التونسيون يتسوّقون بجيب فارغ ليعودوا بقفة لا شيء فيها – مصدر24

التونسيون يتسوّقون بجيب فارغ ليعودوا بقفة لا شيء فيها

ارتفاع الأسعار في تونس لم يعد مناسباتيّا مرة في السنة أو في أحد المواسم ولكنه صار أمرا يوميا، إذ يصحو التونسيون كل صباح على أسعار جديدة، وأصبحت ميزانيتهم الشهرية لا تكفيهم لأسبوع واحد، وما يزيد من مخاوفهم أن هذا الأمر لن يتوقف في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.

تونس – يقف التاجر بلال الجاني في متجره في أحد أسواق تونس شاكيا من تدهور الوضع الاقتصادي، ويقول “رواتب غالبية زبائننا لا تكفيهم لأكثر من أسبوع”، معبّرا عن خشيته من تطوّر هذا الوضع إلى الأسوأ خاصة وأنه كبقية التجار يتأثر بما يتأثر به بقية التونسيين.

ويطالب صندوق النقد الدولي السلطات التونسية ببرنامج إصلاحات اقتصادية وعلى رأسها خفض كتلة الأجور ومراجعة سياسة الدعم لسلع أساسية ومنحه للأكثر فقرا، لكن من شأن هذه الإصلاحات أن تثقل كاهل المواطنين من الطبقة المتوسطة والفقيرة.

ويتابع التاجر “في السابق كان الزبائن يشترون السلع بكميات قد تزيد عن حاجياتهم أحيانا، أمّا اليوم فيقتصرون على ما هو ضروري فقط وما تسمح به ميزانيتهم الضعيفة”.

ويؤكد أن كثيرا من التونسيين يأتون إلى السوق ثم يعودون بالقليل مما يحتاجون ولا تسمع منهم إلا الشكوى من غلاء الأسعار، ويقول إنهم كانوا في البداية يلقون باللائمة على التجار، أما اليوم فصاروا يعرفون أنهم كلما ناموا يجدون أسعارا أخرى في الصباح.

ومرت تونس منذ ثورة 2011 بأزمات سياسية متواصلة بلغت ذروتها مع جمع الرئيس قيس سعيّد مؤخرا السلطات التنفيذية بين يديه، ما زاد في تأزم الوضع الاقتصادي الذي يشهد انكماشا.

تعمل دليلة الدريدي موظفة في وزارة التعليم وتتلقى راتبا شهريا في حدود الألف دينار (قرابة 345 دولارا)، وتوضح “عادة يتبقى لي ما بين 60 و100 دينار كل شهر، واليوم يجب أن أقترض لسداد بقية مصاريف الشهر”.

وتتجوّل دليلة بين أروقة البضائع المتراصة في سوق الحلفاوين بالعاصمة، وتحاول أن تشتري ما تسمح لها به بضعة الدنانير المتبقية في محفظة النقود، لكنها تفشل في تحقيق ذلك، وتؤكد “فبعد أن كانت اللحوم البيضاء ملجأ متوسطي الدخل صارت اليوم كاللحوم الحمراء التي نشاهدها في السوق ونتمنى توفيرها في المطبخ”.

تقول دليلة إن ما تشتريه هذا الأسبوع تجده بسعر مغاير بعد أيام، وهذا لن يتوقف مع ما سُمع عن الزيادة المرتقبة في أسعار الكهرباء والمحروقات.. أصبح المواطن الفقير أول ضحية للتخبط الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.

نظرة يائسة تعكس ما بالجيب
نظرة يائسة تعكس قيمة ما بالجيب 

وبعد أن سقط زين العابدين بن علي، دخلت البلاد منعطفا سياسيا جديدا كانت له تداعيات على المنطقة بأكملها، لكن تبين أن التخلص من عبء الفساد الاقتصادي أمر صعب، لا بل بالعكس وظفت الطبقة السياسية التي تولت الحكم منذ ذلك التاريخ جهودها وتركيزها للتناحر على السلطة.

وسعت الحكومات المتعاقبة “لضمان السلم الاجتماعي” عبر توظيف أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل في القطاع الحكومي وتضاعف حجم الموظفين تبعا لذلك ثلاث مرات خلال عشر سنوات ليصل إلى 650 ألفا، وهو “من أعلى المستويات في العالم”، وتشغّل الشركات الحكومية 150 ألفا آخرين، حسب صندوق النقد الدولي.

ولم تتم تنمية المناطق الداخلية المهمّشة ما زاد في غياب التوازن التنموي بين المناطق، وفق “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.

وفاقمت تداعيات وباء كوفيد – 19 في العام 2020 الأزمة وسجل الاقتصاد انكماشا بنسبة 9 في المئة، واختلت الموازنة العامة للبلاد.

صندوق النقد الدولي يطالب السلطات التونسية ببرنامج إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تثقل كاهل المواطنين من الطبقة المتوسطة والفقيرة

ونبه تقرير نشرته “مجموعة الأزمات الدولية” في يناير الماضي إلى أن تونس “بالكاد تتمكن من دفع رواتب الموظفين وسداد ديونها الخارجية”.

وخلال السنوات الماضية، قدم الاتحاد الأوروبي ودول أخرى مساعدات إلى تونس. ويقول المحلل الاقتصادي عزالدين سعيدان إن هذه الجهات “أدركت أنه يجب التدخل عبر ضخ السيولة بشكل مكثف لحماية النسيج الاقتصادي والشركات والتشغيل”.

وأفلست أو غادرت البلاد أكثر من 80 ألف شركة خاصة في تونس بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، ما زاد في ارتفاع نسبة البطالة.

وبالرغم من تدخل البنك المركزي للمحافظة على استقرار نسبة التضخم، إلا أنها تظل في ارتفاع في مستوى 6 في المئة.

ودفع غلاء المعيشة وفقدان مواطن الشغل إلى المزيد من الفقر بين الطبقة الوسطى، ويسعى الآلاف من الشباب وحتى الكهول من أصحاب العائلات إلى الهجرة نحو دول أوروبية.

رزقنا من رزق العامة
رزقنا من رزق العامة

وإذا انحدر الموظفون إلى دائرة الفقر فكيف يكون حال العمال المياومين، هكذا يتساءل العمدة الذي يشتغل حينا وينام عاطلا عن العمل أحيانا أخرى وهو الأب لثلاثة أطفال ويعيش في بيت بالإيجار.

ويقول العمدة “حتى الخضار التي كنا نلجأ إليها نحن الفقراء لم تعد أسعارها تناسب جيوبنا.. ربما نزاحم الحيوانات على الحشائش قريبا”.

80 ألف شركة خاصة غادرت تونس بسبب تدهور الوضع الاقتصادي بحسب إحصائيات رسمية

ويضيف أن الفقراء من التونسيين كانوا يعرفون أسعار الخضار الرخيصة حين تكون في موسمها، كما أنهم كانوا يحصلون في أحيان كثيرة على وجبة سردين أو شيء من اللحوم البيضاء لكن اليوم صارت الأسعار في ارتفاع مستمرّ.

ويشير إلى أن “الأمر لا يتوقف على عند هذا الحدّ، فهذه الأزمة ستكون لها دواع خطيرة على العائلة التونسية، ونلاحظ اليوم مثلا نسبة الانقطاع المدرسي المبكر، فذلك راجع إلى عدم القدرة على توفير لوازم المدرسة والمعهد”.

العمدة يبدو أنه واع بمدى خطورة الوضع، إذ يقول “إن الانقطاع المبكر عن الدراسة سيساهم في ارتفاع منسوب العنف والإدمان والجريمة في الشوارع”.

ويتابع “ستكون السجون مكتظة بمساجين تصرف الدولة على الواحد منهم نحو ثلاثين دينارا يوميا (10 دولارات أميركية) فمن أين للدولة هذه المبالغ ولِمَ لم تصرفها على أطفال المدارس والمعاهد قبل أن يصبح بعضهم منحرفا؟”.

ويختم العمدة كلامه بأن الأمر لن يتوقف عند هذا الحدّ فالقادم أسوأ خاصة على الأجيال القادمة. ويخلص الخبير سعيدان إلى أن الأزمة الحالية يمكن أن تتسبب في غياب الاستقرار الاجتماعي، “وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة. تنتظر البلاد فقط شرارة كما كان الأمر في العام 2010”.

الفواكه للإعجاب
الفواكه للإعجاب

'