الجزائر تعمم الصيرفة الإسلامية لاستقطاب أموال السوق الموازية – مصدر24

الجزائر تعمم الصيرفة الإسلامية لاستقطاب أموال السوق الموازية

سرّعت الجزائر تحركاتها لإدخال الصيرفة الإسلامية حيز النفاذ الفعلي، حيث تعول الحكومة على هذه الخطة لتنمية الإيرادات واستيعاب أموال السوق الموازية في الدورة الاقتصادية الرسمية، غير أن الشكوك تواجه هذا البرنامج باعتبار بدائية المنظومة المصرفية.

الجزائر – بدأت المصارف الجزائرية في مرحلة جديدة لمحاصرة الأموال الموازية، وذلك بالمراهنة على الصيرفة الإسلامية لدعم الإيرادات والاستحواذ على حصة من سيولة مالية يرتقب أن تدخل القنوات الرسمية.

وتأتي هذه المستجدات في إطار التحولات التي يشهدها القطاع البنكي، فبعد البنك الوطني الجزائري وبنك التوفير والاحتياط، دخل القرض الشعبي الجزائري على خط المنافسة، حيث يرتقب إدراج الخدمة في 100 وكالة بنكية في غضون السداسي الأول من العام الجاري.

وأعلن الرئيس المدير العام للقرض الشعبي الجزائري (حكومي) محمد دحماني، من مدينة وهران بغرب البلاد، اعتزام بنكه توفير خدمات الصيرفة الإسلامية عبر مئة وكالة في غضون السداسي الأول من العام الجاري، ليكون بذلك ثالث بنك حكومي يدخل منافسة الخدمة المذكورة، التي تراهن عليها الحكومة لاستقطاب السيولة المالية الموازية.

وتتضارب الإحصائيات في الجزائر بشأن حجم السيولة المذكورة، لكنها تتراوح بحسب تصريحات مختصين في المالية بين ما يعادل 40 ونحو 60 مليار دولار، حيث تدور هذه الأموال خارج القنوات الرسمية، الأمر الذي خلق ارتباكا لافتا في التوازنات المالية للبلاد، وحرم الاقتصاد من مصدر تمويل مهم مقابل انتعاش السوق الموازية.

ويشمل مخطط الحكومة لتطبيق الصيرفة الإسلامية والذي أعلن عنه في فبراير 2019 بندين أساسين، هما التقليل من ظاهرة الادخار المالي والاستجابة للمواطنين الراغبين في التعامل مع النظام المصرفي وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

60 مليار دولار حجم الأموال التي تدور داخل الاقتصاد الموازي ما تسبب في ارتباك التوازنات

وذكر دحماني خلال إعطاء شارة انطلاق خدمة الصيرفة الإسلامية بمقر البنك بوهران، أن “البنك يضم حاليا 15 وكالة تتوفر على الخدمة المذكورة تمت تهيئتها خلال الشهرين الأخيرين، ويأمل البنك في الوصول إلى 100 وكالة في غضون الستة أشهر القادمة”.

ولفت إلى أن “منتجات الصيرفة الإسلامية تلقى إقبالا جيدا من قبل المواطنين، ففي مدة تقل عن شهرين تم فتح أكثر من 200 حساب بنكي لفائدة الراغبين في الاستفادة من هذه الخدمات عبر التراب الوطني”.

وأضاف أن “القرض الشعبي الجزائري يواصل تنفيذ مخططه الإستراتيجي للتنمية القائم على أربعة محاور رئيسية، وهي توسيع وتحديث شبكة الاستغلال حيث عرفت سنة 2020 افتتاح أربع وكالات جديدة وشباك بنكي”.

وشدد على “ضرورة المحافظة على ديناميكية نمو البنك التي ترتكز أساسا على التطور الإيجابي لمؤشرات صلابته المالية، فضلا عن

تواصل المؤسسة البنكية تنويع العروض من خلال تنفيذ إستراتيجية تطوير ودعم كاملة تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة”.

وتابع أنه “تم بدء تطوير نشاط الخدمات البنكية الإلكترونية، وتعزيز ديناميكية التحديث والرقمنة من خلال استكمال المشاريع واسعة النطاق كتطوير النظام المعلوماتي للبنك وتعميم خدمة الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت والهاتف المحمول”.

وكان وزير المالية أيمن عبدالرحمن قد صرح خلال إطلاق خدمة الصيرفة الإسلامية في وكالة بنكية تابعة لبنك التوفير والاحتياط، بأن “الصيرفة الإسلامية التي تندرج في إطار برنامج الحكومة المستمد من برنامج رئيس الجمهورية، جاءت لتلبية طلبات المواطنين”.

محمد دحماني: منتجات الصيرفة الإسلامية تجد إقبالا لافتا من المواطنين

وشدد عبدالرحمن على أن العديد من الدول الأوروبية والآسيوية اعتمدت على الصيرفة الإسلامية لاستقطاب أموال السوق الموازية والأموال المكتنزة لدى الأسر وضخها في الاقتصاد الفعلي المنتج للثروة.

ويعكف بنك التوفير والاحتياط على إدراج الخدمة المذكورة عبر كافة وكالاته وفروعه الـ218، موزعة عبر تراب الجمهورية، وبدأ خطته تدريجيا عبر توفير الخدمة خمس وكالات في محافظات مختلفة، تقدم فيها سبعة منتوجات من الصيرفة الإسلامية، كما تم تعيين لجنة فقهية مختصة للإشراف على الجانب التشريعي.

وذكر مدير بنك القرض الشعبي الجزائري، بشأن انفتاح بنكه على تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة، بأنه “خلال الشهرين الأخيرين تم استقبال 1200 ملف متعلق بتمويل المشاريع وأعطيت الموافقة لـ900 ملف، وأن الملفات المتبقية ليست مرفوضة بالضرورة، ولكنها تحتاج إلى استكمال الوثائق فقط”.

وأضاف أن “مؤسسته أطلقت منتجين جديدين تحت عرض ‘ساهل’، و’ساهل نشاطي’ الموجه لتمويل الاحتياجات النابعة من النشاط العادي للمؤسسات الصغيرة والصغيرة جدا، والمتوسطة والمؤسسات الناشئة، ومنتج ‘ساهل محل’ الموجه لتمويل اقتناء المحلات التجارية أو تهيئة أو تأجير محل تجاري”.

ومع ذلك، أبدى مختصون في المالية شكوكهم في جدوى دخول الصيرفة الإسلامية حيز التنفيذ، في استقطاب السيولة الموازية، في ظل ثقل وبيروقراطية المنظومة المصرفية بشكل عام في البلاد، والهوة الواسعة بين الزبائن والبنوك.

ويذكر في هذا الشأن الخبير المالي والوزير السابق عبدالرحمن بن خالفة أن “الاعتقاد بقدرة الصيرفة الإسلامية على استقطاب الأموال الموازية أو المكتنزة، هو أمر نسبي، لأنه قبل دخول المسألة حيز التنفيذ هناك مصارف تقدم خدمات الصيرفة الإسلامية منذ تسعينات القرن الماضي، على غرار بنكي البركة والسلام، إلا أنهما لم يحققا الغرض المأمول”.

وأضاف “الصيرفة الإسلامية بإمكانها تحقيق الهدف نسبيا، ويبقى إصلاح المنظومة المصرفية بشكل عام هو العمود الفقري للعملية”.

وأوضح أن “متاعب الزبائن مع بنوك، خاصة منها المفلسة كالخليفة والبنك التجاري الصناعي، مازالت عالقة في الأذهان، والسمعة السيئة لتسوية ملفات هؤلاء، إلى جانب ممارسات سلبية أخرى تتعلق بقضايا فساد، عبثت بورقة الثقة اللازمة بين الزبائن والمصارف”.

وكانت الحكومة قد أقرت في مناسبات سابقة بعجزها عن كبح تبخر احتياطات العملة الصعبة ولجوئها إلى طباعة النقود لمعالجة اختلال التوازنات المالية، ما أثار حفيظة الأوساط الاقتصادية التي طالبت بتدخلات حازمة لامتصاص الأموال من السوق الموازية.

ومن أبرز مطالب الحراك الشعبي الذي توقف بفعل كورونا، محاربة مظاهر الفساد المالي، حيث يمثل ملف السوق السوداء أحد الملفات الساخنة، إذ طالب الموطنون الحكومة بتنفيذ خطة عاجلة لإدماجه ضمن الاقتصاد الرسمي وفق أسس مدروسة لتعزيز معدلات النمو.

ومنذ سنوات يطالب رجال الأعمال والشركات التي تعمل ضمن القطاع المنظم الدولة بالإسراع في اعتماد خارطة طريق واضحة المعالم، لامتصاص السيولة من السوق السوداء لإحلال مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس العادل بين كافة القطاعات.

'