الخذلان عنوان المشهد الثقافي اليمني منذ مطلع هذا القرن – مصدر24

الخذلان عنوان المشهد الثقافي اليمني منذ مطلع هذا القرن

الخذلان عنوان المشهد الثقافي اليمني منذ مطلع هذا القرن

الباحث اليمني علي قاسم البكالي: جرائم الميليشيا الحوثية في حق الثقافة والمثقفين لا تحصى.

يتمتع الكاتب والباحث اليمني علي قاسم البكالي مستشار وزارة الثقافة اليمنية برؤية ثاقبة إلى الكثير من الأحداث التي يمر بها اليمن اليوم وما جره الوضع المتقلب من مآس لليمنيين في الداخل والخارج. “العرب” التقت البكالي في حوار حول واقع اليمن والثقافة والمثقفين فيه اليوم.

تنبع رؤية علي قاسم البكالي إلى الوضع اليمني عن دراسات تحليلية للشأن الثقافي والحضاري في اليمن، حيث صدر له أخيرا عن مؤسسة أروقة للنشر والترجمة كتاب بعنوان “الذات الوطنية دور الذات في بناء الدولة وإنجاز النهوض”، وقد أقام حفل توقيع له بمعرض الرياض الدولي للكتاب في حضور عدد كبير من المثقفين والكتاب اليمنيين المقيمين في السعودية.

طرحنا على البكالي عددا من التساؤلات من بينها ما هو خاص بالمشهد الثقافي اليمني في ظل الحرب الدائرة وتوزع الأدباء والمثقفين والكتاب بين الداخل والخارج، ورؤيته إلى الجرائم التي ارتكبت ضد الثقافة خاصة والحضارة اليمنية عامة على يد الميليشيا الحوثية والأبعاد التي يمكن أن تترتب عليها مستقبلا، والدور الذي تلعبه وزارة الثقافة الآن إزاء أوضاع الأدباء والمثقفين والمفكرين اليمنيين في الخارج والداخل وغيرها.

جرائم ضد الثقافة

بداية يؤكد البكالي أن المشهد الثقافي اليمني يبدو مخذولا بشكل كبير منذ مطلع القرن الجديد، فقد استحالت الظاهرة الثقافية اليمنية إلى صراعات أيديولوجية ذات أبعاد طائفية ومناطقية، وغلبت على الوجه الثقافي لليمن مضامين هذا الصراع التي انعكست فيه كالمرآة، وتأثرت بها شرائح الأدباء والشعراء والفنانين والكتاب والمثقفين.

 فيما غدا العقل الثقافي مجرد حصالة للصراعات الطائفية والأيديولوجية والمناطقية، وغدا جموع المثقفين، تحت ضغط الحاجة أو ظرف الانتماء السياسي، ينحازون لأقطاب التنافر السياسي مستخدمين الثقافة وأدواتها لتبرير وصناعة الوهم أسوأ استخدام، فغادرت بذلك الثقافة دورها التنويري والاجتماعي، واكتفت في أجزاء كبيرة منها بصناعة المبررات النفسية الوجدانية للصراعات والعنف والدماء والدمار، وما زاد الطين بلة أن النخب التي تصدرت المشهد السياسي طوال المرحلة السابقة كانت خاوية المحتوى هشة الفكر، ضحلة الثقافة، فعملت على ترميز غير المبدعين وغير المنتجين للفكر والثقافة والأدب، وتقديمهم للمجتمع كرموز ثقافية مصنوعة من القش، فكانت النتيجة فراغا، اشتغلت فيه أدوات الأدلجة والطائفية العمياء.

الظاهرة الثقافية اليمنية استحالت إلى صراعات أيديولوجية ذات أبعاد طائفية ومناطقية، وغلبت على الوجه الثقافي لليمن

ويوضح البكالي “لو أردنا في الحقيقة وصف الواقع الثقافي اليمني اليوم لأمكننا القول إن المشهد الثقافي في اليمن خلال خمس سنوات من الحرب دار إلى الخلف متخذا خطا عكسيا باتجاه القرون الوسطى، وسبب ذلك بدرجة رئيسة الحروب الحوثية التي شنتها على اليمنيين منذ مطلع القرن، انتقاما لعلي والحسن والحسين، وانتزاعا لحقهم المقدس في السلطة الحصرية، كما تدعي، وجل خطابها وأفكارها المهيمنة على المشهد الثقافي في مناطق سيطرتها اليوم يعيد الإنسان اليمني إلى العصور الوسطى، حيث صراعات التمذهب والطائفية، وقريش وبني هاشم، والأشراف والعرب، والقيسية واليمانية، وقد جرفت معها في هذه اللجج المظلمة عددا من الكتاب والأدباء والشعراء احترفوا التكسب، فصاروا ينتجون لها المبررات ويسوقون خرافاتها مغلفة بحلة من الفن والإبداع”.

ويرى البكالي أن الميليشيا الحوثية تنظر إلى الثقافة اليمنية والهوية والحضارة والآثار الحضارية بمنظار المغايرة والخصومة، وترى أن كل من يهتم بها كافر أو فاسق، كونه يعتد بيمانيته وهويته على الهاشمية والقرشية، وتعتبر كل ما يمكن أن يُخرِج اليمنيين عن تقديس آل البيت وطاعتهم ونزع السلطة الحصرية عنهم وتحرير الناس من عبوديتهم باطلا يعارض الدين ويهدم أركانه، فالوطن في ثقافتها هو السلالة.

ويؤكد الباحث أن جرائم الميليشيا الحوثية اليوم في حق الثقافة والآثار لا تكاد تحصى، فقد عمدت إلى اعتقال وتعذيب عدد من الأدباء والكتاب، وتكميم أفوه المثقفين والمتعلمين، وحولت المدارس والجامعات ومنابر الثقافة والأدب إلى محاضن ومنابر للتشيع والفكر الطائفي، قسرا وجبرا، كما أغلقت وصادرت مراكز البحث ودور النشر، ومنتديات الأدب والثقافة، وطيفت مناهج التعليم، واقتادت الأطفال والشباب من المدارس والجامعات إلى المحارق والمعارك، وأحرقت وصادرت المكتبات العامة، والخاصة، واعتدت على خزائن التراث والمخطوطات التاريخية في جامعة صنعاء، ومركز البحوث، ومدينة زبيد التاريخية، فصادرت منها ما يتصل بالتاريخ والهوية والحضارة والثقافة والعلوم والأدب اليمني، ولم تبق سوى ما يخدم فكرتها الطائفية المذهبية وتاريخ أئمتها الهادويين.

يوضح البكالي أنه على صعيد التراث الحضاري والموروث الثقافي فقد أقامت ميليشيا الحوثي سوقا سوداء لتهريب الآثار اليمنية، وبيعها في الخارج، ولديها مندوبون في أغلب الدول لبيع الآثار وجني الدولارات منها، وقد صادرت كل الآثار من المتاحف العامة، ومن بيوت بعض المسؤولين؛ تجار الآثار سابقا، وبعضهم كان لديه متحف في منزله ذو قيمة أكثر من المتاحف العامة، وكل ذلك جرت مصادرته وتهريبه وبيعه في الخارج، ويكفي أن الميليشيا الحوثية اليوم سمحت ببعثات إسرائيلية للتنقيب عن الآثار اليهودية في اليمن وسلمت نسخة التوراة القديمة لإسرائيل على مرأى من كل العالم.

المشهد الثقافي اليمني يبدو مخذولا بشكل كبير منذ مطلع القرن الجديد
المشهد الثقافي اليمني يبدو مخذولا بشكل كبير منذ مطلع القرن الجديد

جهود المثقفين

ويشير البكالي إلى أن وزارة الثقافة تحاول جاهدة استيعاب المثقفين والأدباء والكتاب ولكنها تبدو مشلولة تماما ولا تملك حيلة لمعالجة مشكلة أهم شريحة في المجتمع، ويعود ذلك إلى وضع الحكومة غير المستقر، وعدم تهيؤ الوزارة للعمل المؤسسي، واستقبال جموع الكتاب والمثقفين واستيعابهم.

وتلعب شحة الإمكانات المادية في هذا السياق دورا كبيرا، غير أنه ومن باب الإنصاف يتوجب هنا الاعتراف بتقصير الحكومة ككل والوزارة على وجه الخصوص في الاهتمام بشريحة الأدباء والكتاب والمثقفين، فهم الشريحة الوحيدة التي لم تنل أي اهتمام، ولم ترتب أوضاعها في الخارج والداخل بعد.

وحول وجود توثيق من جانب وزارة الثقافة للجرائم التي تم ارتكابها ضد الثقافة والحضارة في اليمن خاصة أن هناك الكثير من الآثار اليمنية سقطت أو محيت فضلا عن المكتبات والمتاحف، يقول البكالي “بالنسبة إلى هذا السؤال فالأولى توجيهه للمسؤول المباشر في وزارة الثقافة، ولكن على حد علمي هناك تقارير أعدتها الوزارة بهذا الصدد وتم رفعها   إلى المنظمات الدولية، غير أني أجزم بعدم وجود حصر شامل لكل الجرائم التي طالت الثقافة والآثار طوال سنوات الصراع والحرب، فهناك جرائم يومية لا تتوقف ويصعب حصرها وتوثيقها نظرا إلى حالة الانقسام”.

أما عن وجود خطط واضحة لدعم الثقافة اليمنية والحفاظ على حضورها حية وفاعلة في المشهد الثقافي العربي، فيلفت البكالي إلى أن هذا السؤال لا ينطبق مع وضعه هو كمثقف نازح ليست في يده أي مسؤولية ولا حيلة غير الكتابة، فالتخطيط يقتضي الإمكان والتنفيذ، وهذا من مهام أجهزة الدولة ومؤسساتها الثقافية، فهي القادرة على تجميع جهود المثقفين والكتاب والأدباء وتوجيهها ودعمها بما يبقي اليمن حاضرا وفاعلا في المشهد الثقافي العربي والدولي.

ويستدرك “لكنني ومن منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن لا أدخر جهدا في التواصل والتنسيق مع الأدباء والكتاب في كل مناطق اليمن، وفي الخارج لتبادل الأفكار والرؤى، وطرح بعض المشاريع الفكرية والثقافية، فنحن نحاول جاهدين أن نخرق جدار الصمت، ونحدث حراكا ثقافيا يحرك جمود الواقع الأليم، ولدينا ما يشبه الرابطة الثقافية لعدد من الكتاب والأدباء، ونقوم بجهود فكرية وثقافية، ومنها إنجاز بعض الإصدارات الثقافية، والدراسات والأبحاث التي تعالج الظاهرة اليمنية”.

'