التراخي في تطبيق مخرجات السلام يعيد شبح البشير إلى دارفور – مصدر24

التراخي في تطبيق مخرجات السلام يعيد شبح البشير إلى دارفور

الخرطوم– أعادت اشتباكات واسعة وقعت في ولاية غرب دارفور أجواء صراع دموي، ومشاهد حرب سابقة شنها نظام الرئيس السابق عمر البشير في الإقليم، أدت إلى مقتل ونزوح مئات الآلاف من المواطنين، وعدّت من أكبر حروب الإبادة الجماعية في المنطقة، وجرّت على السودان أزمات وويلات تجاوزت حدود دارفور.

وأكدت نقابة الأطباء في غرب دارفور، الأحد، مصرع 83 شخصا وإصابة 97 آخرين، جراء هجوم شنته ميليشيات مسلحة على مدينة “الجنينة”، السبت، ومن المتوقع زيادة عدد الضحايا في ظل استمرار الهجمات، وإخفاق فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال في لجم تصرفات جماعات عديدة وإغماد سلاحها.

منذر أبوالمعالي: عدم تطبيق الترتيبات الأمنية وتقسيم الثروة، أهم عوامل إشعال الصراع

واستخدمت ميليشيات قبلية رشاشات وأسلحة ثقيلة كانت بحوزة عناصرها في اشتباكات دارت حول معسكري كريندق وأبوزر للنازحين، دون اكتراث بالأجهزة الأمنية التي تتحمل جانبا من أزمة باتت ترخي بظلال قاتمة على السلطة الانتقالية.

وطالبت جهات محلية بالإسراع في نزع سلاح الميليشيات وبسط هيبة الدولة والتحقيق في الأحداث الدامية، بعد نشر الذعر، وانتهاك حقوق الإنسان وتفشي أعمال السلب والنهب في “الجنينة”، ما يوحي بوجود تشابه بين جرائم اليوم والأمس.

وقالت هيئة محامي دارفور إن ميليشيات مسلحة هاجمت المدينة من جميع الاتجاهات، وكانت مسنودة بمجموعات أتت من مناطق متفرقة من ولاية غرب دارفور، ووسط دارفور المجاورة، وحدود دولة تشاد المتاخمة.

ووجهت أصابع الاتهام للسلطة المركزية بسبب إخفاقها في وضع خطة إستراتيجية واضحة لنزع سلاح جميع الحركات النشطة في الإقليم. وما لم تشرع الدولة في بسط هيبتها، وتحجيم العناصر المسلحة بالأحكام الرادعة، ستعم الفوضى إقليم دارفور.

وحمّل القيادي بقوى الحرية والتغيير، منذر أبوالمعالي، في تصريح لـ”العرب”، الأجهزة الأمنية مسؤولية انفلات الأوضاع في أقاليم كثيرة، وفتح تراخيها في القيام بدورها الباب لتصاعد التوتر في الهامش والأطراف، ما يعرقل المرحلة الانتقالية.

وتشهد مناطق في غرب البلاد وشرقها وجنوبها توترات وصراعات قبلية قديمة، وتحتاج إلى قوة أمنية صارمة تردع العناصر التي تملك السلاح بكثافة، ويجري تهريبه إليها عبر ممرات آمنة من دول الجوار.

وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن “مشاهد العنف الراهنة في دارفور تعيد إلى الأذهان مقاطع من جرائم وقعت في عهد البشير”، ولم تستبعد وجود قيادات كبيرة في السلطة ترتاح لهذا التوتر، وتدفع نحو غض الطرف عنه كنوع من تصفية الحسابات.

وحذرت المصادر نفسها من نتائج التمادي في هذه السياسة، في ظل توترات حدودية يواجهها الجيش مع إثيوبيا، دفعته إلى سحب عدد من قواته من الغرب، تحسبا لمواجهة فاصلة مع القوات الإثيوبية، ما يترك فراغا في دارفور ويوفر للميليشيات فرصة إعادة التموقع.

ولم يستبعد متابعون وجود جهات مختلفة تسعى إلى تفكيك معسكرات النازحين بالقوة المسلحة، لطمس آثار جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي ارتكبها نظام البشير في دارفور.

وأمر رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، السبت، بإرسال وفد عاجل إلى “الجنينة” برئاسة النائب العام، ويضم ممثلين لكافة الأجهزة الأمنية والعسكرية والعدلية لمتابعة الأوضاع واتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة الوضع واستعادة الهدوء والاستقرار في الولاية.

وشهد إقليم دارفور تجددا في المواجهات القبلية قبيل انتهاء مهمة بعثة السلام المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) في نهاية ديسمبر الماضي، ومع ذلك لم تسد السلطة الثغرات التي قادت إلى هذه المواجهات، ما ضاعف صعوبة توقفها.

ويقود البطء في تطبيق اتفاق السلام الموقّع في جوبا خلال أكتوبر الماضي بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية الممثلة لحركات مسلحة، إلى المزيد من التوترات، وهو ما يدفع إلى وجوب منح أولوية لتنفيذ بنود الترتيبات الأمنية وتشكيل القوة المشتركة لحفظ السلام والأمن، عقب انسحاب “يوناميد”، وحل أزمة الأراضي المعلقة في الإقليم.

Thumbnail

وأدى التراخي الرسمي في مواجهة بعض الجماعات المسلحة غير المنخرطة في اتفاق جوبا، إلى أن تعتقد الأخيرة أن السلطة المركزية ليست راغبة في تنفيذ اتفاق السلام، وهو ما فرض على عدة حركات ترتيب أوراقها في دارفور كي تتمكن من تحسين وضعها التفاوضي لاحقا.

ودفع اتفاق جوبا بعض العناصر المسلحة إلى الانشقاق عن الحركات الأم وتكوين خلايا صغيرة بحثا عن جزء من كعكة المناصب التي توزعت على قيادات حركات كبرى، إلى جانب وجود فصائل لم توقع على الاتفاق أصبح من مصلحتها تصاعد الأوضاع الأمنية إلى حين انخراطها في العملية السياسية.

وأوضح منذر أبوالمعالي، لـ”العرب”، أن “الذهاب باتجاه المحاصصات في اتفاق السلام وعدم إنزال ملفات الترتيبات الأمنية وتقسيم الثروة على الأرض حتى الآن، من أهم العوامل التي تدعم إشعال الخلافات القبلية وتحمل في ثناياها أبعادا سياسية ترتبط بعدم توافق أبناء الهامش على اتفاق السلام الشامل”.

ونص اتفاق جوبا على تشكيل قوة مشتركة تتكون من اثنيْ عشر ألف عنصر، مناصفة بين القوات الحكومية وتلك التابعة للحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق السلام، وتتولى حفظ الأمن في إقليم دارفور الحافل بالتناقضات القبلية والفوضى والعصابات المسلحة.

وقد تفرض معطيات دارفور إعادة النظر في قرار مجلس الأمن بإنهاء مهمة بعثة السلام، والعمل على تبني خطوات وتدابير لحماية المواطنين في الإقليم، ونزع سلاح الميليشيات، وتقديم جميع المتورطين في الأحداث إلى المحكمة الجنائية الدولية.

لكن أمين التنمية والإعمار بحركة جيش تحرير السودان (جناح مني أركو مناوي)، عثمان والي، رفض توجيه الاتهام لقوات “يوناميد” وما أحدثته من فراغ، حيث تسيطر الأجهزة الأمنية على مفاتيح الأوضاع في غرب دارفور.

وأشار لـ”العرب”، إلى أن عرقلة تنفيذ اتفاق السلام المستمرة من قبل قوى نافذة تُفرز حالة من الفراغ في الأطراف، فضعف حكومة غرب دارفور وعدم قدرتها على التعامل مع المشكلات القبلية يؤديان إلى تصاعد الأحداث سريعا، ما لم تكن هناك تدخلات أمنية حاسمة من السلطة الانتقالية، وإعادة تشكيل الحكومة الجديدة وحكومات الولايات، ودمج الحركات المسلحة، لتصبح على رأس إدارتها.

'