية، فإن الذكاء الاصطناعي سوف يؤثر على حجم ونوعية الوظائف وفرص العمل المتاحة، حيث من المتوقع أن يؤثر الروبوت سلبا على الوظائف في مجال الصناعات التحويلية وصناعة السيارات والأدوات الكهربائية، بالإضافة إلى خدمة الزبائن، بينما يؤثر إيجابا على وظائف أخرى مثل الهندسة الميكانيكية وهندسة الأمن والسلامة وصناعة البرمجيات والإلكترونيات، الأمر كذلك ينطبق على السيارات ذاتية القيادة والطائرات دون طيار والطابعات ثلاثية الأبعاد، حيث تهدد وظائف وتنعش وظائف أخرى”.

علاقات بشرية – روبوتية

الروبوت صوفيا: إن الذكاء الاصطناعي سيدمّر البشر
الروبوت صوفيا: إن الذكاء الاصطناعي سيدمّر البشر

يرى خليفة أنه من المنظور الأمني، فإن أحد التداعيات الخطرة التي تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي هو تهديدها لحق البشر في الحياة، ويتضح ذلك في حالة الأنظمة القتالية المستقلة، مثل الطائرات دون طيار التي تحمل أسلحة، أو الروبوتات الموجودة في أرض المعارك للقيام بوظائف محددة، حيث تكمن الخطورة هنا في أن هذه الأجهزة مصممة من أجل التدمير أساسا، فماذا يحدث إذا وقعت في يد الشخص الخطأ، أو تم اختراقها لقصور أو خطأ بشري في إجراءات التأمين والتلاعب بالخوارزميات التي تتحكم فيها، فهنا سوف تكون النتائج كارثية.

ويضيف البعض الآخر بعض التداعيات الإنسانية والأخلاقية، فزيادة الاحتكاك مع الآلات، من شأنها أن تفصل الإنسان تدريجيا عن محيطه الطبيعي الاجتماعي البشري، وأن تفقد العلاقات البشرية مرونتها التقليدية، وتجعلها أكثر صلابة وجمودا، فتتحول طرق التفكير والتفاعلات البشرية من التعقيد المفيد إلى التنميط ولو كان منتجا، ويصبح الهدف من العلاقات الإنسانية ماديا بعد أن كان معنويا بالأساس.

فلاديمير بوتين: من يمتلك الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم مستقبلا

ويقول إنه في ضوء ما سبق، يصبح التساؤل الرئيسي ما هي القواعد الأخلاقية التي تحكم العلاقات بين الإنسان والآلة، وبين الآلة والآلة أيضا، وما هي منظومة القيم أو مجموعة القواعد العليا التي يجب أن تعمل في إطارها هذه العلاقات “البشرية ـ الروبوتية”؟ كما يثار التساؤل حول الكيفية التي سيتم من خلالها التعامل مع التجاوزات التي تصدر عن الآلات، مثل اعتداء الآلة على الإنسان، كأن تقتل السيارة ذاتية القيادة إنسانا، أو أن يتم توظيف كاميرات المراقبة في انتهاك خصوصية الأفراد، أو أن يتسبب تعليم الآلات في ضمور القدرات البشرية، أو أن تتحكم خوارزميات البحث على الإنترنت في أنماط تفكيرنا وأولوياتنا، أو أن نشهد حالات زواج بين البشر والروبوت؟

الذكاء الاصطناعي مصمم للقيام بوظائف مفيدة للبشرية، وسيقوم بها، بغض النظر عن الظروف المحيطة أو المستجدة، فمثلا إذا قام أحد الأطفال في المنزل بمحاولة إعاقة الروبوت عن القيام بوظائفه في تنظيف المنزل على سبيل الدعابة، فإن الروبوت سيتعامل مع هذا الموقف باعتباره تهديدا يعوقه عن القيام بوظيفته، وقد يتسبب في مقتل هذا الطفل من أجل القيام بوظيفته التي صمم من أجلها، أسئلة وقضايا أخلاقية وفلسفية كثيرة، لا بد من الإجابة عنها أولا لضمان الحفاظ على هويتنا البشرية.

ويخلص خليفة إلى أهمية الاستعداد لمرحلة سيكون فيها الذكاء الاصطناعي هو المسيطر على الحياة الإنسانية، ويجب العمل نحو إنشاء منظومة قانونية وأخلاقية ومؤسساتية شاملة تحافظ على حقوق البشر مثلما تحافظ أيضا على تطوير هذه الصناعة التي ستغير شكل الحياة البشرية، ولكن يجب أن تضمن عدم سيطرة الآلة على الإنسان وأن يظل الإنسان هو المتحكم الرئيسي فيها في مجتمع جديد بدأ يتشكل هو مجتمع ما بعد المعلومات.

'