السلام وحل الدولتين.. هل هذا ممكن – مصدر24

السلام وحل الدولتين.. هل هذا ممكن

دق الرئيس الفلسطيني محمود عباس من خلال خطابه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة المسمار الأخير في نعش اتفاقية أوسلو، والتي كانت بمثابة فخ نصبته إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية ولمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، والذي أجهض لمرات عديدة، بعد أن أثبت نهج كل الحكومات المتعاقبة داخل الدولة العبرية على مضي 3 عقود، أن أصحاب القرار في دولة الاحتلال يسيرون عكس التيار الذي رسمته خارطة طريق أوسلو1 و2 في سبيل اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وإن صح القول يمكن وصف الاتفاق بمجرد عبث أميركي بأكثر الصراعات المعقدة في التاريخ الحديث. إذ أفرز الاتفاق نتائج تصب في مصلحة إسرائيل فقط، كما كبل منظمة التحرير بمجموعة من الالتزامات جعلتها تتكبد النكسة تلو الأخرى، في حين أن الطرف الإسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمراء ولم يكن ملزما بتحقيق بند واحد من الالتزامات التي تفضي إلى حل الدولتين.

وبعد أن غابت الحلول طيلة 29 سنة وانهارت كل الجهود لإحياء عمليات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتوالت الحروب وجميع أشكال التصعيد، خرج يائير لابيد كأول رئيس وزراء إسرائيلي ليتحدث عن حل الدولتين مجددا، معتبرا أن ذلك هو الشيء الصحيح لأمن إسرائيل ولاقتصادها ومستقبل أبنائها، ومؤكدا أن الشرط الوحيد هو قيام دولة سلمية لا تهدد أمن دولة إسرائيل.

 الحديث عن حل الدولتين في ظل الأوضاع الراهنة مجرد كلام فارغ لا يمكنه أن يتجسد على أرض الواقع، ما دامت إسرائيل في الأساس تعمل عكس ذلك

ولكن حديث لابيد عن هذا الحل أتى فارغا في محتواه ولم يقدم أية خطوات فعلية في هذا السياق، ولم يتوجه إلى السلطة الفلسطينية بأية دعوة للجلوس إلى طاولة المفاوضات مجددا، ولم يتكلم عن تصور إسرائيل لحل الدولتين في ظل وجود انقسام داخل البيت الفلسطيني نفسه، أو إعادة تفعيل اتفاقية أوسلو التي اخترقتها إسرائيل بالشكل الذي قضى تماما على اتفاق السلام وحل الدولتين.

كل هذا يؤكد أن يائير لابيد استغل منبر الأمم المتحدة ليغازل الإدارة الأميركية ويعزف على إيقاعات جو بايدن الذي يتبنى نفس الحل، وهو على مقربة من معركة انتخابية ضد أحد أشد المعارضين لحل الدولتين، وهنا أقصد بنيامين نتنياهو. كما أن وضعه الحالي كرئيس وزراء مؤقت في حكومة انتقالية بقي لها من الزمن أقل من شهرين، يؤكد أن كلام الرجل عبارة عن دعاية انتخابية موجهة ضد خصمه أكثر من كونها موجهة للفلسطينيين أساسا. وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التعقيب على كلام لابيد بتقديم دلائل على أن إسرائيل تسير عكس ما ينوي لابيد أن يوهم به المجتمع الدولي، ولم تبق للفلسطينيين أي فرصة لإقامة دولتهم بعد أن التهم الاستيطان المزيد من الأراضي قبل وبعد اتفاق أوسلو وضاعف من عدد المستوطنين 5 مرات حسب الإحصائيات الرسمية، كما تغاضى عن إقامة العشرات من البؤر الاستيطانية في الضفة، وهو دليل واضح على أن الحكومات المتعاقبة، بما فيها حكومة لابيد التي أعطت رخصا لمستوطنات رعوية في المنطقة (ج)، قد أفرغت اتفاق أوسلو من محتواه وجعلت الحديث عن قيام دولة فلسطينية ضحكا على الذقون.

وعلى فرض أن إسرائيل قد تفكر يوما في تبني حل الدولتين، فهل ستسمح لدولة فلسطين بتسليح عناصرها الأمنية بعيدا عن أعينها؟ وهل ستفك الارتباط ببروتوكول باريس فيما يخص التجارة والنظام المصرفي والجمركة؟ وهل ستسمح للفلسطينيين بإدارة مطاراتهم من دون أن يكون لها هاجس أمني؟ وهل سيتم تطبيق قرار مجلس الأمن 242 وتسليم القدس الشرقية للفلسطينيين لإقامة عاصمتهم عليها؟ وهل سيكون هنالك تواصل بري بين الضفة وغزة مرورا بإسرائيل؟ وماذا عن المكون العربي من ذوي الأصول الفلسطينية في دولة إسرائيل؟ هل سيتم إسقاط الجنسية الإسرائيلية عنهم، أم سيترك لهم الخيار في اختيار انتمائهم وجنسيتهم؟

 حديث لابيد عن هذا الحل أتى فارغا في محتواه ولم يقدم أية خطوات فعلية في هذا السياق، ولم يتوجه إلى السلطة الفلسطينية بأية دعوة للجلوس إلى طاولة المفاوضات مجددا

لا أظن أن إسرائيل قد تفكر بحلول ترضي الفلسطينيين على حساب أمنها القومي، ولا يمكن الوصول إلى حل دولتين دون أن تقدم إسرائيل جميع الخصائص التي تقوم عليها دولة مستقلة وذات سيادة غير كاملة، وإلا فإن مشروع الدولة سيسقط وسيصبح الحديث عن “كانتونة” على شاكلة كانتونات سويسرا، تخضع لحكم ذاتي محدود على مقاس إسرائيل، وهو ما يعوض حل الدولة الواحدة الذي لا ترى إسرائيل غيره بديلا في حقيقة الأمر.

إن الحديث عن حل الدولتين في ظل الأوضاع الراهنة مجرد كلام فارغ لا يمكنه أن يتجسد على أرض الواقع، ما دامت إسرائيل في الأساس تعمل عكس ذلك، وتثبت أنها ماضية في خططها الاستيطانية وفي تغيير التركيبة السكانية للقدس. كما أن القدس هي بيت القصيد، إذ لا يمكن أن تتشارك دولتان في عاصمة واحدة تتخللها جدران إسمنتية فاصلة أُنشئت لتعزيز أمن إسرائيل وتكريس سياسة فصل عنصري بأبعاد دينية.

ولا ننسى أيضا أن البيت الفلسطيني مقسم ويحكم بحكومتين، حيث ترى حكومة غزة أنه لا يمكن الاعتراف بإسرائيل وتؤمن بفكرة تحرير كل شبر من فلسطين. من هنا ندرك أن أطروحة لابيد بعيدة كل البعد عن الواقعية، بل إن صاحبها يقطن بيتا يعود إلى عائلة فلسطينية من أيام نكبة 48.

'