الجمود المصري في ليبيا لن ينتهي إلا بموقف أممي واضح من الدبيبة – مصدر24

الجمود المصري في ليبيا لن ينتهي إلا بموقف أممي واضح من الدبيبة

أدركت مصر أنها تسرعت بإعلان دعمها لحكومة فتحي باشاغا، لذلك تحاول عن طريق حث الأمم المتحدة على إعلان موقفها من حكومة عبدالحميد الدبيبة، والذي سيكون على الأرجح استمرار دعمها، إعادة علاقتها بطرابلس.

القاهرة – تجد القاهرة نفسها في مأزق بعد أن دعمت رئيس الحكومة الليبية الموازية فتحي باشاغا الذي فشل في انتزاع السلطة من خصمه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، لذلك تحاول تحريك المياه الراكدة عن طريق حث الأمم المتحدة على إعلان موقف واضح من حكومة الدبيبة.

ولجأت الأمم المتحدة إلى سياسة الغموض في التعامل مع التطورات الأخيرة التي شهدتها الأزمة الليبية، معتقدة أنها تحافظ على دور حيوي لبعثتها الأممية ورئيسها الجديد السنغالي عبدالله باتيلي وتمنحه مساحة لإعادة التقييم، لكن صمتها يحمل معاني ضمنية بالموافقة على استمرار عبدالحميد الدبيبة.

قد تتحرك المياه الراكدة قريبا مع كلام وزير الخارجية المصري سامح شكري في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس في القاهرة الأحد، والذي رفع الغطاء عما اعتقدت المنظمة الدولية أنه غموض سياسي بناء، حيث دعاها إلى اتخاذ موقف واضح تجاه حكومة الدبيبة، منتهية الولاية، والتي تم اختيارها بواسطة آلية وضعتها الأمم المتحدة عبر منتدى الحوار السياسي في جنيف.

اللاحل أصبح حلا بالنسبة إلى عدد كبير من القوى التي تريد تنفيذ أهدافها كاملة في ليبيا، وهو ما يستفيد منه الدبيبة

تستند حكومة الدبيبة في استمرارها إلى عدم إسقاط الأمم المتحدة الشرعية عنها، والعبارات الفضفاضة التي ترد على لسان مسؤولين في دول مختلفة وتفيد في مجملها بأنها يجب أن تواصل عملها حتى إشعار آخر، هي التي خولتها للتوقيع على مذكرة تفاهم جديدة مع تركيا في طرابلس مؤخرا للتنقيب عن الغاز والطاقة، والتي يمكن أن تؤدي إلى خلافات إقليمية ودولية حادة تحرج الأمم المتحدة.

وتجمدت التطورات السياسية في ليبيا منذ رحيل السفيرة الأميركية ستيفاني ويليامز، التي تولت منصب المستشار السياسي للأمم المتحدة، في أغسطس الماضي، ولم تتحرك اللجان السياسية والعسكرية والدستورية والاقتصادية لأداء مهامها، وظهرت حكومة موازية يقودها فتحي باشاغا معيّنة من قبل مجلس النواب وحظيت باعتراف محدود من قبل بعض الدول، ولم تعلن الأمم المتحدة موقفا واضحا منها، بالرفض أو القبول، فلا هي اعترفت بها أو أنكرت وجودها، وبدا موقفها غائما، ما فسره الدبيبة على أنه اعتراف بحكومته.

منذ تعيين عبدالله باتيلي في أوائل سبتمبر الماضي وحتى توليه مهام منصب رسمي كمبعوث أممي في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، لا يزال الرجل يدرس الملفات كأنه جاء من كوكب آخر أو يبدأ مهمته من الصفر، فلم يتحدث الرجل عن أجندة يتبناها أو وصفة يمكن أن يعمل بها، وربما يكون حظه أسوأ من المبعوث الأممي السابق السلوفاكي يان كوبيتش، الذي غادر منصبه في ديسمبر الماضي بعد إدراكه أن الأمم المتحدة مسيّرة تماما وليست مخيّرة.

قد يكون كلام وزير الخارجية المصري استفز البعض، لأن الغموض الذي تتبناه الأمم المتحدة يسري على غالبية الدول التي تتعامل مع الأزمة الليبية وفقا للمعطيات الموجودة على الأرض، غير أن ما يمكن تقبله من الدول لا يسري على المنظمة الأممية التي من المفترض أنها تقود الدفة للتسوية.

يعلم سامح شكري أن موقف الأمم المتحدة في ليبيا تحديدا في يد قوى كبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا، بجانب روسيا والصين، ولذلك فرسالته موجهة بالأساس إلى هذه الدول التي تتلاعب بالأزمة، أو بمعنى أدق غير مشغولة بإيجاد حل سياسي عاجل لها، لأنها مشغولة بهموم أخرى أكثر أهمية، أو ترى أن الأوضاع لم تبلغ بعد حد النضج وتدشين حل تقبله جميع الأطراف.

تؤدي توازنات القوى المتصارعة في ليبيا إلى تأخير الحل، وانكشاف دور الأمم المتحدة التي ترضخ في توجهاتها لهذه التوازنات، والتي بدت معالمها جلية عند تعيين عبدالله باتيلي كخيار يحقق الحد الأدنى من التوافق، وهو أقصى ما يمكن الوصول إليه في مرحلة يمثل أي حل تتبناه جهة ما خصما من الجهة المقابلة.

أصبح اللا حل حلا بالنسبة لعدد كبير من القوى التي تريد تنفيذ أهدافها كاملة في ليبيا، يستفيد منه عبدالحميد الدبيبة الذي يعلم أن رحيله سيمثل أزمة للأمم المتحدة والدول التي تتحكم في مفاصلها، لأن المنظمة ستكون مطالبة بالتفكير في بديل، في وقت أخفقت حكومة باشاغا في التسويق لمشروعها وجرى حسابها على قوى معينة.

وكما استثمر الدبيبة الانسداد، تحاول تركيا توظيفه بالطريقة التي تحقق أهدافها كاملة في ليبيا، وانتهزت فرصة الضبابية الطاغية على موقف الأمم المتحدة ووقعت مذكرة تفاهم ثانية تقيس بها ردود أفعال قوى إقليمية ودولية معنية بليبيا، والتي جاءت متفاوتة، بين رفض تام ورفض نسبي وتجاهل، وهي نتيجة إيجابية لها في المحصلة النهائية.

ربما تكون هذه النتيجة أغضبت القاهرة ومعها أثينا، وتم توجيه السهام إلى الأمم المتحدة التي لن تتحرك من دون أن تتلقى ضوءا أخضر من القوى الكبرى، ولأن هذه القوى متعارضة ومتصادمة ولا تستطيع الوصول إلى حد أدنى من التوافق، سيظل موقف المنظمة الأممية غامضا كخيار مناسب في هذه المرحلة.

تكمن خطورة دعوة القاهرة للأمم المتحدة في أن الأوضاع في ليبيا تزداد صعوبة، فالحكومة المنتهية ولايتها يمكن أن تقدم على تبني تصرفات غير متوقعة طالما أن رئيسها عبدالحميد الدبيبة يجد فيها ملاذا يساعده على الاستمرار في منصبه لأجل غير مسمى، ما يعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر في ظل وجود قوى رافضة لوجوده.

توازنات القوى المتصارعة في ليبيا تؤدي إلى تأخير الحل، وانكشاف دور الأمم المتحدة التي ترضخ في توجهاتها لهذه التوازنات

تشير ملامح كثيرة إلى أن الدبيبة هو رئيس الحكومة المعترف به من قبل الأمم المتحدة، وإن لم يحضر بنفسه اجتماعاتها في سبتمبر الماضي وحضرها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي تحاشيا للحرج، فعدد كبير من الطاقم الذي صاحب الأخير إلى نيويورك يعمل في معية الدبيبة، والمعنى الدال لهذا الموقف أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها لم تنته ولايتها بعد في نظر المجتمع الدولي.

تأتي الإشكالية لدى القاهرة في أنها تبنت موقفا صارما من حكومة الدبيبة، واعترفت بحكومة باشاغا ولم تسايرها قوى كثيرة في ذلك، فأصبح موقفها حرجا، فلا هي تستطيع أن تتواصل مع الدبيبة أو تقاطعه ما يؤثر على دورها في الأزمة، وهذه حالة مخيبة تمنعها من مواصلة رعايتها لحوارات سياسية واقتصادية وعسكرية مختلفة.

يراهن الموقف المصري على استعجال الأمم المتحدة لتحدد موقفها من الحكومة المنتهية ولايتها بوضوح، فإذا منحتها الشرعية بأي صيغة من الصيغ يمكن للقاهرة أن تتراجع عن موقفها السابق من الدبيبة، معتمدة على المشروعية التي تمنحها له المنظمة الأممية وتحفظ ماء وجهها، ولا تبدو كمن تراجع عن موقف بسبب سوء التقدير، وإذا نزعت الأمم المتحدة الشرعية عنه، وهذا بعيد، تصبح القاهرة صائبة.

تظل التناقضات والارتباكات وتعارض الحسابات في التعامل مع الأزمة الليبية سببا رئيسيا لما وصلت إليه من انسداد، وما لم يتم تفكيكها داخليا وخارجيا سوف تظل الأزمة على حالها من المراوحة، كلما ظهر ضوء في نهاية النفق تلاشى بفعل عدم وجود إرادة دولية راغبة في التوصل إلى تسوية، فتجد القوى الدولية في الصعود والهبوط في الأزمة وسيلة للتمرين السياسي إلى حين تتوافر فرصة للإعلان عن نزول المسابقة وتحديد المنتصرين والمهزومين.

'