الدبلوماسية الشعبية سلاح مصر وإثيوبيا في معركة سد النهضة – مصدر24

الدبلوماسية الشعبية سلاح مصر وإثيوبيا في معركة سد النهضة

القاهرة – انتقلت الخلافات بين مصر وإثيوبيا من طاولة المفاوضات الضيقة إلى الفضاء الافتراضي الواسع، وزاد كل طرف من أدوات الدبلوماسية الشعبية لدعم موقفه السياسي، في محاولة للتأثير على توجهات الرأي العام الدولي الذي بات حائرا بين منطق البلدين في الدفاع عن الرؤية الفنية والتلويح بالحرب في آن واحد.

وبدت وسائل التواصل الاجتماعي أخيرا ساحة لاستيعاب الحملات الإعلامية والحملات المضادة لها، وأخذت تنتقل من العمل التلقائي والعشوائي إلى آخر منظم تشرف عليه جهات رسمية، كدليل على أن حل الأزمة سلما أو حربا تتفاعل فيها العديد من العوامل.

ومن يتابع منصات التواصل وتحركات النشطاء في الدولتين يجد الكثير من الحسابات الشخصية والعامة تركز على أزمة سد النهضة وتقدم مبررات وتفسيرات داعمة لكل دولة، بينما ظهر الانقسام جليا على نشطاء السودان كطرف أساسي في الأزمة.

وقد نجحت إثيوبيا في صهر الكثير من الخلافات السياسية والقبلية في الداخل على وقع مشروع سد النهضة، بينما لا تزال القوى السياسية والشعبية في السودان تتفاوت تقديراتها بين الرؤيتين المصرية والإثيوبية، مع أن الخرطوم لم تنكر خسائرها من وراء المشروع إذا جرى تشغيله بالطريقة التي تريدها أديس أبابا.

ويؤكد المصريون حق بلدهم في مياه النيل وعدم المساس بالحصص التاريخية والتوزيع العادل والمنصف لها، مصحوبا بتأييد لافت للخيار العسكري عند الإخلال بذلك، ما يمثل ضغطا معنويا على القيادة السياسية التي لوّحت بأن كل الخيارات مفتوحة.

ويشدد الإثيوبيون على التنمية والخروج من دائرة الفقر ويروجون بأن النيل ينبع من أرضهم وهو ملك لهم ولن يستطيع أحد منعهم من التصرف فيه على طريقتهم، ويهونون من سيناريو الحرب تارة وقدرتهم على المجابهة والصمود تارة أخرى، مع إشارات متفرقة تحمّل القاهرة مسؤولية ما حلّ بهم من حرمان تاريخي للكهرباء.

وبصرف النظر عن التضخيمات والمغالطات والتناقضات والأهداف التي يحملها الخطاب الشعبي فقد بات وسيلة مهمة في أيدي كل طرف في ظل حساسية المناورات السياسية وضيق الأفق في المفاوضات الفنية. حيث أن الأزمة قد اتسعت وأصبحت مرشحة للتداول والمناقشة من قبل المجتمع الدولي على أصعدة عديدة، وهو ما يمنح الدبلوماسية الشعبية أهمية ويدفع الدوائر الرسمية إلى المزيد من الاهتمام بها.

واستخدم آبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية فيديو يرمز إلى حسن التصرف والتعاون بين الحيوانات والطيور يضم “كلبا وقطا ودجاجة” على حسابه الخاص على تويتر دون تعليق، وهو ما جعل نشطاء مصريين يتهكمون عليه لأن الفيديو حمّال أوجه، وتولى إثيوبيون الدفاع عنه بتلميحات مضادة مفادها أن بلدهم هو المتحكم في مياه النيل الأزرق، ولا توجد قوة تثنيهم عن الشروع في الملء الثاني في يوليو المقبل.

ودعت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج نبيلة مكرم الخميس المصريين المقيمين في الخارج إلى نشر فيديوهات خاصة بأحقية مصر في مياه النيل عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي دعمًا لقضية بلدهم أمام العالم، واعتمادا على ما لديهم من تأثير داخل المجتمعات الأجنبية المتواجدين فيها.

أي تنازل يمكن أن يقدمه المفاوض المصري أو الإثيوبي يمكن أن يتحول إلى هزيمة في رأي الدبلوماسية الشعبية

وجاءت الدعوة تلبية لطلب شريحة من المصريين مدهم بفيديوهات تتعلق بأحقية مصر في مياه النيل، حيث استشعروا ضرورة استكمال ما بدأوه من حملات دعم واسعة خلال فترات سابقة دفاعا عن حق بلدهم في مياه النيل، مقابل هجمات دعائية شرسة يقوم بها إثيوبيون في وسائل إعلام وجماعات ضغط متباينة.

وأطلقت الجالية المصرية في الولايات المتحدة من قبل حملة إلكترونية للتوقيع على مذكرة لحث واشنطن على دعم مفاوضات سد النهضة وحماية الحقوق المائية لمصر.

واحتشدت مجموعة أمام البيت الأبيض في مارس من العام الماضي لحث إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب والبنك الدولي على بذل المزيد من الجهود لحماية حقوق مصر، بعد إعلان واشنطن والبنك الدولي في العام نفسه عن وساطتهما في حلّ الأزمة وبدء اجتماعات مع الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) لكن الاجتماعات والحملة أخفقتا في تغيير المعادلة الإثيوبية الرافضة للتوقيع على اتفاق مُلزم.

وأشار أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة نادر نورالدين إلى أن الغرض من الحملة تعريف العالم بحقوق مصر التاريخية في مياه الميل، وبالتالي ليس من المنطقي أن تقوم دولة بحجز المياه حسب قوانين إدارة الأنهار العابرة للحدود.

وأضاف في تصريح لـ “العرب” أن القاهرة تبعث برسالة إلى العالم، مفادها أنها لا تسعى للضرر بأيّ دولة تستفيد من مياه النيل، وهدفها ترك انحدار مياه النيل بشكل طبيعي، ولم تطلب استخدام مياه النيل في مجال معين دون غيره، وهذه المياه تمر من دول المنبع وتأخذ احتياجاتها على أن يصل الباقي إلى دولتي المصبّ مصر والسودان.

وأوضح أن الحملة الشعبية تأتي في توقيت مهم حيث تتزامن مع التعنت الإثيوبي في المفاوضات، ما يستوجب حشد رأي عام دولي حول عدالة الموقف المصري حتى لا يلوم أحد أجهزة الدولة على أيّ خيار غير ناعم قد تكون مجبرة على اتخاذه.

ولجأت مصر إلى سلاح الدبلوماسية الشعبية مبكرا وأرسلت وفدا يمثل قوى وأحزابا سياسية عدة إلى أديس أبابا في أبريل 2011 للتأكيد على التعاون وإمكانية تعظيم الاستفادة من مياه نهر النيل. وعاد الوفد من دون أن يتغير الموقف الإثيوبي شعبيا أو رسميا، بل جرى توظيف مسألة الدبلوماسية الشعبية في الحصول على مشروعية تدعم أحقية أديس أبابا في مشروع السد بالطريقة التي تراها الحكومة مناسبة.

ويقول مراقبون إن هذا النوع من الدبلوماسية تحوّل إلى أداة لدعم المواقف السياسية وليس الفنية، حيث يركز على المناحي العاطفية ولا يناقش الأزمة بموضوعية، وبدأ الأمر ينتقل إلى عنصر ضاغط على صناع القرار. فالنتيجة التي يحصل عليها كل طرف تنحصر في شقها الداخلي ولا يعبأ بها الرأي العام الدولي لكثرة تفاصيلها وتناقض الروايات التي تحملها كل أجندة.

وتكمن الخطورة في تكريس هذه الطريقة لمشاعر شوفينية تنعكس سلبا على الجهود المبذولة لتقريب المسافات، فأيّ تنازل يمكن أن يقدمه المفاوض المصري أو الإثيوبي يمكن أن يتحول إلى هزيمة في رأي الدبلوماسية الشعبية، حتى صارت وسيلة للاتجاه نحو التهيئة للتصعيد والحرب ونزع مبررات الاتفاق في آن واحد.

'