التعليم التركي يدفع ثمن صراع الأردوغانية والأتاتوركية – مصدر24

التعليم التركي يدفع ثمن صراع الأردوغانية والأتاتوركية

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، سعى قياديوه وعلى رأسهم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، عبر مراحل، إلى طمس مبادئ العلمانية الأتاتوركية ونجحوا في ذلك إلى حد ما. وكان التعليم أحد القطاعات التي تم توظيفها لبلوغ هذا الهدف، لكن كلفة ذلك المشروع سدد فاتورتها التعليم التركي الذي فقد جودته وتردى مستواه بدرجة تنذر بانهياره.

إسطنبول- يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السعي لإدخال إصلاحات جديدة وجذرية على التعليم لإنتاج أجيال واثقة من شأنها أن تساعد الحضارة التركية على الاستمرار في الازدهار، مُعترفاً في ذات الوقت بأنّ حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي استمر 18 عاما، قد فشل في مجالي التعليم والثقافة ولم يحقق المرجو منه.

ويطالب أردوغان في استراتيجيته الجديدة بتغيير كامل لمنظومة التعليم نحو “تعليم أخلاقي”، ضارباً موعداً للقضاء على “التعليم العلماني” الذي تتداعى أسسه يوماً بعد آخر، مُعبّراً عن استيائه مما أسماه التقليد الأعمى للغرب.

وتستوجب هذه الاستراتيجية حسب خبراء تغييرات جذرية وليس تغييرًا روتينيًا في المناهج الدراسية، في وقت تشير فيه تقارير دولية إلى أن تركيا تعاني من غياب المعايير المحددة لجودة التعليم وعدم وجود قاعدة بيانات موثوقة وموضوعية في هذا الصدد.

واتخذ أردوغان من إصلاح التعليم وسيلة لتغيير ثقافة المجتمع التركي عبر القضاء على العلمانية، فالكثير من المناهج الجديدة تُغير لدى الطلاب، منذ سنواتهم الأولى في المدرسة، العديد من المفاهيم التي تأسست عليها الدولة التركية العلمانية الأتاتوركية ومن أهمها النظرة للمرأة ولمفهوم الأسرة وكذلك مفاهيم العمل والاختلاط ما من شأنه أن يصنع أجيالا منغلقة تتمحور ثقافتها حول مبادئ الحزب الحاكم.

وفي مطلع العام 2017، أعلن وزير التعليم التركي عصمت يلماز عن عملية واسعة لتغيير مناهج التعليم الابتدائي قال إنها تهدف إلى تحسين نوعية التعليم عن طريق حذف كثير ممّا سماه “موضوعات الحشو غير اللازمة في الحياة العملية للطالب” من المناهج الجديدة، التي أشار إلى أنها ستركز على نوعية التعليم لا على كمية المعلومات المعطاة للطلاب.

مدحت سنجر: أيديولوجية أردوغان دخلت بشكل كبير إلى الكتب المدرسية

وقلص المنهج الجديد من الجزء الخاص بسيرة أتاتورك، التي كانت تدرس في المراحل الأولى من التعليم، وهي خطوة ربما كانت غير متصورة أو واردة قبل سنوات، لكن مؤيديها من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم رأوها ضرورية من أجل إنهاء قدسية أتاتورك.

وفي المقابل، فإن الأتاتوركيين أعلنوا رفضهم لهذه الخطوة التي رأوها جزءا من حملة أردوغان وحزبه على النظام العلماني في تركيا، تزامناً مع الضغوط التي بدأت تمارَس على المدافعين عن بقاء النظام العلماني.

ويرى باتوهان آيداغول الذي يدير مجموعة بحث حول التعليم “القصر الرئاسي يتحكم بشكل متزايد في التعليم، وليس وزارة التربية الوطنية”. ويقول آيداغول إنه لم ير تغيّرات أسرع من تلك التي طرأت على المناهج في السنوات الخمس عشرة الماضية.

لكن فيراي أيدوغان رئيسة نقابة المدرسين المعارضة ترى في مساعي السلطة المتواصلة لإدخال تعديلات تعبيرا عن توجّهات سياسية، فيما يقول النائب المعارض مدحت سنجر “أيديولوجية حزب العدالة والتنمية دخلت بشكل كبير إلى الكتب المدرسية، هذه ليست برامج دراسية تشجع التلاميذ على طرح الأسئلة والتفكير بحرية”.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة جمهورييت المعارضة فإن المناهج الجديدة تحتوي في مادة “التربية والدين والأخلاق” للصف السابع على تعريف “الجهاد في سبيل الله” و”الاستشهاد” وبعض التعريفات الإسلامية، فيما تم حذف الكثير من البنود المرتبطة بالعلمانية.

وتمت إضافة دروس تتحدث عن “انتصارات الدولة العثمانية” لاسيما معركة كوت العمارة التي جرت بين الجيشين العثماني والإنجليزي في العراق في الحرب العالمية الأولى وانتصر فيها العثمانيون بعد حصار طويل استسلم في نهايته الجيش البريطاني. كما سيعاد الاحتفال بهذه المناسبة في المدارس بعد أن تم إلغاؤها منذ عشرات السنين بضغط من المملكة المتحدة.

وفي 2016، تم إلغاء قسم الصباح الذي كان الطلاب يرددونه في كل المدارس صباح كل يوم يقدمون فيه التحية ﻷتاتورك ويتعهدون بالسير على خطاه وبذل أرواحهم في سبيل تحقيق مبادئه. وتركز المناهج الجديدة أيضا على شرح محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في 15 يوليو 2016 والتي كانت تهدف إلى الإطاحة بحكم أردوغان.

وإلى جانب ذلك، حذفت من المناهج التعليمية الجديدة الدروس المتعلقة بنظرية التطور للبريطاني تشارلز داروين بعد جدل طويل حول واقعيتها ومدى توافقها مع العلم، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى تقول إنها تتعارض مع الدين الإسلامي.

يطالب أردوغان في استراتيجيته الجديدة بتغيير كامل لمنظومة التعليم نحو “تعليم أخلاقي”، ضارباً موعداً للقضاء على “التعليم العلماني”

وكشفت دراسة أجرتها وزارة التربية والتعليم التركية، مؤخرا، تدني مستوى التحصيل الدراسي لدى طلاب المدارس الابتدائية، وأوضحت النتائج فشل 40 في المئة من الطلاب في فهم ما يقرأون.
وذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة برغون التركية المعارضة أن وزارة التربية والتعليم التركية أجرت الدراسة على 112 ألف طالب بالصف الرابع في مدارس مختلفة بـ81 مدينة خلال العام الدراسي 2018-2019، بهدف متابعة مدى استيعاب الطلاب لدروس الرياضيات والعلوم.

ووفق النتائج، فشل 40 في المئة من الطلاب في فهم ما يقرأونه وعجزوا عن شرح ما قرأوه، بينما واجه أكثر من نصفهم صعوبات في الاستنتاجات بمادتي الرياضيات والعلوم.

وتظهر النسب عجز نحو نصف الطلاب عن الاستنتاج في الأسئلة، إذ وجّه لنحو 111 ألفا و742 طالبا 15 سؤال اختيار بمواد الفيزياء والجيولوجيا والأحياء؛ لقياس مستوى الطلاب في المعرفة والتطبيق والاستنتاج.

'