الرقمنة سلاح الريفيات التونسيات في ترويج منتوجهن – مصدر24

الرقمنة سلاح الريفيات التونسيات في ترويج منتوجهن

حفزت الظروف التي مرت بها تونس خلال مجابهة وباء كورونا المؤسسات الحكومية على تكريس الرقمنة لتقريب الخدمات من مستحقيها وتسهيلها عليهم. وبالرغم من التعقيدات التي رافقت مشروع الرقمنة والمرتبطة أساسا بالقوانين، إلا أن وزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين انخرطت في هذا المشروع، مما مكن الريفيات من ترويج منتوجهن بطريقة يسيرة وجنبهن تلاعب الوسطاء.

يبلغ عدد النساء الريفيات في تونس حوالي 500 ألف امرأة، وهو ليس الرقم الدقيق لكنه الرقم المتداول في انتظار ما سيكشفه المسح الذي ستقوم به وزارة الزراعة عن عدد النساء في الوسط الريفي، والذي سيمكن من توفير بنك معطيات عن هذه الشريحة المجتمعية.

وتشتغل النساء الريفيات في تونس خصوصا في القطاع الفلاحي حيث أن 90 في المئة منهن هن من يجمعن الغلال والخضار، أي أنهن من يحققن الأمن الغذائي. وتشارك الريفيات بنسبة 65 في المئة من الناتج القومي الخام، و58 في المئة منهن معيلات لأسرهن. وقد تفوق ساعات عملهن في أحيان كثيرة 13 ساعة في اليوم الواحد، وهن أيضا يشتغلن في قطاع السجاد وصناعة الخزف وبعض الحرف اليدوية الأخرى التي تدر عليهم المال.

وتؤكد وزارة المرأة والأسرة وكبار السن أهمية العمل اللائق كضمانة لتمكين النساء في المناطق الريفية، لعل في مقدمة ذلك المحاور التي عملت على تبنيها في “الاستراتيجية الوطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في الوسط الريفي” وهي التمكين الاقتصادي، والتمكين الاجتماعي، والمشاركة في الحياة العامة، وتحسين جودة الحياة عبر تطوير الخدمات.

والتزمت الوزارة في هذا الخصوص بمواصلة تنفيذ برامجها المضمنة بالاستراتيجية المذكورة وغيرها لتيسير نفاذ النساء والفتيات في الوسط الريفي للخدمات وتقريبها منهن وتمكينهن اجتماعيا واقتصاديا من خلال وضع الآليات الكفيلة بتشجيعهن على الانتقال من القطاع غير المهيكل إلى القطاع المهيكل خاصة عبر إحداث مجامع التنمية الفلاحية النسائية حسب مبادئ الاقتصاد التضامني والاجتماعي. كما عملت الوزارة على تمكين النساء الريفيات من الولوج إلى عالم الرقمنة مما ساعدهن على ترويج منتوجهن بسهولة وجنبهن في الوقت ذاته تلاعب الوسطاء.

وقالت آمال بن علي كاهية مدير التمكين الاقتصادي والاجتماعي بإدارة شؤون المرأة إن مشكلة التسويق طرحت بشدة خلال جائحة كورونا وهو ما حدا بالوزارة إلى التفكير في التسويق الإلكتروني الذي يسهل على المرأة الريفية التعريف بمنتوجها ويجنبها مشاكل مسالك التوزيع وتلاعب الوسطاء.

وأضافت لـ”العرب” أن الوزارة عقدت اتفاقية شراكة مع واحد من مشغلي الاتصالات في تونس من أجل مساعدة النساء الريفيات على استغلال الرقمنة في تسهيل عملهن والتعرف على منصات العروض والتعريف بمنتوجهن، مشيرة إلى أن تلك التقنية مكنتهن من محو الأمية الرقمية وجنبتهن تلاعب الوسطاء الذين يعرضون عليهم في العادة سعرا أقل بكثير مما تساويه بضاعتهن، فيقبلن به نظرا لأنهن لا يستطعن في الأصل تحديد قيمة البضاعة ويستثنين كلفة اليد العاملة من كلفة البضاعة.

النساء الريفيات يمكنهن أن ينخرطن في منظومة الضمان الاجتماعي ويتمتعن بظروف عمل لائقة بواسطة الرقمنة

وأشارت بن علي إلى أن التوجه العالمي نحو الرقمنة واعتماد الوسائل التكنولوجية في البيع والشراء يفرضان عليهم توسيع دائرة الشراكة لتشمل خريجات الجامعات اللاتي سيتم تعيينهن لاحقا على رأس الجامعات الريفية، وهكذا ينضممن إلى قائمة النساء الريفيات وتصبح الشريحة المستهدفة أوسع.

وأكدت أنه بواسطة التمكن من تقنية الرقمنة يمكن للريفيات أن ينخرطن في منظومة الضمان الاجتماعي ويتمتعن بظروف عمل لائقة، ويحسنّ من دخلهن.

وتشير البيانات إلى أن 33.3 في المئة فقط من النساء الريفيات منخرطات في منظومة الضمان الاجتماعي وهي نسبة ضئيلة جدا مقارنة بعدد الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي الذي يعتبر إحدى ركائز الاقتصاد التونسي، وفق ما يؤكده الخبراء.

وقالت بن علي إن وزارة المرأة تعمل بالتعاون مع الأطراف المعنيّة من هياكل عمومية ومنظمات وطنية ومكونات المجتمع المدني للنهوض بواقع النساء في الوسط الريفي من خلال الحرص على تأمين العمل اللائق وتوفير نقل آمن وتغطية اجتماعية وضمان الصحة والسلامة المهنية للنساء العاملات في الحقول وتيسير نفاذهن للخدمات الصحية والإدارية.

كما تعمل الوزارة على استكمال تنفيذ عناصر الاستراتيجية الوطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في المناطق الريفية، والتي تجسّدت في إحداث جملة من المشاريع والبرامج لتنمية المبادرة الاقتصادية للمرأة في المناطق الريفية، من ذلك المشاريع التي تراعي سلسلة القيمة في الريف كتمويل 41 مشروعا لتربية الأغنام بمنطقة في محافظة توزر جنوب البلاد، وتمكين 40 امرأة بمنطقة في محافظة القصرين من إحداث مشاريع في تربية النحل.

من جهتها اعتبرت إيمان الزهواني هويمل وزيرة المرأة أن صدور قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني سيمكّن الوزارة من تكثيف جهودها بالتعاون مع وزارة الزراعة لتأطير النساء في المناطق الريفية ومرافقتهن لبعث مجامع تنمية فلاحية، مبيّنة أنّه تمّ الشروع في تكوين 35 امرأة وفتاة في محافظة سيدي بوزيد في اختصاصات التجفيف والتعليب والتعقيم واللف.

الحرف تمكن الريفيات من دخل محترم
الحرف تمكن الريفيات من دخل محترم

وتقدم الدولة التونسية اليوم 205 خدمات إلكترونية للمواطنين بمستويات متفاوتة، ويؤكد وزراء تكنولوجيات الاتصال في الحكومات المتعاقبة ضرورة أن تكون رقمنة الإدارة خاضعة لتمش يساهم في تغيير نظرة المجتمع إلى الإدارة، وضرورة تطوير المنظومات الإلكترونية السابقة على غرار منظومة “إنصاف” التي تتصرف في المعطيات الخاصة بالأعوان العموميين التابعين للدولة.

ويمكن للرقمنة أن تجنب الريفيات حوادث الطرقات التي يتعرضن لها خصوصا إذا ركبن ما يسمى في تونس بـ”شاحنات الموت”. وتجتاز الريفيات مسافات طويلة تصل إلى 20 كلم في بعض الأحيان للوصول إلى موقع العمل، عبر شاحنات أو جرارات فلاحية، تنقلهن دون حماية من حوادث الطريق.

كما تشير البيانات إلى أنّ 10.3 في المئة من العاملات في الأرياف هنّ ضحايا حوادث الشغل، منهن 21.4 في المئة معرضات لمخاطر حوادث العمل، و62.2 في المئة يعملن في ظروف صعبة، و18 في المئة يعملن في ظروف صعبة جدا.

ويمكن للاقتصاد الرقمي أن يخلق وظائف جديدة ومتطورة، خصوصا من خلال شركات المنصات. وقد بين تقرير تم إنجازه في العام 2019 عن التنمية في العالم بعنوان “الطبيعة المتغيرة للعمل” قدرة المنصات على تمكين الأشخاص والشركات من تحويل رأس المال المعطل إلى رأس مال نشط.

كما تساعد التطبيقات على تسهيل خدمات الأفراد في مختلف بلدان العالم. ويوفر تطبيق كريم وهو التطبيق رقم 1 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خدمات نقل الركاب، وهو وسيلة للأفراد للإعلان عن وقت فراغهم ومتى يمكنهم تأجير سياراتهم سواء كانت سيارة فاخرة أو دراجة نارية أو وسيلة نقل عادية لتحقيق دخل. وتمكن مواقع العمل الحر مثل آب وورك مبرمجي الكمبيوتر العاطلين عن العمل وغيرهم من أصحاب المهارات العالية من العثور على العمل عبر الإنترنت مع الشركات في الخارج. ويحدد العاملون الساعات التي يمكنهم العمل فيها مما يساعد المزيد من النساء على العمل.

وتنمو شركات المنصات بسرعة في الكثير من المناطق حول العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن ذلك موقع “جملون” وهو موقع لبيع الكتب على الإنترنت بالأردن، و”تاتوراما” بمصر. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لضمان تحقيق الاقتصاد الرقمي كامل إمكاناته.

'