البنك المركزي يشلّ حركة الاستيراد في مصر – مصدر24

البنك المركزي يشلّ حركة الاستيراد في مصر

دخلت الحكومة المصرية في مواجهة مع المستوردين بعد قرار البنك المركزي إيقاف التعامل بمستندات التحصيل لتنفيذ كل العمليات الاستيرادية والتحول كليّا نحو الاعتمادات المستندية باستثناء فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة لها، وهو ما اعتبرته الأوساط التجارية تكبيلا لأعمالها.

القاهرة – دعا محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر رجال الأعمال إلى ضرورة ترتيب أوضاعهم وعدم إهدار الوقت في مناقشات لا علاقة لها باستقرار التجارة الخارجية وسلامة أدائها، بعد أن تذمروا من قرار البنك المتعلق بالتعامل بالاعتمادات المستندية بشكل كامل.

وتقدم عدد من منظمي الأعمال، يتزعمهم اتحاد الصناعات وجمعية رجال الأعمال والغرفة التجارية بخطاب إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للمطالبة بتدخله وإلغاء قرار المركزي، معتبرين أنه اتخذه مُنفردا ويضر بالصناعة والإنتاج والاستهلاك بالبلاد.

ويكمن الفارق بين الأداتين أن الاعتمادات المستندية يتم التعامل فيها بين بنك المستورد وبنك المصدر، وتشكل المصارف حلقة الوصل بين المصدر والمستورد، إذ تحتجز سعر البضاعة من المستورد قبل وصولها ثم ترسلها إلى بنك المصدر بعد وصولها.

أما في طريقة مستندات التحصيل فيكون التعامل بين المستورد والمصدر بشكل مباشر بناء على الثقة والتعاملات السابقة، فيما يقتصر دور البنك على تحويل الأموال فقط.

ويرى المركزي أن القرار يأتي في إطار حوكمة عملية الاستيراد وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي يبدأ تطبيقها بصورة إلزامية اعتبارا من الأول من مارس المقبل.

ويعني نظام الإفراج المسبق عن الشحنات تقديم المستورد لمستندات استيراد السلعة قبل وصولها إلى الموانئ المصرية وإنهاء جميع الإجراءات تمهيدا للإفراج عنها فور وصولها إلى الميناء.

علي عيسى: القرار يرسم صورة سلبية عن حقيقة الاستثمار في مصر

وتُلزم المنظومة الجديدة المستوردين والمستخلصين في الجمارك بتبادل بيانات ومستندات الشحنات إلكترونيا والحصول على موافقة مسبقة قبل الشحن مع قيام النظام الجمركي بمنح الموافقة خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة من وقت تقديم الطلب بحيث تتم حماية الحدود من أي مواد خطرة مهربة.

ووجد القرار اعتراضات كبيرة من جانب المصنّعين والمستوردين بشكل مباشر على طريقة إمداد الصناعة باحتياجاتها من مستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة وقطع الغيار لخطوط الإنتاج، ما يزيد من مشكلة سلاسل الإمداد القائمة منذ انتشار جائحة كورونا.

ومن المتوقع أن ينعكس القرار سلبا على حجم الإنتاج وتوفير السلع ما يرفع أسعارها، كما قد تتضرر إمدادات صناعة الدواء لأنها في الكثير من الأحيان تكون عبر شحنات صغيرة بأوامر توريد عاجلة من خلال الشحن الجوي.

لكن الوضع الآن اختلف حيث ستضطر الشركات إلى فتح اعتمادات مستندية، وهو ما يؤخر الحصول على خامات الأدوية.

وربما يمثل قرار البنك في ظاهره تقييدا للاستيراد، لكن في باطنه غرضه الرئيسي تخفيف الضغط على الدولار، وقد يكون قرارا غير مدروس بدقة، لأنه قد يضعف سلاسل الإمدادات بشدة لارتفاع مصاريف وعمولات الاعتمادات المستندية، ومن ثم يؤدي إلى المزيد من البطالة والتضخم في وقت تعاني دول عدة من تداعيات كورونا.

ويراهن المركزي لتفعيل قراره على ثقته في رضوخ رجال الأعمال، ويعتبر موقفهم “زوبعة” استثمارية سوف تنتهي سريعا كما حدث وقت صدور قرار التسجيل المسبق للشحنات من قبل وزارة المالية، لأنه يربط قراره بتسجيل الشحنات.

وبدأت الحكومة التشغيل التجريبي لنظام التسجيل المسبق للشحنات مطلع أبريل الماضي تمهيدا للتشغيل الإلزامي له مع بداية مارس المقبل، حيث تعتبره “فرس الرهان” لتحسين مؤشر مناخ الأعمال على المستوى الدولي.

وقال علي عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين لـ”العرب”، إن “القرار يرسم صورة سلبية عن مناخ الاستثمار بمصر ويُضعف ثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد والصناعة، ويوحي بوجود خلل في تدفق العملات الأجنبية وتوافرها في البلاد”.

وتحظى الواردات بأهمية نسبية كبيرة في السوق المحلية، تتمثل في تلبية أولويات ومتطلبات عمليات الإنتاج من السلع الرأسمالية والوسيطة والأولية والمواد الخام ومستلزمات التعبئة والتغليف، حيث يعاد تصنيعها وتصدير غالبيتها مرة ثانية.

حوكمة عملية الاستيراد ضرورة لتسجيل كل هذه الشحنات
حوكمة عملية الاستيراد ضرورة لتسجيل كل هذه الشحنات 

وأوضح عيسى أن التأثير السلبي للقرار لا يقتصر على المصنّعين أو التجار فقط، بل يمتد إلى المنظومة الطبية أيضا، لاسيما في ما يتعلق باحتياجات المستشفيات من الإمدادات بقطع غيار المعدات الطبية والمستلزمات العلاجية الأخرى.

وحذّر من حدوث مخاطر كبيرة تؤثر على توفير الخدمات الطبية في المستشفيات مع استمرار الجائحة، وربما تحميل المرضى أعباء جديدة تشمل زيادة تكلفة الخدمات الطبية، وقد يصل الأمر إلى الإخلال بالتعاقدات بين المستشفيات ومنظومة التأمين الصحي الجديدة.

ومن شأن القرار أن ينعكس سلبا على الصادرات التي تلعب دورا رئيسيا في تدفق العملات الأجنبية للبلاد، ويعد توافر الدولار وغيره من العملات الأجنبية سببا رئيسيا في جذب الاستثمار الأجنبي الذي يعزز من توفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة لدى الناس.

متّى بشاي: نتوقع زيادة مؤكدة في تكاليف الاستيراد وانتشار البطالة

وأكد متّى بشاي رئيس لجنة التجارة بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية في مصر، أن الخطوة تربك الاستيراد وقد تتسبب في مغادرة فئة من المستوردين للقطاع لعدم قوة الملاءة المالية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه ينبغي على المستورد في النظام المزمع تطبيقه سداد كامل قيمة الاعتماد مقدما للبنك بما يؤثر على معدلات التوظيف.

ولفت إلى أن أي بضاعة مستوردة ستخضع لمصاريف الاعتماد وتغطيته بالكامل، وسترفع الاعتمادات المستندية التكاليف والمصروفات على المستوردين، فضلا عن ضرورة دفع “عربون”، وهو مبلغ مالي يدفع مقدما من إجمالي قيمة الاستيراد لشركات النقل بالخارج لتسريع إرسال البضائع.

واعتبر بشاي أن تلك الأعباء الجديدة تزيد من المصاريف والتكاليف على المستورد، وربما تدفع إلى رفع أسعار السلع بما يتراوح بين 15 و20 في المئة.

وحذرت الغرفة التجارية بالإسكندرية برئاسة رجل الأعمال أحمد الوكيل في بيان لها “من تدهور وضع مصر الإقليمي والدولي بعد هذا القرار الذي لا يتماشى مع جهود الدولة خاصة الأجهزة المعنية بالتجارة الخارجية”.

وقالت “نأمل أن يعيد محافظ المركزي النظر في القرار وأن يقلع عن تنفيذه في أسرع وقت ممكن قبل حدوث بلبلة على الصعيد الخارجي، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة التي جاء أهمها طعن الاتحاد الأوروبي في الإجراءات التي تشترطها مصر بشأن تسجيل الواردات”.

وتبدو تداعيات القرار على الصعيد المحلي خطيرة للغاية، وسوف تترب عليه آثار سلبية في الإخلال بآليات العرض والطلب، ما ينتج عنه ارتفاع معدلات التضخم بشكل لا يماشى مع غالبية المواطنين نتيجة ضعف القوة الشرائية المحلية.

'