الذكرى المئوية لتأسيسه: الأردن يحتفل في ظل أزمة في العائلة المالكة – مصدر24

الذكرى المئوية لتأسيسه: الأردن يحتفل في ظل أزمة في العائلة المالكة

عمان – يحيي الأردن في الحادي عشر من أبريل الذكرى المئوية الأولى لتأسيسه دون احتفالات كبرى، في وقت يمرّ بأزمات صحية واجتماعية واقتصادية شائكة، وتعيش المملكة على خلفية تداعيات إحدى أسوأ الأزمات السياسية في تاريخها الحديث بسبب خلافات غير مسبوقة داخل العائلة الملكية.

وقبل أيام قليلة من إحياء الذكرى وُضع حفيد مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية الأمير حمزة بن الحسين وليّ عهد الأردن السابق والأخ غير الشقيق للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قيد الإقامة الجبرية، بعد أن طُلب منه التوقف عن تحركات ونشاطات توظف لاستهداف أمن الأردن واستقراره. فيما تمّ توقيف ستة عشر شخصا على الأقل بتهمة المشاركة في “مخطط لزعزعة استقرار الأردن” بينهم رئيس سابق للديوان الملكي.

وبعد وساطة وتدخل من أفراد من العائلة الملكية يتقدمهم عمّ الملك الأمير الحسن بن طلال، وعد الأمير حمزة في رسالة وقعها بأنه سيبقى “مخلصاً” للملك عبدالله الثاني بعد أن كان انتقد في وقت سابق سوء إدارة الدولة.

وحظيت القيادة الأردنية بدعم عربي ودولي واسع في الإجراءات التي اتخذتها لحفظ أمن واستقرار المملكة ونزع فتيل كل محاولة للتأثير فيهما، لكن ذلك لم يمنع وجود شكوك كبيرة تحيط بالمخطط الذي تم الكشف عن جزء من تفاصيله الأحد الماضي.

صمود في وجه الأزمات

 الملك عبدالله الأول (إلى اليمين) مع عبدالرحمن عزام (إلى اليسار)، الأمين العام للجامعة العربية، وعبدالإله بن علي (وسط)، أمير العراق، قبل يوم واحد من بداية الحرب العربية – الإسرائيلية مايو 1948.
 الملك عبدالله الأول (إلى اليمين) مع عبدالرحمن عزام (إلى اليسار)، الأمين العام للجامعة العربية، وعبدالإله بن علي (وسط)، أمير العراق، قبل يوم واحد من بداية الحرب العربية – الإسرائيلية مايو 1948

كانت إمارة شرق الأردن اللبنة الأولى للمملكة الحديثة التي أرساها الملك عبدالله الأول سليل العائلة الهاشمية القادم من الحجاز، والذي كان يسكنه حلم بناء وطن جديد في منطقة لا تزال حينها ترزح تحت الاحتلالين الفرنسي والبريطاني، ولم تلتئم جراحها من عهد عثماني جثم عليها لقرون.

وفي 11 أبريل من العام 1921 شكل الأمير الهاشمي عبدالله أول حكومة لإمارة شرق الأردن. وبعد خمس وعشرين سنة أُعلن استقلال الإمارة عن الانتداب البريطاني، وأصبح الأمير عبدالله ملكا بلقب الملك عبدالله الأول، وتحوّلت الإمارة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، الدولة التي صمدت قرنا من الزمن حتى اليوم في منطقة شديدة الاضطراب.

وسوف يطوي الزمن ملف الخلاف داخل العائلة الهاشمية، لكن لن ينسى الأردنيون الغموض الذي شاب ملابسات “المخطط التآمري” الذي كان سيهز أمن البلد واستقراره، و”الجهات الخارجية” التي تقف خلفه وطبيعة العلاقات بين المتهمين. ولم يكن لأحد أن يتوقع انفجار أزمة داخلية لم توضح السلطات خلفياتها ولم تقدم أجوبة شافية عنها، مع حلول ذكرى مرور مئة عام على قيام الأردن.

ومن المقرر أن تقتصر الاحتفالات بالمئوية على فعاليات ثقافية ورمزية ونشر لوحات تحمل شعار المئوية الذي يضم التاج الملكي وعبارة “1921 – 2021 مئة عام وتستمر المسيرة”.

ويقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي إن جائحة كورونا لعبت دورا كبيرا في عدم الاحتفال كما ينبغي، فالوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي والحياتي غير مريح، ولا يبعث على الحماس للاحتفال بالمناسبة كما ينبغي.

ويضيف “نحن نتكلم عن دولة نشأت على خطوط التماس مع كل الصراعات والحروب والنزاعات في الإقليم. وبالتالي ولادتها وصمودها مئة عام يُسجَّلان لها في ظل محدودية الموارد وإشكاليات النشأة”.

ويقول الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في عمّان جلال الحسيني “لم يكن أحد ليراهن على بقاء هذه الدولة التي أقيمت في الصحراء ودون موارد طبيعية. لكن بعد مئة عام، لا تزال المملكة الهاشمية موجودة”.

عريب الرنتاوي: صمود المملكة مئة عام يُسجَّل لها في ظل محدودية الموارد

والمملكة هي العرش الهاشمي الوحيد الذي لا يزال موجودا في السلطة. فقد أطيح بفيصل الثاني ملك العراق عام 1958، وبحكم الملك علي الابن الأكبر للشريف حسين في الحجاز عام 1925.

واغتيل الملك المؤسس عبدالله الأول على عتبات المسجد الأقصى في القدس على يد شاب فلسطيني في 20 يوليو 1951، بينما نجا يومها حفيده الملك حسين بن طلال بأعجوبة. ثم حكم الملك حسين الأردن من عام 1952 إلى 1999، ونجا من محاولات اغتيال عدة، كما نجا النظام الملكي من أزمات عدة.

وبعد ما عرف بـ”النكبة” عام 1948 وهزيمة العرب ضد إسرائيل، ضمّ الملك عبدالله الأول الضفة الغربية عام 1950، ومنح الجنسية الأردنية لقاطنيها.

وسعى لاستقطاب العمالة الماهرة من الضفة الغربية للمساهمة في بناء شرق الأردن وازدهاره. ونجح في ذلك رغم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وتنامي الشعور الوطني الفلسطيني.

كما زعزع “أيلول الأسود” صورة الأمة الواحدة وخلق صدمة ظلت راسخة لمدة طويلة في أذهان الناس. ففي سبتمبر 1970، وبعد تجاوزات عديدة أثارت مخاوف من تقويض سلطة نظام الملك حسين وخلق دولة داخل الدولة، طرد الجيش الأردني مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية من المملكة بعد مواجهات أدت إلى مقتل الآلاف.

ويرى الحسيني أن البقاء والاستقرار وفوق كل شيء منع هذا البلد من أن يصبح وطناً بديلاً للفلسطينيين – وهو ما يريده اليمين الإسرائيلي – هي هواجس المملكة.

وفي العام 1974 اعترفت الجامعة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني. ثم قرّر الملك حسين في عام 1988 فكّ الارتباط القانوني والإداري بالضفة الغربية المحتلة من إسرائيل. ويقول أحد الفلسطينيين متهكّما “في ليلة واحدة من عام 1950 أصبحنا أردنيين وفي ليلة واحدة من عام 1988 فقدنا جنسيتنا”.

لكنّ المملكة لا تزال على حبل مشدود على المستوى الاقتصادي، وفق رأي الحسيني، وهي تتعامل مع تبعات أزمات المنطقة يوما بيوم.

وتمرّ المملكة الهاشمية بأزمة اقتصادية متفاقمة مع تداعيات جائحة كورونا، وتتوقع السلطات الأردنية أن ينكمش اقتصاد البلاد بما يزيد عن 5.5 في المئة العام الجاري، وهو أسوأ انكماش في عقدين. فيما بلغت البطالة معدلات قياسية وهو ما يحذر محللون من أنه يمكن أن يخلف استياء اجتماعيا قد يدفع إلى ردود فعل غاضبة.

تحديات أمنية

المملكة تتعامل مع تبعات أزمات المنطقة يوما بيوم
المملكة تتعامل مع تبعات أزمات المنطقة يوما بيوم

واجهت المملكة الهاشمية طوال عقود تحديات أمنية دفعت السلطات إلى إعادة خلط أوراقها وتقييم مؤسساتها والقيام بعمليات إصلاح كبرى هدفها الحفاظ على استقرار البلد الذي يقع في قلب منطقة مضطربة.

وبعد تظاهرات عنيفة ضد غلاء المعيشة عام 1989، بدأ الملك حسين عملية تحوّل لإحلال الديمقراطية. وأجريت عام 1993 انتخابات نيابية فاز بها مستقلون مؤيدون للملك حسين. لكن الملك هو الذي يعيّن رئيس الوزراء والوزراء.

وفي أكتوبر 1994 وقّع رئيسا الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والأردني عبدالسلام المجالي معاهدة سلام طوت صفحة حرب استمرت 46 عاما. وضمنت الاتفاقية الأمن لإسرائيل على طول حدودها مع الأردن وأرست أسس تعاون اقتصادي. وأصبحت المملكة الهاشمية بذلك ثاني دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل بعد مصر التي وقعت اتفاقا عام 1979.

ومع مرور الوقت طويت صفحة النزاع. ورفع الملك عبدالله الثاني الذي اعتلى العرش عام 1999 والمتزوج من الملكة رانيا وهي من أصول فلسطينية، شعاري “الأردن أولا” و”كلنا الأردن”.

ووجد الأردن الذي وقّع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994 نفسه في مواجهة تحديات أخرى. حيث استقبل مئات الآلاف من العراقيين بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، ومئات الآلاف من السوريين الفارين من الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011.

ويشكل الأردنيون من أصول فلسطينية نحو نصف عدد سكان المملكة البالغ قرابة عشرة ملايين نسمة. وفي الأردن نحو 2.1 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة.

الأردن سيدخل مرحلة سياسية جديدة قد تركز أكثر على تجارب المئة عام الماضية وتستخلص منها العبر

وفي العام 2011، الذي اجتاح فيه “الربيع العربي” دولا كثيرة وغيّر أنظمتها، خرجت في المملكة احتجاجات مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية. ومنذ ذلك الحين تعود الاحتجاجات بين فترة وأخرى مطالبة خاصة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

كما أن الأردن لا يزال في مرمى جماعات الإسلام السياسي التي تعمل لزعزعة أمن المملكة، وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وتعتبر السلطات الفرع المحلي لجماعة الإخوان غير قانوني، كما قامت بحله في العام 2020.

وعانت المملكة من محاولات استهدافها عبر مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي شاركت في ضربات جوية متواترة ضده في سوريا، ما جعل الجيش الأردني في مرمى أهداف هذا التنظيم المتشدد الذي امتد نشاطه إلى الجار الشرقي العراق. وكان لحادثة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً على أيدي عناصر “داعش” أثر كبير على الأردنيين.

ويقول المزارع منصور المعلا إنه وبعد مرور مئة عام على تأسيس الدولة، يمكن القول إن دور الأردن في حفظ أمن واستقرار المنطقة في السلام والحرب ومحاربة الإرهاب دور مهم كعامل لبقائه.

ويضيف المعلا، وهو أيضا ناشط سياسي ضمن “الحركة الوطنية الأردنية”، أن العراق يرى الأردن ركيزة أساسية للإفلات من القبضة الإيرانية، وسوريا تنظر إلى الأردن كشريك لإعادة الإعمار مستقبلا، والفلسطينيون يرون في الأردن سندا للدولة الفلسطينية المستقبلية.

وشغلت الأحداث الأخيرة في الأردن المنطقة العربية كلّها، لكنها شغلت أكثر الأردنيين المتخوفين من انقلاب مفاجئ في الحكم، وربما أسكنتهم بهواجس أمنية كبرى، فآخر ما يتمناه الأردني أن تدخل بلاده في مرحلة عدم استقرار سياسي تجعلها في مرمى الحروب والتنظيمات المتطرفة التي تهدد أمن المنطقة بأكملها.

والأكيد أن البلد سيدخل مرحلة سياسية جديدة قد تركز أكثر على تجارب المئة عام الماضية وتستخلص منها العبر لتعيد النظر في مؤسسات كثيرة اعتادت أن تكون خط الدفاع الأول عن المؤسسة الملكية، وتكون أكثر حرصا من التدخلات الخارجية التي قلبت أنظمة الكثير من الدول، وهي مهمات صعبة في مرحلة تمرّ فيها المنطقة بمخاضات عسيرة ليس الأردن بمنأى عنها.

محطات مهمة في تاريخ الأردن
  • 11 أبريل 1921: الملك عبدالله الأول يؤسس إمارة شرق الأردن
  • مايو 1946: استقلال الأردن عن الانتداب البريطاني وتحويل الأمير عبدالله الإمارةَ إلى مملكة
  • مايو 1948: المشاركة في هجمات التحالف العربي العسكري ضدّ إسرائيل
  • أبريل 1949: توقيع اتفاق هدنة مع إسرائيل
  • يوليو 1951: اغتيال الملك عبدالله في القدس على يد فلسطيني
  • أغسطس 1952: الملك الحسين يعتلي العرش بعد تنحية والده طلال بسبب عدم الأهلية العقلية
  • يونيو 1967: الأردن يخسر الضفة الغربية والقدس الشرقية في الحرب العربية ضد إسرائيل، وتدفّق نحو مئتي ألف نازح فلسطيني إلى المملكة
  • سبتمبر 1970: سقوط آلاف القتلى في مواجهات بين الجيش الأردني ومسلحي منظمات فلسطينية في الأردن
  • عام 1988: فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية
  • عام 1989: المملكة تشهد تظاهرات ضد غلاء المعيشة أسفرت عن تغيرات
  • عام 1993: إجراء أول انتخابات نيابية فاز بها مستقلون مؤيدون للملك الحسين
  • أكتوبر 1994: توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل
  • فبراير 1999: وفاة الملك الحسين بالسرطان ليخلفه ابنه البكر الملك عبدالله الثاني
  • يناير 2011: خروج احتجاجات مطالبة بإصلاحات في إطار “الربيع العربي”
  • نوفمبر 2012: خروج آلاف الأردنيين إلى الشوارع في احتجاجات عنيفة
  • يونيو 2018: استقالة رئيس الوزراء هاني الملقي بعد احتجاجات شعبية ضد تعديلات مقترحة على قانون ضريبة الدخل ورفع أسعار المحروقات
  • سبتمبر 2014: المشاركة في ضربات جوية للتحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش في سوريا
  • أبريل 2021: السلطات تحبط “مؤامرة” تستهدف أمن الأردن واستقراره

 

'