الامتدادات القبلية مع دول الجوار تبقي على نزيف دارفور – مصدر24

الامتدادات القبلية مع دول الجوار تبقي على نزيف دارفور

الخرطوم – كشفت جولة القتال الأخيرة التي اندلعت في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور بين قبائل عربية وأخرى أفريقية، وخلفت أكثر من 137 قتيلا والعشرات من الجرحى، مدى هشاشة الوضع الأمني في الإقليم وسط عجز السلطة الانتقالية عن ضبطه.

وتقول أوساط سياسية سودانية إن جذور الأزمة تعود إلى عقود، وهي قبلية بالأساس، وإن كان نظام الرئيس المعزول عمر البشير ساهم في تغذيتها، وبالتالي فإن معالجتها لا يمكن اختصارها في مجرد توقيع اتفاق سلام لا يزال غير مفعّل على الأرض في ظل استمرار تعثر الترتيبات الأمنية التي تضمنها.

وتلفت الأوساط إلى أن التشابكات القبلية بين دارفور ودول الجوار هي إحدى المغذيات الأساسية للصراعات القبلية التي تنفجر من حين إلى آخر في الإقليم، على غرار ما حصل في الأحداث الأخيرة.

وكشف والي غرب دارفور محمد عبدالله الدومة في وقت سابق إقدام “مسلحين من تشاد على الدخول إلى الولاية والمشاركة في أحداث الجنينة دعما لإحدى القبائل (المساليت)”، مشددا على أنه “يجب وضع خطط مع الدول المجاورة لمنع تكرار ذلك”.

محمد خليل الصائم: اتهام عناصر تشادية بالتورط في أحداث الجنينة له أبعاد مختلفة
محمد خليل الصائم: اتهام عناصر تشادية بالتورط في أحداث الجنينة له أبعاد مختلفة

وانتقد الدومة تراخي السلطة في التعاطي مع الوضع المتفجر قائلا إن “الحكومة المركزية حتى اليوم لم تقم بجمع السلاح من أيدي المواطنين ولم تقدم الدعم لحماية المواطنين في أحداث الجنينة ولم تصل قوات مركزية للتعامل مع الاشتباكات”.

وقال أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية اللواء محمد خليل الصائم إن اتهام ميليشيات من تشاد بالتورط في أحداث الجنينة الأخيرة له أبعاد مختلفة، إذ أن الأمر قد تكون له علاقة بدفع اتفاق سلام جوبا نحو تخلي الحركات عن العناصر الأجنبية التي تنضوي تحت لوائها، وهو ما يمثل أحد محفزات تحرك هذه الميليشيات حالياً من أجل التعبير عن رفضها لمثل هذا الإجراء.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن الأمر قد تكون أيضا له علاقة بأبعاد الصراع في دارفور، والذي يدور بالأساس بين المكون العربي وآخر أفريقي، وأن حصد الحركات المسلحة المحسوبة على الأفارقة الكثير من المزايا بفعل اتفاق جوبا على حساب القبائل العربية يشكل عاملاً محفزاً آخر نحو دفع الأوضاع للاشتعال مجدداً، وبالتالي فإنه سيكون من الوارد الاستعانة بميليشيات أجنبية في ظل انفلات الأوضاع الأمنية وعدم قدرة الأجهزة الأمنية النظامية على التعامل معها.

وأشار إلى أن الاتهامات ليست مبنية على دلالة واضحة تؤكد مشاركة عناصر أجنبية في الصراع، لأنه يصعب التفرقة بين السودانيين والأجانب في المناطق الحدودية بفعل أن الكثير من القبائل لديها امتدادات داخل البلدان المجاورة، وأن هناك 14 قبلية متواجدة في السودان لديها امتدادات وجذور في تشاد مثلاً، والأمر ذاته يتكرر مع مصر وإثيوبيا وإريتريا وأفريقيا الوسطي وجنوب السودان وليبيا.

وتفجر النزاع الاثنين على خلفية مقتل شخصين من قبيلة المساليت (أفريقية)، لتندلع على إثره اشتباكات دامية مع القبائل العربية التي تستوطن المنطقة.

وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية الجمعة ارتفاع ضحايا العنف بولاية غرب دارفور إلى 137 قتيلا، وسط ترجيحات بامكانية تصاعد حصيلة القتلى بالنظر إلى عدد الإصابات الخطيرة.

وذكرت اللجنة (غير حكومية) في بيان أنها “أحصت حصيلة جديدة من الضحايا بلغت 12 قتيلا و13 جريحا، خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع العدد الكلي لعدد القتلى الذين وثقتهم اللجنة منذ بداية الأحداث في 3 أبريل الجاري إلى 137 قتيلا و221 جريحا”.

Thumbnail

وأشارت إلى أنها “تواصل تنسيقها وتواصلها مع الجهات الحكومية لإيجاد حلول لقضية الجرحى الذين يحتاجون إلى تدخلات جراحية متقدمة وذلك بإجلائهم إلى الخرطوم أو إرسال فريق طبي متخصص مزود بالأجهزة والمعدات اللازمة لإجرائها في الجنينة”.

وينتقد الكثير من السودانيين السياسات الترقيعية للسلطة الانتقالية في التعاطي مع الوضع الأمني، ويكمن العلاج وفق البعض في ضرورة الشروع فورا في تنفيذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها في اتفاق السلام بين الجبهة الثورية والخرطوم من خلال استكمال خطوات التعاون والتكامل بين الجيش النظامي والحركات المسلحة.

ويحذر هؤلاء من أن الأزمة الأخيرة يمكن أن تتكرر في ظل الفراغ الأمني الحاصل في الكثير من المناطق، وانتشار السلاح بين قبائل وجماعات مسلحة بكثافة، مشددين على أهمية سد المنافذ المفتوحة أو على الأقل السيطرة على المحاور الرئيسية على طول الحدود المفتوحة مع كل من تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، والتي أصبحت طريقا تتسلل منه العصابات المسلحة إلى إقليم دارفور ومنه إلى عمق السودان.

ويلفت متابعون إلى خطورة استمرار الانفلات في دارفور والذي يمكن أن يتداخل فيه البعد القبلي مع العقائدي، بجانب نشاط الميليشيات المتصاعد، بما يؤدي إلى زيادة التكفلة البشرية في ظل ضبط عدة عربات دفع رباعي مؤخرا تابعة لحركة بوكو حرام ما قد يحول الإقليم إلى بؤرة لصراع ممتد يقوده إلى الارتباط بحزام المتطرفين الذين ينتشرون في دول الجوار.

ويغري الوصول إلى هذه الحالة حركات سودانية متشددة كامنة في دارفور بالخروج عن صمتها، وتغذية التوترات والدخول على بعض حلقاتها الضعيفة بصورة أكثر غزارة، الأمر الذي دفع بعض القوى إلى التحذير مرارا من الدور السلبي الذي يلعبه فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير وعناصر تابعة للحركة الإسلامية في الإقليم.

ويشهد إقليم دارفور الواقع في غرب البلاد منذ عام 2003 صراعا داميا عندما حملت مجموعات تنتمي إلى أقليات أفريقية السلاح ردا على تهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا.

وتراجعت حدة القتال في الإقليم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ولكن الاشتباكات القبلية لا تزال مصدر التهديد الرئيسي للأمن.

'