التسلل بلا ضجيج.. سياسة الأخطبوط الصيني لتزعّم العالم – مصدر24

التسلل بلا ضجيج.. سياسة الأخطبوط الصيني لتزعّم العالم

التسلل بلا ضجيج.. سياسة الأخطبوط الصيني لتزعّم العالم

بكين تحاول أن تزيح الولايات المتحدة بدلاً من أن تحلّ محلّها، ومبادرة الحزام والطريق “تهدف إلى تمكين الصين من استخدام نفوذها الاقتصادي المتنامي دون إثارة رد فعل مواز أو نزاع عسكري.

بكين  – رغم توسعها التجاري في مختلف أنحاء العالم، إلا أن الصين تحاول عبر تصريحات مسؤوليها التقليل من دورها، والتأكيد على عدم عزمها لفرض هيمنة في المسقبل القريب.

وتحاول الصين بالتزامن مع قلق واشنطن من تمدّدها التجاري والاقتصادي، بذل قصارى جهدها للتقليل من حجمها لطمأنة الدول الأخرى.

المقاربة التي تنتهجها بكين، عاد عليها تقرير لمجلة “فورين آفار” الذي سلّط الضوء عن السياسة الاتصالية للصين لإكمال مهمتها في تزعّم العالم.

قال وانغ يي، وزير خارجية الصين، في سبتمبر الماضي “الصين لا تنوي السعي نحو فرض الهيمنة”، وكانت تلك رسالة دفع بها المسؤولون الصينيون منذ بدء ظهور دولتهم على الساحة الدولية.

وهذه السياسية هي تواصل لدعوة جيانغ زيمين، الرئيس الصيني في التسعينات من القرن الماضي، إلى إقامة الثقة المتبادلة والتعاون في العلاقات الخارجية للبلاد. كما هي تواصل أيضا لقيادة هو جينتاو، الذي تولّى زمام السلطة في عام 2002، والذي ركز على مفهوم “التنمية السلمية”.

أما الرئيس الحالي، شى جين بينغ، فقد أصرّ في سبتمبر 2017 على أن الصين “تفتقر إلى الجين” الذي يدفع بالقوى العظمى إلى السعي لفرض الهيمنة. ويشير تقرير “فورين آفار” إلى أنه من السهل النظر إلى هذه التصريحات باعتبارها خدعة. لكن قادة الصين، في الواقع، يقولون الحقيقة فبكين لا تريد حقاً أن تحلّ محلّ واشنطن وأن تترأس النظام الدولي.

التركيز على هذه الحقائق، وعلى التصريحات الصينية المطمئنة هو خطأ في حدّ ذاته. فرغم أن بكين لا ترغب في انتهاك مكانة الولايات المتحدة كقائد لنظام عالمي، إلا أن هدفها الفعليّ هو قريب من هذا.

ففي منطقة المحيط الهادئ الهندي، تريد الصين فرض الهيمنة الكاملة وأن تصبح المسيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة دون منازع.

الصين تريد أن تكون قوية بما يكفي لمواجهة واشنطن عند الحاجةالصين تريد أن تكون قوية بما يكفي لمواجهة واشنطن عند الحاجة

أما على الصعيد العالمي، تريد الصين أن تكون قوية بما يكفي لمواجهة واشنطن عند الحاجة. وكما قال أحد المسؤولين الصينيين “كونك قوة عظمى يعني أنك تستطيع أن تفعل ما تريد، ولا يمكن لأحد أن يقول أي شيء”.

ويستخلص من ذلك أن الصين تحاول أن تزيح الولايات المتحدة بدلاً من أن تحلّ محلّها.

وقد دفعت هذه الطريقة التي تتبعها الصين من أجل إتمام هذا المشروع العديد من المراقبين إلى استنتاج أن البلاد تحاول فقط التعايش مع القوة الأميركية بدلاً من قلب النظام في آسيا والتنافس مع النفوذ الأميركي عالميّا.

وفي الواقع، كان الغموض جزءًا من الاستراتيجية فقد أدرك القادة الصينيون أنه من أجل تحقيق النجاح، يجب عليهم تجنّب إثارة المشكلات والتحديات، ولذا امتنعوا عن تحدي الولايات المتحدة بشكل مباشر.

ونجحت الصين في أن تنمو دون لفت الأنظار إليها. في عهد شي، بدأت الصين في مواجهة القوة الأميركية بشكل مباشر. وبالنظر إلى التحديات الداخلية للبلاد، فإن صعود الصين هو أمر يمكن أن يتوقف لبعض الوقت. لكن التاريخ أظهر أنه في الحالات التي تمكّنت فيها أي دولة من المحافظة على صعودها، انتهت هذه القوة الصاعدة إلى تجاوز القوة المسيطرة بالفعل، سواء تحقق ذلك بطريقة سلمية أو من خلال الحرب.

على مر التاريخ، اخترعت الدول ذات القوى المحتملة طرقًا جديدة للصعود والنمو. فقد ربطت الإمبراطورية المغولية الأراضي عبر التجارة، وجمعت المملكة المتحدة المستعمرات، وأنشأ الاتحاد السوفييتي مناطق نفوذ مرتبطة أيديولوجيّا، وأنشأت الولايات المتحدة نظاما مؤسسيّا ووجودا عسكريّا عالميّا. أما الصين، فقد بحثت عن مصادر جديدة للسلطة واستخدمتها بطرق لم يسبق محاولة القيام بها.

سياسيا، قامت الصين بعمل مزيج من الإجراءات السرية والدبلوماسية العامة لاستمالة المعارضة الأجنبية وتحييدها. ولتشكيل الخطاب حول الموضوعات الحساسة، أقامت بكين المئات من “معاهد كونفوشيوس” في جامعات في جميع أنحاء العالم لنشر فكر الحزب الشيوعي الصيني.

كانت بكين مبتكرة بشكل خاص في استخدامها للقوة الاقتصادية. حيث تبنّت استراتيجية مكنتها من تمويل البنية التحتية في العالم النامي من أجل إنشاء حكومات أجنبية تابعة لها. وتمثّلت هذه الجهود، في “مبادرة الحزام والطريق”، وهو مشروع ضخم للبنية التحتية الإقليمية بدأ في عام 2013. حيث أنفقت الصين على المشروع حتى الآن حوالي 400 مليار دولار واستطاعت إقناع 86 دولة ومنظمة دولية ﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﺣﻮاﻟﻲ 100 اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺗﻌﺎون خاصة بالمبادرة.

كما أن المساعدات الصينية، التي تأخذ في الأساس شكل قروض، لا تشترط نفس القيود التي تفرضها المساعدات الغربية، حيث لا توجد أي اشتراطات من أجل عمل إصلاحات بالسوق أو من أجل بناء نظام حكومي أفضل. بيد أن ما تنتظره الصين من هذه الدول التي تقوم بمساعدتها هو إثبات الولاء والإخلاص في عدد من القضايا. وكما كتب المحلل، ناديج رولاند، فإن مبادرة الحزام والطريق “تهدف إلى تمكين الصين من استخدام نفوذها الاقتصادي المتنامي لتحقيق أهدافها السياسية النهائية دون إثارة رد فعل مواز أو نزاع عسكري”.

'