الديمقراطية تقتطع تدريجيا من نفوذ الصين الناعم في أفريقيا – مصدر24

الديمقراطية تقتطع تدريجيا من نفوذ الصين الناعم في أفريقيا

واشنطن – يرى مراقبون أن الدول التي تتبنى الديمقراطية في أفريقيا مثل أرض الصومال وجنوب أفريقيا وبوتسوانا، أكدت باستمرار أنها قادرة على تحصين نفسها بشكل أفضل تجاه الاستغلال الصيني، وعلى النقيض من ذلك سرعان ما سقطت دول مثل جيبوتي والصومال وإثيوبيا في فخ نفوذ بكين.

ومع أن أرض الصومال التي أعادت إعلان استقلالها قبل ثلاثة عقود غير معترف بها دوليا، فإنها دولة ديمقراطية، وتعتبر من الدول القليلة التي قاومت بشكل أفضل جهود الصين لربط دول القارة الأفريقية بفلكها على حد قول مايكل روبين الباحث السياسي في معهد “أميركان إنتربرايز” للدراسات السياسية.

وفي مطلع يوليو الماضي، فاجأت حكومة أرض الصومال وتايوان الصين والولايات المتحدة بإعلانهما توقيع اتفاقية لإنشاء مكاتب تمثيل متبادلة. ونشر مجلس الأمن القومي الأميركي على حسابه في تويتر تعليقا على هذا التطور قال فيه “من الرائع أن نرى تايوان تكثف شراكتها في شرق أفريقيا في وقت تشتد فيه الحاجة إلى ذلك”.

مايكل روبين: ثمة دول أفريقية كثيرة حصّنت نفسها ضد إغراءات الصين

وسارع تشين جيان، السفير الصيني لدى الصومال، إلى زيارة أرض الصومال لمحاولة إقناع رئيسها موسى بيهي عبدي بتغيير اتجاهه، لكن بيهي رفض وترك الوفد الصيني في حالة انتظار، في الوقت الذي هدّدت فيه بكين أرض الصومال دون جدوى.

وبينما أدت صعوبات السفر الجوي بسبب تفشي جائحة فايروس كورونا المستجد إلى تباطؤ المبادلات التجارية بين تايوان وأرض الصومال، يستعد مكتبا التمثيل للدولتين للانطلاق بمجرد توفر اللقاحات على نطاق واسع.

ويقول روبين في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية، إن مسؤولي أرض الصومال بحثوا عن تايوان لأنها تستثمر فقط ولا تسعى لفرض نفوذها على الدول الأخرى كما تفعل الصين.

ويرى أعضاء الحكومة الحالية لأرض الصومال ومعارضوها السياسيون أن بلادهم محصّنة ضد الرشوة الصينية أو الوقوع في فخ بكين بفضل النقاش الديمقراطي والصحافة الحرة، التي تضمن مساءلة الطبقة السياسية الحاكمة في أرض الصومال.

وفي المقابل، فإن النفوذ الصيني في كينيا أعمق بكثير، فمن الصعب أثناء التحرك بالسيارة في شوارع العاصمة نيروبي آلا ترى لافتات الشركات الصينية والإعلانات التي تعلن عن المعارض التجارية الصينية وغيرها من رموز الاستثمار الصيني في كينيا.

وخلال هذا الأسبوع يحل الموعد النهائي لكي تسدد الحكومة الكينية قرضا بقيمة 1.4 مليار دولار إلى الصين كانت قد حصلت عليه لبناء خط سكة حديد من نيروبي إلى نيفاشا.

وقد يواجه الرئيس الكيني أوهورو كينياتا صعوبة في سداد تلك الدفعة بالإضافة إلى 5 مليارات دولار إضافية مستحقة للصين، لكن كينيا لا تزال محظوظة نسبيا، فديونها البالغة 6.4 مليار دولار للصين لا تمثل سوى 10 في المئة من إجمالي ديونها، وبالتالي فقدرة الصين على إملاء شروطها على نيروبي تظل محدودة.

ومرة أخرى، ليس من قبيل المصادفة أنه مهما كانت العيوب الموجودة في ديمقراطية كينيا، فإنها لا تزال تحتفظ بما يكفي من الضوابط والتوازنات الأساسية، بحيث لم يتمكن أي شخص بمفرده من التوقيع على الصفقات التي من شأنها أن تسمح للصين بالسيطرة على البلاد.

والأمر نفسه ينطبق على جنوب أفريقيا، حيث تعادل ديون تلك الدولة الديمقراطية للصين حوالي 4 في المئة فقط من ناتجها المحلي الإجمالي. وأشارت صحيفة “ديلي مافريك” المحلية إلى أن الديمقراطية تحصين لجنوب أفريقيا ضد مصيدة الديون الصينية.

وقالت الصحيفة إن “أفريقيا ليست الصين، فالديمقراطية الأفريقية ليست منحة تكرم بها الحكام على الشعوب في يوم من الأيام؛ إنه النظام المفضل لدى الغالبية العظمى من المواطنين في ضوء التجربة السابقة”.

Thumbnail

وفي أبريل الماضي، هدد الرئيس التنزاني جون ماغوفولي بإنهاء مشروع بقيمة عشرة مليارات دولار لأن شروط القرض الصيني الذي وافق عليه سلفه كانت سيئة للغاية لدرجة ألا يقبلها إلا “سكّير”.

وعلى الجانب الآخر باتت جيبوتي فعليا مستعمرة صينية، وتعادل ديونها لبكين أكثر من 80 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي وقت سابق هذا الشهر وقعت الحكومة اتفاقية قرض بقيمة 3 مليارات دولار لتوسيع ميناء البلاد الاستراتيجي، وهو ما يضيف المزيد إلى أعباء ديون الدولة الواقعة في القرن الأفريقي.

وبينما تخنق مصيدة الديون الصينية أنغولا، وهي دولة تصنفها منظمة “فريدم هاوس” على أنها غير حرة، حتى بعد إعادة الهيكلة الأخيرة، يشعر مواطنو الكاميرون بشكل متزايد أنهم لا يحققون أي استفادة من الصفقات التي أبرمتها حكومتهم مع الصين.

وتعاني إثيوبيا هي الأخرى من الديون الصينية التي تراكمت في عهد رئيس الوزراء السابق هايلي مريم ديسالين، في حين أن خليفته آبي أحمد يتفاوض على شروط جديدة أخف. ومن المرجح أن تغريه الأموال الصينية، خاصة أنه يدير ظهره للديمقراطية.

وفي خضم ذلك، يتجه الصومال بشكل متزايد نحو الصين حيث يسعى الرئيس محمد عبدالله فارماجو إلى تجنب الديمقراطية الدستورية لصالح دكتاتورية مركزية، وبالفعل وقّع اتفاقيات لا يمكن أن تمر في أي مراجعة ديمقراطية. ويؤكد روبين أن السفارة الأميركي في مقديشيو تدعم الرئيس الصومالي، وتساهم في محاصرة أرض الصومال، وهو ما يصب في النهاية في صالح الصين.

ورغم أن السياسات الأميركية الأخيرة قوّضت سلطة الولايات المتحدة في التحدث عن الديمقراطية، لكن ذلك لا يغير الضرورة الاستراتيجية لاحتضان الديمقراطيات والحذر من الدكتاتوريات.

'