الرئيس اللبناني: نرفض تحويلنا إلى مجتمعات أحادية الطابع ومتقاتلة – مصدر24

الرئيس اللبناني: نرفض تحويلنا إلى مجتمعات أحادية الطابع ومتقاتلة

الرئيس اللبناني: نرفض تحويلنا إلى مجتمعات أحادية الطابع ومتقاتلة

مؤتمر اتحاد منظمات الإغاثة الكاثوليكية يناقش دور الأنشطة الخيرية داخل البيئة التعددية وأهمية دور الحوار بين الحضارات والثقافات

ركز مؤتمر الخير في إطار بيئة متعدّدة الذي ينظمه المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاتحاد منظمات الإغاثة الكاثوليكية في لبنان على أن خطر التطرف يهدد تركيبة المجتمعات في دول المنطقة، والتي تتميز بتنوع كبير في الثقافات والأديان والطوائف، حيث تستغل القوى الأصولية هذه التعددية لبث التفرقة وتعميق الاختلاف، واستحداث وضع تنسف فيه كل مبادرات الانفتاح والحوار بين الحضارات والثقافات المختلفة والمتنوعة. وأوضح الرئيس اللبناني ميشال عون أن الأزمات التي عاشتها دول المنطقة كان هدفها الأساسي تحويل مجتمعات الشرق الأوسط إلى مجتمعات عنصرية تتقاتل في ما بينها.

بيروت – التأكيد على أهمية الحوار بين الحضارات والثقافات وضرورة التعايش السلمي بين الأديان والطوائف والمذاهب المختلفة، هو ما أكد عليه مؤتمر المكتب الإقليمي لاتحاد منظمات الإغاثة الكاثوليكية (كاريتاس) في الشرق الأوسط، الذي تحتضنه لبنان لمدة ثلاثة أيام، بدءا من الأربعاء.

يأتي تنظيم هذا المؤتمر الذي يركّز على الأعمال الخيرية في مجتمع متعدّد الأديان والثقافات في سياق اختلافات وصراعات تمزق دول المنطقة، اندلعت في جزء كبير منها لأسباب طائفية أو عقائدية أو هوياتية غذّتها المصالح السياسية. ويعدّ لبنان نموذجا للبلد الذي يحتضن مجتمعا متعدّد الانتماءات الطائفية والهويات.

شدّد الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمة ألقاها في افتتاح مؤتمر كاريتاس الأربعاء، على رفض بلاده تحويل مجتمعات المشرق إلى مجتمعات عنصرية أحادية الطابع متنافرة متقاتلة.

ورأى أن “كل الأحداث التي جرت خلال السنوات الماضية، من أهم أهدافها دون شك تحويل مجتمعات مشرقنا إلى مجتمعات عنصرية أحادية الطابع متنافرة متقاتلة”.

وأعلن أن “هذا ما يجب أن نرفضه ونقاومه بكل ما أوتينا من عزم وصلابة؛ فأرض المشرق لا يجب أن تفرغ من أهلها، ومهد المسيح ودرب الجلجلة والقبر المقدّس لا يمكن أن تكون من دون مسيحيين، كما لا يمكن للقدس وللمسجد الأقصى أن يكونا من دون المسلمين، فلا مياه تنساب إذا جفت ينابيعها”.

وأشار إلى أن “الخطر الأكبر الذي يواجه عالمنا اليوم ومنطقتنا بشكل خاص هو نزعة التطرف التي تغذي الإرهاب وتتغذّى بدورها منه، وخطورتها أنها عدوى فكرية، تنتقل وتنتشر بسرعة خصوصا مع وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلةً الجهل والفقر والتهميش لزرع أفكار ومعتقدات هدّامة وإيجاد بيئة حاضنة للإرهاب”.

يناقش المؤتمر، الذي تنظمه كاريتاس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دير سيدة الجبل بمنطقة كسروان اللبنانية، دور الجمعية الخيرية في قلب الكنيسة الكاثوليكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يحمل عنوان “خدمة الخير العام في إطار التعددية”.

تعزّز المؤتمر بمشاركة رئيس كاريتاس الدولية الكاردينال لويس أنطونيو تاغلي، وعميد الدائرة الفاتيكانية المعنية بخدمة التنمية البشرية المتكاملة الكاردينال بيتر توركسون، والأب قرياقوس شيروبوزاتوتاتيل ممثل عميد مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري، ورئيس كاريتاس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السيد كبريال حتّي، ومجموعة من البطاركة والأساقفة والكهنة، ووفود كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحشد من الشخصيات.

الحوار بين الثقافات والأديان هو الوسيلة الفضلى للقضاء على الإرهاب ولتحصين الأجيال الصاعدة ضد الأفكار المتطرفة وتنشئتها على احترام حرية المعتقد وحق الاختلاف

وكاريتاس هي اتحاد كونفدرالي لمنظمات الإغاثة الكاثوليكية يضم أكثر من 160 عضوا من جميع أنحاء العالم، ويتكون من مجموعات صغيرة من المتطوعين ومنظمات إنسانية تنشط في مجال دعم ومساندة الفقراء والمهمشين بغض النظر عن العرق أو الدين، “لبناء عالم يقوم على العدل والمحبة الأخوية”، وفق ما يؤكد تعريف الاتحاد على موقعه على شبكة الإنترنت. وتم تأسيس أول كاريتاس في ألمانيا في العام 1897، وبعد ذلك تم إطلاق مؤسسة “كاريتاس الدولية” في عام 1951.

أكد الرئيس عون خلال افتتاح مؤتمر كاريتاس إيمانه بأن الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان “الوسيلة الفضلى للقضاء على آفة الإرهاب، ولتحصين الأجيال الصاعدة ضد الأفكار المتطرفة، وتنشئتها على احترام حريّة المعتقد والرأي والتعبير وحقّ الاختلاف حتى تستعيد مجتمعاتنا الاستقرار والأمان”، مشيرا في هذا السياق إلى إطلاقه في منظمة الأمم المتحدة لمبادرة لإنشاء “أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار” ليكون من خلالها لبنان مركزا دائما للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق وتعزيز روح التعايش.

إنشاء هذه الأكاديمية يهدف وفق عون إلى “نشر ثقافة معرفة الآخر والتقريب بين الشعوب والثقافات والديانات ونبذ لغة العنف، وخصوصا بين الشباب فيسهل اندماجهم وتقبّلهم للآخر المختلف فلا يصبح عدوّا، لأن الإنسان بطبيعته عدو لما يجهل”.

واستحضر عون في كلمته قول مهندس الميثاق الوطني ميشال شيحا إن “من يحاول السيطرة على طائفة في لبنان إنما يحاول القضاء على لبنان”.

وأكد على أهمية التنوع الذي يمثّل ميزة للبنان حيث قال “هذا هو جوهر لبنان وهذه هي رسالته التي أدركها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني يوم قال عنه إنه “أكثر من وطن، إنه رسالة”، فلبنان، بمجتمعه التعدّدي وبما يختزن من خبرات أبنائه المنتشرين في كل بقاع الأرض، وبما يشكّل من عصارة حضارات وثقافات عاشها على مر العصور، مؤتمن على هذه الرسالة ولا يحق له أن يفرط بها أو أن يتجاهلها”.

مار بشارة بطرس الراعي: خدمة الخير العام تتأثر اليوم بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت

بدوره شدّد البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر “خدمة الخير العام في إطار بيئة تعددية” على ضرورة التضامن والتعاون داخل المجتمع متعدد الثقافات والأديان.

وقال الراعي “في البيئة التعددية حيث يتعايش أشخاص متنوعو الدين والعرق والثقافة، تقتضي خدمة الخير العام علاقات تضامن وتواصل وتعاون من أجل خدمة الإنسان في هذه الجماعات المتنوعة، وخدمة الخير العام”.

وتابع “هذه الجماعات مدعوة إلى تكوين نسيج موحد ومتناغم تستطيع فيه كل واحدة منها أن تحافظ على خصوصيتها واستقلاليتها، وفي الوقت عينه تساهم في حياة المجتمع والدولة من أجل توفير الخير العام الذي هو ضمانة خير الأشخاص والجماعات”.

وتحدث البطريرك الماروني بدوره عن خصوصية التنوع والتعددية في لبنان بقوله “نحن في لبنان نعيش في وطن تعددي، والتعددية فيه من صلب كيانه وتكوينه”، موضحا أن فيه جميع الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والجماعات البروتستانتية، وفيه الطوائف الإسلامية الأربع: السنية والشيعية والدرزية والعلوية، بحيث يأتي المجموع 18 طائفة.

وشدّد على أن ميزة لبنان هي تكوين الوحدة في التعددية بحكم الميثاق الوطني والدستور اللذين ينظمان مشاركة هذه الجماعات المسيحية والإسلامية مناصفة في حكم الدولة وإدارتها”.

السياقات السياسية والأمنية التي عاشتها منطقة الشرق الأوسط أفرزت وضعا خاصا عنوانه الأكبر الهجرة واللجوء، فالأزمة السورية دفعت بالكثيرين إلى الهروب من هول الحرب إلى لبنان المجاور، ومن قبلها لجأ الفلسطينيون إلى الأردن وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان العربية، بعد تهجيرهم من قبل إسرائيل.

عرّج الرئيس اللبناني على ملف المهاجرين فقال إن “النزف البشري الحاصل والهجرة القسرية لبعض المكوّنات، والمحاولات الحثيثة للتغيير الديموغرافي، مضافة إلى تهجيرات الحقبة الماضية وتقسيم فلسطين وتشريد أهلها، واستكمال الضغوط اليوم لتهجير من تبقّى منهم، ورفض حق عودتهم إلى بلادهم وتوطينهم في البلدان التي هُجّروا إليها، تؤسس كلها لمشرق جديد، غريب عن هويته الجامعة، وبعيد كل البعد عمّا يمتاز به من تنوّع ديني ومجتمعي وثقافي”.

ومن جانبه قال الراعي إن “خدمة الخير العام تتأثر اليوم بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت من جرّاء الأزمات السياسية المتلاحقة”.

وأشار البطريرك الماروني إلى أنه لا يجب أن ننسى التأثير الاقتصادي والاجتماعي والإنمائي والثقافي والأمني الذي أوجده المليون ونصف مليون نازح من سوريا، بالإضافة إلى نصف مليون لاجئ فلسطين، “وهو ما يشكّل نصف سكان لبنان، غير المهيئ لاستقبال مثل هذا العدد الكبير مقارنة بمساحته الصغيرة، مع الصعوبات التي يعيشها هذا البلد”.

'