الحكومة المصرية تستكين لصمت الشارع وتعلن عن زيادات جديدة – مصدر24

الحكومة المصرية تستكين لصمت الشارع وتعلن عن زيادات جديدة

تشكل الزيادات الجديدة في أسعار تذاكر مترو الأنفاق والقطارات عبئا إضافيا على المواطن المصري الذي يرزح تحت ثقل الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية، ويرى مراقبون أن الحكومة تبدو مطمئنة إلى ردود فعل الشارع وهو ما جعلها تعلن عن هذه الزيادات قبل أيام من تطبيقها.

القاهرة – يترقب المصريون ارتفاعا جديدا في أسعار تذاكر مترو الأنفاق والقطارات اعتبارا من الاثنين بعد تأكيد كامل الوزير وزير النقل أن الحكومة لا تملك خيارا سوى الاستدانة لتطوير قطاع النقل أو رفع أسعار التذاكر، فهناك فروق شاسعة بين الإيرادات والمصاريف يصعب تعويضها بلا زيادة جديدة.

وأقر وزير النقل في تصريحات إعلامية بأنهم في مأزق (يقصد وزارته)، مطمئنا الشارع بأن الزيادة لن تكون كبيرة، وأنها ستصل إلى نحو 14 في المئة، وعلى الرغم من تنمية الموارد وتقليل المصروفات لا تزال وزارة النقل مديونة بمبالغ مالية كبيرة.

وأشار حديث كامل الوزير إلى أن الحكومة فشلت في تنمية موارد قطاع النقل بابتكار حلول لوقف نزيف الخسائر، ما يؤكد استمرار اعتماد الحكومة في البحث عن سد عجز الموازنة وتعويض شح الموارد وضبط إيقاع التضخم على جيوب الناس.

طلعت خليل: يجب على الحكومة أن تنتبه إلى مخاطر غلاء المعيشة

 

ويعكس قرار الحكومة برفع أسعار تذاكر المترو والقطارات، ولو بزيادة طفيفة، أنها ضمنت صمت الشارع إلى درجة خروج أحد وزرائها لـ”يزف” تلك البشرى غير السارة عبر وسائل الإعلام قبل تطبيقها بأيام، ما يوحي بوجود شعور متصاعد لدى دوائر صناعة القرار أن المصريين تعايشوا مع الارتفاعات المتدرجة في الأسعار.

ونسف الكلام عن زيادة أسعار تذاكر المترو والقطارات الإيجابيات التي حققها قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي أخيرا بشأن التوسع في إجراءات الحماية الاجتماعية، واتخاذ حزمة من الإجراءات لتخفيف الأعباء عن محدودي الدخل وأصحاب المعاشات لمجابهة تداعيات الأزمة الاقتصادية عليهم.

وقرر السيسي قبل أيام زيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامج “تكافل وكرامة” بضم مليون أسرة إضافية ليصبح عدد المستفيدين من المواطنين الذين يحصلون على معاش شهري من البسطاء أكثر من 20 مليون مواطن على مستوى الجمهورية، وصرف مساعدات استثنائية لتسعة ملايين أسرة لمدة 6 أشهر للعائلات الأكثر احتياجا، ودمج أصحاب المعاشات والعاملين بالدولة ممن تقل رواتبهم عن 142 دولارا.

واستقبلت قرارات الرئيس المصري بارتياح، لكنها عززت إصرار الحكومة على تطبيق مبدأ “ما يتم دفعه باليد اليمني سنحصل عليه باليسرى”، وهو أمر يثير غضب الكثير من المواطنين بعدما بدت الحكومة بخيلة في عطائها للناس الذين صبروا وتحملوا موجات الغلاء المتلاحقة لترميم الاقتصاد المترنح.

وضاعف التمهيد لرفع أسعار تذاكر المترو والقطارات حالة الإحباط، لأنه يأتي بعد أيام قليلة من تحريك أسعار مشتقات البترول، ويتزامن مع موجة غلاء غير مسبوقة في غالبية أسعار السلع والخدمات الأساسية، حتى أصبح الناس عاجزين عن تلبية احتياجاتهم اليومية الضرورية.

ويشكل مترو الأنفاق بالنسبة إلى المصريين في محافظات إقليم القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية) وسيلة النقل الأساسية، ويستقله يوميا نحو ثلاثة ملايين راكب.

كما أن قطارات السكة الحديد لا تزال الوسيلة الأهم لنقل الركاب بين عموم محافظات مصر من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، أي أن الزيادة تمس كل الفئات تقريبا.

وباتت ثقة الناس في الحكومة على المحك، فهي التي اعتادت الترويج للإنجازات الاقتصادية والتنمية وقرب جني ثمار صبر المصريين وتحملهم موجات الغلاء، لكنها لا تزال تتمادى في زيادة الأعباء المالية في صورة ضرائب ورفع أسعار مياه وكهرباء وغاز وتذاكر قطارات وتحريك أسعار سلع تموينية كانت مدعومة.

ورغم تصاعد منسوب الغضب المكتوم، إلا أن الحكومة على يقين من رضوخ الشارع لتصوراتها، فلم تعد بحاجة إلى الحذر والتمهيد لقرارات رفع الأسعار كما كانت تفعل، ما يوحي أنها على قناعة باستحالة خروج الناس إلى الشارع للاعتراض على قراراتها.

وقال طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين إن الحكومة إذا لم تكن على قناعة بأن الشارع يغلي فهي غير مبصرة لأن الناس في حالة احتقان شديد، وهذا خطر على الأمن والاستقرار، لكن المشكلة أن أغلب وزراء الحكومة غير سياسيين ولا يجيدون التعامل مع الناس أو يبررون قراراتهم بطريقة صحيحة كأنهم يتحدّون الناس.

وأضاف خليل لـ”العرب” أن المواطنين لا يريدون لبلدهم أن يدخل في الفوضى، لكن يجب على الحكومة أن تنتبه إلى مخاطر غلاء المعيشة وارتفاع معدلات التضخم والتعويل على جيوبهم مع كل أزمة مالية، لأن الشارع قد لا يستمر صامتا طوال الوقت.

وتستمد الحكومة ثقتها من كون المصريين الغاضبين لا يزالون بلا قائد شعبي أو سياسي أو حزبي يحركهم أو يدفعهم للخروج في احتجاج ضد غلاء المعيشة، فالمجال العام متكلس، والمعارضة ضعيفة، ما يشجع الحكومة على المضي في إجراءاتها.

الرقابة مستمرة والوضغ تحت السيطرة
الرقابة مستمرة والوضغ تحت السيطرة

ومع أن الإفصاح عن رفع أسعار تذاكر المترو والقطارات يتزامن مع تدشين الحوار الوطني الذي تجريه الحكومة مع أحزاب وقوى مدنية مختلفة، بينها معارضة، لكن لم يبد أحد اعتراضا على اللجوء المستمر إلى تحميل المواطنين وحدهم فاتورة الغلاء.

وأصبح المواطن المصري يواجه الغلاء في صمت وعلى قناعة بخسارة المواجهة مع الحكومة مهما تضاعفت معاناته، فهذا يخشى أن يوصف بالخيانة، وذاك يخاف أن يخسر وظيفته الحكومية، وثالث يساوره قلق من أن يزج به في السجن بتهمة خرق قانون التظاهر وتنفيذ أجندة تستهدف أمن الدولة.

وأكد أمين عام حزب المحافظين لـ”العرب” أن التمادي في الارتكان للهدوء أو الوعي المجتمعي بالحفاظ على الأمن والاستقرار قد يترتب عليه اتساع دائرة الغضب، فلا يمكن الرهان على مواصلة الهدوء مستقبلا عندما يجري توظيفه من جانب تنظيمات معارضة لنشر الفوضى والاستثمار في مخزون الغضب المكتوم.

ومن المتوقع أن تمر الزيادة الجديدة دون اعتراض إلا من منشورات السخرية والغضب على شبكات التواصل الاجتماعي التي صارت منبرا لرفض سياسات الحكومة، في ظل تضييق الخناق على التحركات في الشارع.

ويعزز هذه القناعة أن النسبة الأكبر من المصريين تنشغل بالبحث عن مخرج للظروف الاقتصادية الصعبة، ويبدو عليها الانهماك في تدبير البدائل وترتيب الأولويات أكثر من الاهتمام بممارسة نشاط سياسي على سبيل الاحتجاج.

وهناك شريحة تستقبل تحريك الأسعار بوازع وطني، خشية التوترات الأمنية التي قد تجلب لبلدهم تصدعات توظفها جماعة الإخوان للعودة إلى المشهد، لكن عزف الحكومة على هذا الوتر من شأنه أن يفجر الغضب المكتوم إذا استسهلت الضغط على البسطاء وتحميلهم فاتورة الإصلاحات الاقتصادية دون البحث عن حلول مبتكرة، بحجة أنهم سيصبرون من أجل الاستقرار.

'