التسريبات في محيط السلطة هدية على طبق لمعارضي النظام المصري – مصدر24

التسريبات في محيط السلطة هدية على طبق لمعارضي النظام المصري

القاهرة – تلقفت وسائل إعلام تابعة لجماعة الإخوان وتركيا وقطر تسريبات تفيد بأن مقربين من النظام المصري هاجموا مسؤولين فيه، بعض هذه الوسائل الإعلامية اتخذت موقفا حادا من هؤلاء المقربين، مستغلة ذلك في الإيحاء بأن هناك تنافسا بين متنفذين داخل النظام أدى إلى خروج التسريبات إلى العلن.

وانتشر أحدث تسريب على مواقع التواصل الاجتماعي عن النائب عبدالرحيم علي، وأحدث ردود فعل متصاعدة، خصوصا ما يتعلق بالتطاول على شخصيات في الدولة.

وسبق أن تجرّع عبدالرحيم علي -المعروف بأنه “زعيم التسريبات في مصر”- من الكأس نفسها، فقد أذاع سابقا في برنامجه التلفزيوني “الصندوق الأسود” العديد من التسريبات التي تدين قيادات جماعة الإخوان، وتنال من شخصيات معارضة.

ويبدو أن الهدف من التسريب الذي انتشر عشية معركة علي للحصول على مقعد في انتخابات البرلمان، السبت، هو ضربه في الجزئية التي برع فيها.

ورغم أن علي الذي يمتهن الصحافة أيضا شكك في التسريب، وقال إنه “مفبرك ومدسوس عليه” بتقنية عالية، تميل دوائر أمنية إلى تصديق صحته، لأن الطرف الآخر قاضٍ في مجلس الدولة، وكان زوجا لابنته ثم طلقت منه، وبدا فيه متحفظا إلى حد كبير، بما يفهم منه صفة القصدية.

وسواء أكان الهدف من التسريب ضرب عبدالرحيم علي إعلاميا من جانب مسؤولين في مصر رأوا أنه أصبح عبئا وانتهى دوره الإعلامي، أم كان لتصفية حسابات عائلية، ففي الحالتين استغلت وسائلُ إعلام مناهضةٌ التسريبَ باعتباره ينال من هيبة النظام.

وقال محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن انتشار تسريبات لأشخاص يفترض أنهم قريبون من النظام “يعكس خلافا داخل بعض المؤسسات الشريكة في صنع القرار، وهذا يضر بصورته، ويكفي أن القنوات المعادية وجدت السلاح الذي تستهدف من خلاله الدولة المصرية”.

وأضاف خليل في تصريح لـ”العرب”، أن “ضرب أي شخصية عامة قريبة من دوائر صُنع القرار من خلال بث التسريبات يعبّر عن الفوضى، فالدولة عانت منذ سنوات من تسريب محادثات وجلسات خاصة لمسؤولين بارزين، فكيف يتم استخدام الوسيلة نفسها ضد فئة مقربة لمجرد التخلص منها أو حرقها في الشارع”.

محمود خليل: استهداف مقربين من دوائر القرار بالتسريبات يعبر عن الفوضى

وراجت التسريبات المعاكسة خلال الفترة الماضية، وبعد أن كانت تستهدف خصوم النظام بدأت تنال من رجاله، حيث أذاع التلفزيون الرسمي مؤخرا محادثة تليفونية جرت منذ تسع سنوات، بين السيد البدوي رئيس حزب الوفد السابق، وأسامة هيكل وزير الدولة للإعلام في مصر، قدم فيها الأول تعليمات للثاني تقضي بالهجوم على جماعة الإخوان.

ومع أن صوت هيكل لم يكن واضحا بما فيه الكفاية خلال المحادثة، عُدّت الخطوة سابقة في حد ذاتها، وتنطوي على دلالات عميقة، إذ لم يعهد المصريون هذا النوع من الأدوات للنيل من وزير حالي، ما يؤكد أن ثمة جهات أرادت إحراج هيكل.

وجاء تسريب وزير الإعلام في خضم معركته مع بعض الصحافيين، وعقب انتقادات وجهها لوضع الإعلام وطالب بإصلاحه، ما منح التصريحات صفة الكيدية من قبل من أوصلوها إلى الصحافي وائل الإبراشي الذي أذاعها بحماس كأنه أحرز هدفا في شباك خصم لدود. 

وجرت مياه كثيرة في هذه الأزمة التي ظهرت بشكل مفاجئ وأُخمدت فجأة أيضا، وبقيت معانيها الخاصة تؤكد أن نيران التسريبات في مصر ليس لها عدو أو حبيب، ودوافعها يمكن أن تكون سياسية وإعلامية، واجتماعية أيضا، ما يؤكد انتفاء القاعدة التي تنطلق منها.

ويرى متابعون أن تسريب هيكل تحديدا سقطة سياسية وإعلامية، لا تليق بوزير ما زال يشغل منصبا رفيعا، وأن الحكومة تستطيع إقالته بسهولة بدلا من منح خصومها نصلا حادا للانتقام منها وتوظيف ذلك في ما يدعم فكرة أن هناك تنافسا بين أجهزة رسمية معنية بمجال الإعلام.

وحذر محمود خليل من استمرار هذا النهج، لأنه يقلل من ثقة الناس في بعض المؤسسات الحيوية في الدولة، ويقتل ما تبقى من مصداقية في الإعلام المصري.

وأشار إلى أن إذاعة تسريب لوزير الإعلام على التلفزيون الرسمي تعني ضمنيا أنه لا علاقة له بالإعلام، وهناك أطراف أخرى تدير المنظومة، فما حدث بمثابة اغتيال معنوي، ولا يصح أن يجاهد رئيس الجمهورية في بناء دولة ذات مؤسسات راسخة فيما توجد دوائر حكومية تستخدم حيلة التسريبات لتحقيق أغراض لم يعد الشارع يتقبلها. 

وكان بطل التسريب الثالث مرتضى منصور عضو البرلمان ورئيس نادي الزمالك الرياضي، والمعروف بأنه “زعيم السيديهات” في مصر، حيث انتشر تسريب له حوى تطاولا على بعض رموز النظام، بعد ذلك بدأ نجم منصور يخفت تدريجيا، لأنه خرج عن سيناريو بدا مرسوما له لشغل الرأي العام بألاعيبه البهلوانية.

وتعتقد بعض الدوائر السياسية في مصر أن مقصد هذه اللعبة هو الإشارة إلى أن لا أحد فوق النظام، ولا عصمة لمن يتصورون أنهم متنفذون أو بعيدون عن المحاسبة.

وأصبحت كلمة تسريبات منتشرة في الشارع المصري منذ سنوات طويلة، كدليل على أن عمليات التنصت ليس لها كبير أو صغير، إلى درجة أن أحد المسؤولين الكبار درج على التحدث مع صديق له بتحفظ شديد عبر الهاتف، وعندما سأله عن سبب تحفظه قال أخشى “الطرف الثالث”، ما يوحي بأن هاتفه تحت المراقبة. 

ويقول مراقبون إن التسريبات لم تعد حكرا على الأجهزة الرسمية في الدولة، فهناك تقنيات يمكن استخدامها في التنصت وتسجيل المكالمات الهاتفية، ما يقلل من حجم الوطأة التي تواجه النظام المصري، الذي لم يعتد اللجوء إلى هذه الوسيلة في التخلص من رجاله، فهناك أدوات سهلة ومباشرة وغير مكلفة من شأنها أن توظّف في استبعاد من يريد التخلص منهم.

هذا في الوقت الذي يشير فيه آخرون إلى أن ارتباط التسريبات بأجهزة عتيدة في مصر وضعها محل شبهة، والدليل عبدالرحيم علي الذي أذاع العشرات منها على الملأ في وقت لم يكن فيه أحد يملكها سوى الدولة، وتتعلق بسنوات ماضية، واستهدفت طبقة سياسية معارضة.

وأقرت الحكومة المصرية حزمة من القوانين والتشريعات التي تحافظ على الخصوصية والحرية الشخصية، لكنها تغض الطرف عن تطبيقها في مسألة التسريبات السياسية، لأنها تصب في مصلحتها، من زاوية شغل الرأي العام بقضايا هامشية، بعيدا عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة.

'