الرئيس التونسي يحاول فرض نفسه قائدا أعلى للقوات الأمنية – مصدر24

الرئيس التونسي يحاول فرض نفسه قائدا أعلى للقوات الأمنية

تونس – بعثت الزيارة التي قام بها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى مقر وزارة الداخلية ليُشارك خلالها موظفي الوزارة وضباطها مأدبة الإفطار رسالة بأنه المسؤول عن القوات الأمنية لاسيما في غياب رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي يتولى إدارة هذه الوزارة بالنيابة.

وبدا توقيت هذه الزيارة الذي تداخلت في تحديده جملة من العوامل السياسية والأمنية، أنه لم يأت من فراغ، ولا هو عفوي، وإنما كان مقصودا ومُحددا بأهداف وغايات تندرج في سياق معركة السيطرة على هذه الوزارة السيادية.

ورسمت الكلمة المُقتضبة التي وجهها الرئيس قيس سعيد إلى موظفي هذه الوزارة وكوادرها وضباطها صورة جديدة لحجم التطور المفصلي الذي تنطوي عليه هذه المعركة، من خلال تأكيده على موقفه المُعلن سابقا والذي أثار جدلا كبيرا، أيّ أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة بشقيها العسكري والأمني.

سفيان المخلوفي: نُعول على الرئيس قيس سعيد للوقوف ضد أي توظيف لأجهزة الأمن والقوات المسلحة في غير مهامها الوطنية
سفيان المخلوفي: نُعول على الرئيس قيس سعيد للوقوف ضد أي توظيف لأجهزة الأمن والقوات المسلحة في غير مهامها الوطنية

وبعث في نفس الوقت بالعديد من الرسائل في أكثر من اتجاه بقوله إن “كل من يعتقد أنه يمكن أن يوظف جهازا من أجهزة الدولة لفائدته فهو خارج التاريخ”، مؤكدا في نفس الوقت أنه سيعمل على “توحيد الدولة لأن هناك من يريد أن يكون له نصيب في الدولة.. هذه دولة كل التونسيين وليست دولة أحد”.

ودعا في المقابل رجال الأمن في بلاده إلى عدم الرضوخ للضغوط قائلا “تواجهون الكثير من الضغوط، ولكن من يواجه منكم أيّ ضغط لخدمة أيّ كان فليعلم أني أقف معكم على نفس الجبهة حتى نواجه هؤلاء، لأن الدولة ليست غنيمة يقتسمها البعض أو يرتب هذا البعض لقسمتها”.

وتتهم أوساط تونسية حركة النهضة باستعمال المؤسسة الأمنية كعصا غليظة لتأديب معارضي أخونة السلطة مستندة في اتهاماتها على تدخل الشرطة في أكثر من مناسبة لقمع احتجاجات واعتصامات مناوئة للحركة كان أبرزها فض اعتصام بالقوة للحزب الدستوري الحر من أمام مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس، إضافة إلى اقتحام قوات الأمن لمقر وكالة تونس أفريقيا للأنباء على خلفية اعتصام نفذه الصحافيون ضد تعيين كمال بن يونس المتهم بالولاء للنهضة.

واعتبر سفيان المخلوفي النائب في البرلمان عن التيار الديمقراطي أن الرئيس قيس سعيد لم يدخل في أيّ جدال يخص وزارة الداخلية سابقا، “لكن ما شاب العديد من التعيينات على مصالح حساسة في وزارة الداخلية من شبهات وما يفعله رئيس الحكومة من تولّيه بالنيابة لوزارة الداخلية وتعيينه لأشخاص على أساس الولاء يبدو أنه أثار حفيظة رئيس الدولة”.

وقال  المخلوفي لـ”العرب” إن الفشل الذريع لهشام المشيشي في إدارة الدولة على جميع الأصعدة ومحاولاته لتوظيف وزارة الداخلية وتجيير عملها لصالحه الشخصي وصالح حزامه السياسي هو ما يدفع قيس سعيد إلى اعتبار أن كل القوات المسلحة تعود له بالنظر بما أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي.

وتابع “الأكيد أنه على كل الفاعلين في البلاد إبعاد أجهزة الأمن عن التوظيف السياسي، ورئيس الجمهورية في ظل الوضع السياسي المعقد وأزمة الحكم الحالية يُعوّل العديد منا عليه للوقوف ضد أيّ توظيف لأجهزة الأمن والقوات المسلحة في غير مهامها الوطنية”.

واعتبر الناشط السياسي عبدالعزيز القطي أن الرئيس قيس سعيد أعلن منذ بداية العام الجاري أنه القائد الأعلى للقوات المُسلّحة العسكرية والمدنية، وقد كلفه ذلك إقالة توفيق شرف الدين من منصبه كوزير للداخلية آنذاك كردّ فعل من رئيس الحكومة الذي وصفه بـ”المُتمرد والمُتحصن بحركة النهضة الإسلامية”.

وقال لـ“العرب” إن قيس سعيد الذي يعي أهمية هذه الوزارة بالنسبة إلى حركة النهضة الإسلامية التي تُحكم قبضتها منذ العام 2011 على جزء منها، أراد من خلال تأكيده مرة أخرى على أن وزارة الداخلية هي من مشمولاته، تخليص هذه الوزارة من سيطرة حركة النهضة بتواطؤ من رئيس الحكومة.

وشدّد على أنّ قيس سعيد “يريد إرساء أمن جمهوري بعيد عن تجاذبات واستغلال الأحزاب السياسية، وهو بصدد الضرب على أيادي العابثين بهذه المؤسسة الحساسة خاصة وأن الخناق اليوم يضيق شيئا فشيئا على حركة النهضة وشركائها المتهمين جميعا بالإرهاب والفساد”.

وتجد هذه القراءة صدى لها لدى العديد من الأحزاب والقوى التي لا تُخفي تأييدها للرئيس قيس سعيد، ومنها حركة الشعب (16 مقعدا برلمانيا)، التي اتهم أمينها العام زهير المغزاوي في تصريحات سابقة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بأنه يسعى بعد أن حول البرلمان إلى رهينة “لافتكاك وزارة الداخلية والهيمنة عليها”.

ولفت إلى أن ما تقوم به هذه الحركة الإسلامية منذ 10 سنوات “الهدف منه السيطرة على وزارة الداخلية والهيمنة على وزارة العدل بالتعيينات للتغطية على العمليات الإرهابية… غير أن الرئيس قيس سعيد قطع الطريق أمامها وأربك حساباتها”.

لكن ذلك لم يمنع من بروز مواقف أخرى يتم تداولها في قراءة للمقاربة السياسية لمثل هذا الزيارة بمشاهدها المختلفة، منها ما ذهب إليه المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي الذي أعرب عن اعتقاده بأن زيارة الرئيس إلى مقرّ وزارة الداخلية حملت في طياتها العديد من الإشارات من أهمها أن الصراع الذي وصفه بـ”العبثي” في أهم مؤسسات الدولة وأخطرها مازال متواصلا.

 وقال لـ”العرب” إن أهم الفاعلين في هذا الصراع هم الرؤساء الثلاثة، أي رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، الذين يسعون إلى توريط المؤسسة الأمنية والعسكرية في مجرياته، حيث تحول هذا السعي إلى مكون ثابت من مكونات تمشّي الرئيس قيس سعيد رغم خطورة ذلك على الأوضاع السياسية والاجتماعية الدقيقة والهشة.

واعتبر أن الرئيس قيس سعيد “لم يُحقّق خلال هذه الزيارة اختراقا سياسيا لافتا بالنظر إلى غياب وزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي، وعدد من أهم كوادر الوزارة، ما يعني أن قيس سعيد اكتفى بالجلوس مع من يعتبرهم قريبين منه سياسيا، وهذا في حد ذاته أمر لا يبعث على الارتياح”.

'