الرئيس السوداني يراهن على تقسيم الشارع للبقاء في السلطة – مصدر24

الرئيس السوداني يراهن على تقسيم الشارع للبقاء في السلطة

الرئيس السوداني يراهن على تقسيم الشارع للبقاء في السلطة

لعبة خطرة تكرّس انقسام السودانيين وتدفعهم لمواجهة بعضهم البعض.

التخويف من الفوضى وإلقاء التبعة على مؤامرة خارجية، من الوسائل التقليدية التي لجأ إليها النظام السوداني في مواجهة موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيله.. ما ليس تقليديا هو استقواء النظام ذاته بأنصاره في الشارع ضدّ معارضيه في لعبة تنطوي على كم هائل من المخاطر والمحاذير.

الخرطوم – تعهّد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الأربعاء، أمام حشد ضم الآلاف من أنصاره بالبقاء في السلطة، بينما كان محتجون، يتظاهرون على بعد بضعة كيلومترات مطالبين إياه بالتنحي.

وأمام موجة الاحتجاجات المتصاعدة ضدّ نظامه، وقلّة وسائله في مواجهتها بإجراءات سياسية واقتصادية حقيقية تخفّف من احتقان الشارع، لجأ البشير إلى لعبة الشارع التي وصفها متابعون للشأن السوداني بـ“الخطرة كونها تقسّم المجتمع إلى جزأين متضادين في بلد لا تنقصه الانقسامات والصراعات”.

وتحدّى البشير معارضيه بأن يهزموه في صندوق الانتخابات وألقى باللوم على قوى أجنبية لم يذكرها بالاسم في تأجيج الاحتجاجات شبه اليومية المستمرة منذ أسابيع بسبب نقص الخبز والعملة.

وقال البشير الذي استهلّ خطابه وختمه بالرقص على موسيقى شعبية وهو يلوّح بعصاه في الهواء “نحن نؤكّد أن تداول السلطة مرحب به، لكن بطريق واحد هو القرار.. قرار الشعب السوداني. قراركم أنتم من خلال صناديق الاقتراع”.

ومن المستبعد أن تؤدّي أي انتخابات تنظّم في السودان إلى تغيير في السلطة التي نشأت أصلا عن انتخابات يصفها السودانيون بالمزوّرة.

وانتشر المئات من رجال شرطة مكافحة الشغب والجنود وعناصر الأمن الذين حملوا رشاشات، في موقع التجمّع في الساحة الخضراء، وهي مساحة واسعة ومفتوحة في الخرطوم.

وكان رجال ونساء وأطفال يحملون لافتات مؤيدة للبشير وصلوا إلى مكان التظاهرة في حافلات منذ الصباح الباكر.

وهذا أول تجمّع يعقد في العاصمة السودانية تأييدا للبشير منذ اندلاع الاحتجاجات.

السودان بمثابة برميل بارود والفوضى التي يحذر منها النظام قد تكون وسيلته الأخيرة في حال عجز عن احتواء الاحتجاجات

وقال البشير لمناصريه “هذا الحشد يرسل رسالة للذين يظنون أن السودان سيلحق بالدول التي انهارت”. ومنذ اندلاع الاحتجاجات ركّز الخطاب الرسمي السوداني بشكل واضح على عامل التخويف من مصير الدول التي طالتها موجة ما يعرف بـ”الربيع العربي”، حيث يرد ذكر ليبيا وسوريا واليمن بشكل متواتر في ذلك الخطاب.

وبحسب مراقبين، فإن عملية سقوط النظام السوداني بشكل غير مرتّب، تنطوي بالفعل على مخاطر كبيرة، إذ أنّ البلد بانقساماته وانتشار السلاح فيه، ووجود قوات موازية للقوات المسلّحة كان نظام الخرطوم ذاته قد ساعد أو شجع على إنشائها، بمثابة برميل بارود في المنطقة.

ويقول معارضون لنظام البشير إنّ الفوضى قد تكون أصلا ضمن وسائل النظام في حال عجز عن احتواء موجة الاحتجاجات ضدّه.

وحذّر هؤلاء أن التمادي في استخدام الشارع من قبل الرئيس، على غرار ما حدث الأربعاء، قد يؤجّج موجة من العنف، لن يكون من السهل احتواؤها.

واستقبل الحشد وصول البشير بهتافات “الله أكبر”. ورافق الرئيس زوجته وعدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين.

وفور وصول البشير إلى موقع التجمّع، حصل تشويش على الهواتف النقالة، وانقطعت الإنترنت.

وفيما كان أنصار البشير يتجمّعون تحت حماية قوات الأمن، كانت القوات ذاتها تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفرقة مظاهرة في أم درمان مناهضة للبشير ورّدد المشاركون فيها شعار “حرية حرية.. سلمية ضد الحرامية”.

وذكر شهود عيان أن الشرطة طاردت المتظاهرين في الشوارع الجانبية التي أعادوا فيها تنظيم أنفسهم لاستئناف الاحتجاج. وأضاف الشهود أن المئات أغلقوا طريقا رئيسيا.

وبدأت الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الخبز ونقص العملة في 19 ديسمبر، في مدينة عطبرة بشمال البلاد وامتدت بعد ذلك وتحولت إلى احتجاجات ضد البشير.

وفاز البشير، وهو قائد سابق في الجيش أطاح بالحكومة المنتخبة في عام 1989 في انتخابات متعاقبة وصفها معارضوه بأنها لم تكن حرة ولا نزيهة.

واعتلى البشير، الأربعاء، مسرحا مفتوحا في الساحة الخضراء بالخرطوم وأبلغ أنصاره أن أعداء أجانب يحاولون كسر السودان.

وقال خلال التجمع الذي نظمه حزبه الحاكم “كان المسعى لكسر السودان وكانت الحرب والتمرد وحاربونا وغزونا وقصفونا حتى جوا داخل الخرطوم وحاصرونا اقتصاديا حتى يركعوا السودان ويريدون أن يذلونا بقليل من القمح ودولارات وبترول ونحن كرامتنا أغلى من الدولار”.

وتقول السلطات السودانية إن 19 شخصا على الأقل بينهم اثنان من أفراد الأمن، قتلوا في الاحتجاجات بينما تقول منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش إن العدد الحقيقي ضعف هذا الرقم.

وانزلق السودان إلى أزمة اقتصادية منذ استقل الجنوب بعد استفتاء في 2011 حاملا معه جزءا كبيرا من موارد البلاد النفطية.

وتفاقمت الأزمة منذ العام الماضي عندما شهدت البلاد بعض الاحتجاجات لفترة قصيرة على نقص الخبز.

ورفعت الولايات المتحدة عقوبات تجارية كانت مفروضة منذ عشرين عاما على السودان في أكتوبر 2017 لكن الكثير من المستثمرين يتجنبون البلد الذي لا يزال مدرجا على قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق البشير بتهم الإشراف على الإبادة الجماعية في دارفور وهي تهم ينفيها الرئيس السوداني.

ويقول مراقبون إنّ البقاء في السلطة هو الخيار الوحيد أمام البشير للاحتماء من المحاسبة داخليا والملاحقة دوليا، وهو ما يرجّح أن تكون معركته طويلة وشرسة ولا تستثني أيا من الوسائل وأكثرها تطرّفا.

'