الثمن الذي تدفعه البيئة في تركيا مقابل الازدهار السياحي – مصدر24

الثمن الذي تدفعه البيئة في تركيا مقابل الازدهار السياحي

استخدمت الحكومة التركية قطاع السياحة للحفاظ على مصدر موثوق للدخل بالرغم من سوء إدارة اقتصاد البلاد، مع الإخفاق في كبح التضخم وسط انهيار العملة. وللأسف فإن شبكة الأمان المالي المربحة والقائمة على السياحة، والتي قدرت بنحو 25 مليار دولار في عام 2021، جاءت على حساب النظام البيئي في تركيا.

ووقع أبرز الأمثلة المثيرة للحنق لتلك المقايضة في شهر يوليو، عندما انتشرت أنباء عن بيع منطقة ساحلية ذات أهمية أثرية لشركة جنكيز إنسات، وهي شركة إنشاءات لها علاقات وثيقة مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

تقوم الشركة ببناء فندق بولغاري على قطعة أرض مساحتها 167.5 فدانا في خليج سينيت في بودروم، على الرغم من حقيقة أن مجلس الدولة رفض المشروع مرتين، لكن حتى الآن لم يستطع الرفض الشعبي إيقاف أعمال البناء.

والأسوأ من ذلك، أن هذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها الجنان التركية تحت رحمة إعمال البناء والتشييد، حيث وقع نفس الشيء في عام 2012 وفي نفس الموقع، عندما تم بيع ما يقرب من 600 فدان لسلسلة فنادق “ماندرين أورينتل”، حيث تمت إزالة حوالي 10000 شجرة زيتون في ذلك المشروع لإفساح المجال لبناء فنادق فاخرة.

ليس من الصعب معرفة سبب افتراض الكثير من الناس أن حزب العدالة والتنمية يثمن السياحة أكثر من تثمينه حماية البيئة

وهناك أسطورة قديمة في تركيا مفادها أن الحكومة بدأت حرائق الغابات لإفساح المجال لبناء المرافق السياحية، وفي حين ظهرت تلك المؤامرة قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي تأسس في عام 2001، فإن افتقار حكومة الحزب للسياسات البيئية حوّل تلك الأسطورة إلى حقيقة للعديد من الناخبين. وكما أشار جيهان إردونمز، وهو كاتب وأكاديمي وكاتب عمود في “ياسيل غازات”، حيث قال “لا شك في أن الحزب قد أزال الغابات بطريقة بيروقراطية من أجل قطاع السياحة”.

ويحظر الدستور التركي وفق المادة رقم 169 إعادة استخدام الغابات المحترقة لأغراض التنمية، لكن القانون ليس صارما كما هو الحال بالنسبة للغابات القائمة. ويمكن الآن إزالة أراضي الغابات لأسباب تتعلق بـ”الأمن القومي” أو “المصلحة العامة أو الصالح العام” والذي خلق مع قانون عام 1982 لتشجيع البنية التحتية للسياحة، ثغرة مثالية لحزب أردوغان.

وأشرفت وزارة الثقافة والسياحة على تنمية أراضي الغابات منذ شهر يوليو من عام 2021، وكانت صانع القرار الوحيد بشأن مقترحات المشاريع. وبحسب إردونمز، فقد تم تخصيص 1.85 مليون فدان من الغابات، أي حوالي 3 في المئة من إجمالي مساحة الغابات في البلاد، باستخدام تلك الثغرات المختلفة. وكما ذكر أردوغان سوزر، وهو صحافي في “سوزكو” في العام الماضي، فإن المعيار الوحيد لبناء المنشآت السياحية هو دفع ثمن الأشجار المقطوعة للحكومة.

والمشروعان “ماندرين أورنتل” في بودروم والفندق المجاور له “بلغاري” ما هما إلا مثالان للعديد من الأمثلة. وتم إلغاء حماية ثمانية أحياء في منطقة بيكوز في إسطنبول في شهر يوليو، مما نشر الخوف حول المزيد من النهب البيئي.

وليس من السر أن حزب العدالة والتنمية لا يعطي أي اهتمام للبيئة، فلطالما تجاهل القادة أخطار تغير المناخ، على الرغم من معاناة تركيا مع تلك العواقب.

وأظهر الرئيس أردوغان عدم اهتمامه بالموضوع عندما أطلق حملة لغرس الأشجار في شهر نوفمبر من عام 2019، والتي قال خبراء الغابات لاحقا إنها ستنتهي بالفشل بسبب غرس شتلات لا يمكنها العيش إذا زرعت في أواخر الخريف، ووسط مثل تلك الهفوات الكوميدية، ليس من الصعب معرفة سبب افتراض الكثير من الناس أن حزب العدالة والتنمية يثمن السياحة أكثر من تثمينه حماية البيئة.

والسياحة هي نشاط ترفيهي مدمر لكوكب الأرض، والمزيد من السفر يعني المزيد من النفايات، والإفراط في استخدام المياه، وزيادة كبيرة في انبعاثات الاحتباس الحراري.

التحدي يكمن في تحقيق التوازن بين تدفق السياح دون تدمير الأسباب التي دفعتهم إلى القدوم إلى تركيا، مثل الغابات البكر

ويعكس مشروع “ورد كاونتس”، وهو مبادرة تعتمد على البيانات لإلهام الوعي بالتحديات العالمية، النمو المتسارع للسياحة كأحد التهديدات الرئيسية للبيئة، وكل عام يسافر 1.4 مليار سائح حول العالم، وقد تضاعف هذا الرقم ثلاث مرات منذ عام 1990.

وكانت تركيا واحدة من الدول القليلة التي ظلت مفتوحة أمام الزائرين الأجانب خلال جائحة كورونا، وفي شهر مايو 2021، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي التركية بغضب بسبب مقطع فيديو ترويجي من قبل وزارة السياحة في البلاد روج بلا خجل لتركيا كوجهة لقضاء العطلات، حتى عندما كان الأتراك أنفسهم ملزمين بالجلوس في بيوتهم، واحتلت تركيا المرتبة الرابعة بين الدول الأكثر زيارة في عام 2021، حيث زارها أكثر من 29 مليون زائر.

ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في السنوات القادمة، حيث تسعى تركيا إلى استضافة 100 مليون سائح بحلول عام 2028، ويقول وزير الثقافة والسياحة التركي محمد نوري إرسوي إن من المرجح أن يتم تحقيق الهدف. (وسيستفيد إرسوي من ذلك، فقد أمّن مؤخرا مشروعين فندقيين بالمليارات من الدولارات في أنطاليا).

والسياحة هي مصدر دخل لا يمكن المساس به بالنسبة لنظام حزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي يثير استياء دعاة حماية البيئة. واستخدمت تركيا قطاع السياحة على حساب مواطنيها، حيث تراجعت السياحة الداخلية هذا العام مع انخفاض الليرة وارتفاع الأسعار، وتواصل القيام بذلك على حساب بيئتها.

ومن المؤكد أن قطاع السياحة هو حل قصير الأجل يسمح بالحصول على نقود سريعة من الخارج، لكنه لن يحل مشاكل البلاد الكبرى، والاعتماد على قطاع السياحة للحصول على وظائف ورأس مال مستقر هو نموذج أعمال غير مستدام، ولكن مع الاقتصاد الضعيف الذي حرم المواطنين من الازدهار الاقتصادي تعد السياحة شرا لا بد منه.

ويكمن التحدي في تحقيق التوازن بين تدفق السياح دون تدمير الأسباب التي دفعتهم إلى القدوم إلى تركيا، مثل الغابات البكر والمناظر البحرية الخلابة. إذا استمر حزب العدالة والتنمية في تبليط مياه الريفيرا التركية لبناء فنادق من فئة الخمس نجوم، فلن يمر وقت طويل قبل أن يكتشف الحزب أن السياح توقفوا عن القدم إلى تك الفنادق.

'