البحث عن الغاز يشتت دول الاتحاد الأوروبي – مصدر24

البحث عن الغاز يشتت دول الاتحاد الأوروبي

بروكسل – وجدت الدول الأوروبية نفسها مقيدة في التعاطي مع الأزمة الروسية – الأوكرانية، حيث تفرض عليها تبعيتها الطاقية لموسكو الحذر في ردود فعلها تجاه الكرملين المتعنت في حربه ضدّ كييف.

وللحد من تلك التبعية، اتفقت غالبية دول الاتحاد الأوروبي وبقرار شبه موحد، على أهمية خفض إمداداتها من الغاز الطبيعي الروسي خلال الفترة المقبلة، ضمن جهود يتبعها التكتل لإضعاف موسكو اقتصاديا.

وتقود روسيا حربا ضد أوكرانيا منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي، ما دفع الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى فرض حزم عقوبات على موسكو في مختلف القطاعات أبرزها الطاقة والبنوك.

ويعكف الاتحاد الأوروبي على إعداد “عقوبات ذكية” على واردات النفط الروسية، وفق تصريحات نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس الذي قال “نعمل على حزمة عقوبات سادسة وإحدى القضايا التي ندرسها هي شكل من أشكال الحظر النفطي. عندما نفرض عقوبات، نحتاج إلى القيام بذلك بطريقة تزيد من الضغط على روسيا مع تقليل الأضرار الجانبية التي تلحق بنا”.

وأضاف أنه لم يتم الاتفاق بعد على التفاصيل الدقيقة للعقوبات النفطية، لكن يمكن أن تشمل الإلغاء التدريجي للنفط الروسي أو فرض رسوم جمركية على الصادرات بما يتجاوز سقف سعر معين.

غالبية دول الاتحاد قد تجد نفسها في وضعية العجز عن توفير حاجتها من الطاقة لعدم وجود علاقات قوية مع الدول المنتجة

وروسيا هي أكبر مصدر للنفط إلى أوروبا، وقدمت 26 في المئة من النفط الذي استورده الاتحاد الأوروبي في عام 2020. وتصدر موسكو سنويا قرابة 178 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا وتركيا، من إجمالي صادراتها البالغة قرابة 235 مليار متر مكعب.

ومقابل ذلك، قالت المفوضية الأوروبية إنها ستقوم بتأسيس منصة لشراء حاجة أعضائها من الغاز الطبيعي بأسعار معقولة، في السياق الجيوسياسي الحالي وللتخلص التدريجي من الاعتماد على الغاز الروسي.

وفعلا، أنشأت المفوضية الأوروبية مع الدول الأعضاء منصة الاتحاد الأوروبي للشراء المشترك للغاز والغاز الطبيعي المسال والهيدروجين، وعقدت أولى اجتماعاتها في الثامن من أبريل الجاري.

لكن على الأرض، يظهر أن الحرب الروسية تتجه لتفريق دول الاتحاد في جزئية البحث عن بدائل للغاز الروسي، إذ بدأ كبار المستهلكين في أوروبا إجراء مفاوضات فردية من المنتجين للفوز بعقود جديدة.

هذه المفاوضات الفردية قد تكون انتصارا روسيا غير مباشر، يتمثل في إفشال جهود قيادة المفوضية الأوروبية بمفاوضات موحدة لتوقيع عقود جديدة للغاز الطبيعي مع منتجين آخرين.

وبينما اتجهت ألمانيا منذ مارس الماضي إلى دول الخليج العربي وبالتحديد قطر لتعويض الغاز الروسي، ذهبت إيطاليا إلى أفريقيا وبالتحديد إلى الجزائر وأنغولا ومصر والكونغو ونيجيريا.

وحتى اليوم، تعتمد ألمانيا على روسيا للحصول على 50 في المئة من حاجتها للغاز الطبيعي، بينما تعتمد إيطاليا على الغاز الروسي بنسبة 40 في المئة.

Thumbnail

ولولا إصابته بفايروس كورونا الأسبوع الماضي، كان رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي سيرأس وفدا للسفر إلى عدة دول أفريقية لتوقيع عقود لتوريد الغاز الطبيعي. بينما أعلنت فرنسا التي تستورد 25 في المئة من الغاز من روسيا عن خطوات لتوسيع محطات لتسييل الغاز، وبناء مخازن أكبر لتخزين مصدر الطاقة الأبرز بالنسبة إليها والبحث عن مصدّرين جدد من آسيا وأفريقيا.

وفي المقابل، عززت إسبانيا حصتها من الغاز الطبيعي القادم من الجزائر، لكنها بدأت تخشى على حصتها لصالح إيطاليا، نظرا للعلاقات القوية التي تجمع روما والجزائر. بينما وجدت دول غرب أوروبا والمملكة المتحدة، من الغاز الطبيعي القادم من الولايات المتحدة، بديلا لتعويض الغاز الروسي.

وأمام هذه الجهود الفردية، قد تجد غالبية دول التكتل نفسها في وضعية العجز عن توفير حاجتها من الطاقة لعدم وجود علاقات قوية أو شراكات بينها وبين الدول المنتجة.

وهنا، تبرز أهمية شركات الطاقة في بناء عقود جديدة للغاز الطبيعي، مثل “إيني” الإيطالية التي تنشط في 12 بلدا أفريقيا، و”توتال” الفرنسية، و”بريتش غاز” البريطانية.

لكن الشتاء البارد في أوروبا هذا العام أفقدها جزءا كبيرا من مخزوناتها، والتي تحتاج اليوم إلى إعادة ملء لموسم الشتاء المقبل.

وحدد الاتحاد الأوروبي لنفسه هدفا لملء مخزون الغاز تحت الأرض إلى 80 في المئة من طاقته بحلول أكتوبر المقبل؛ وقد يكون ذلك ممكنا ولكن بتكلفة سياسية ضخمة. إذ سيتعين على الاتحاد الأوروبي الاستمرار في شراء أكبر قدر ممكن من الغاز الروسي كما هو الحال الآن، إذ لم تظهر أرقام شركة غاز بروم الروسية أي تراجع في إمدادات الغاز لدول التكتل.

وتواصل روسيا ضخ الغاز إلى أوروبا رغم الرفض الغربي لقرار موسكو بتحويل المدفوعات عن إمدادات الغاز للدول “غير الصديقة” للروبل.

ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن المتحدث باسم شركة “غازبروم” الروسية سيرجي كوبريانوف القول في بيان ”تقوم غازبروم بضخ الغاز لنقله عبر الأراضي الأوكرانية بشكل اعتيادي، ووفقا للكميات المطلوبة من المستهلكين الأوروبيين، والتي تبلغ اليوم 56 مليون متر مكعب”.

 

Thumbnail

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الكمية من الغاز تأتي أقل بكثير من إجمالي الالتزامات التعاقدية التي يمكن أن تضخها غازبروم عبر أوكرانيا والبالغة نحو 109.7 مليون متر مكعب في اليوم.

وتبلغ كلفة شراء الاتحاد الأوروبي للغاز الروسي يوميا حوالي 200 مليون دولار أو 36 مليار دولار للستة أشهر المقبلة، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.

ومؤخرا تحدث جوزيب بوريل كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي بصراحة عن مشكلة شراء الفحم والنفط والغاز الروسي.

وقال في تصريحات صحافية “كل يوم تقريبا ندفع مليار يورو (1.1 مليار دولار) لاستيراد الطاقة الروسية (النفط، الغاز، الفحم)، ومن الواضح أن هذا مصدر دخل يستخدم لتمويل الحرب” الروسية على أوكرانيا.

وأشارت وكالة بلومبرغ للأنباء إلى أن المتعاملين في سوق الغاز الأوروبية يتابعون عن كثب ما إذا كان سيتم التوصل إلى حل لأزمة إصرار الكرملين على تحصيل قيمة صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي بالروبل الروسي، في حين يقول محامو الاتحاد إن هذه الطريقة تمثل انتهاكا للعقوبات المفروضة على روسيا، لكن الرئيس فلاديمير بوتين يهدد بوقف تدفق الغاز إذا لم يتم سداد ثمنه بالروبل.

وبالتوازي مع التعنت الروسي ارتفعت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في تعاملات أوروبا، في ظل استمرار تراجع إمدادات الغاز الواصلة إلى أوروبا وتوقعات انخفاض درجة حرارة الطقس خلال الأسابيع المقبلة.

وارتفع سعر الغاز الطبيعي الهولندي وهو الغاز القياسي للأسواق الأوروبية بنسبة وصلت إلى 5.7 في المئة الاثنين قبل خسارة بعض مكاسبه.  وبحسب شركة غاسكو المشغلة لشبكة أنابيب الغاز في النرويج، فإن الإمدادات القادمة من النرويج تتجه إلى الارتفاع، لكنها مازالت أقل من متوسط حجمها في الشهر السابق بنحو 10 في المئة نتيجة أعمال الصيانة في منشآت قطاع الغاز.

'