السودان أمام اختبار صعب لتضمين السلام بالوثيقة الدستورية – مصدر24

السودان أمام اختبار صعب لتضمين السلام بالوثيقة الدستورية

الخرطوم – يقف السودان على أعتاب مرحلة جديدة أكثر تعقيدا من سابقتها، وتواجه التحركات السياسية والقانونية لتعديل الوثيقة الدستورية وإدخال اتفاق السلام المبرم بين الخرطوم والجبهة الثورية ضمن بنودها، باعتراضات من قوى حزبية تنادي بتشكيل المجلس التشريعي أولا باعتباره الجهة المنوط بها تعديل الوثيقة.

وتسعى السلطة الانتقالية إلى الالتزام بالتوقيتات التي أقرها اتفاق السلام، وتتضمن تعديل الوثيقة الحاكمة لفترة الانتقال خلال 10 أيام من لحظة التوقيع، في الثالث من أكتوبر الماضي، وكان من المفترض صدور قرار بالتعديل وتنفيذه بدءا من الأربعاء.

وكشفت الاجتماعات التي يعقدها تحالف قوى الحرية والتغيير حاليا، عن تباين في الآراء بشأن تعديل الوثيقة، واتفق الحزب الشيوعي وحزب الأمة القومي على معارضة الخطوة، فيما أبدى حزب المؤتمر السوداني موافقته على التعديل، وسط توقعات بعقد اجتماع موسّع بين قوى الحرية ومجلسي الوزراء والسيادة لتمرير التعديلات لحل التناقضات التي تعتمل على الساحة.

حاتم إلياس: هناك حالة من الشلل السياسي بسبب الأزمات المتراكمة

وقالت مصادر سودانية لـ”العرب”، إن هناك توافقا مبدئيا بين مجلسي السيادة والوزراء على تعديل الوثيقة وإصدار قرارات بحل المجلسين قريبا، وتدور نقاشات بشأن آلية تمديد المرحلة الانتقالية، وتقسيم المدة الزمنية القادمة بين المكوّنين المدني والعسكري.

ويعدّ تعديل الوثيقة الدستورية أولى خطوات إنزال السلام على أرض الواقع، ويبرهن حجم الخلاف على التنفيذ أن باقي بنود الاتفاق سوف تجد صعوبات في ظل غياب التوافق بين المكونات السياسية، وسيطرة الرغبة في حصد أكبر قدر من المكاسب على بعض القوى، وظهور توازنات مختلفة عما تشكلت عليه التركيبة السابقة.

ويقول مراقبون، إن القوى المدنية تسعى إلى ضمان استمرار نفوذها في المرحلة الانتقالية الثانية مع صعود متنامٍ للحركات المسلحة، لأن الوثيقة الدستورية جرى اختراقها مرات عديدة في السابق، وكان من المقرر تشكيل المجلس التشريعي خلال 90 يوما، لكن جرى الإرجاء حتى الآن، واستغرق التوقيع على اتفاق السلام نحو عام بدلا من ستة أشهر.

ووجهت قوى مدنية رسالة ضمنية قوية إلى الجبهة الثورية، بأنه ليس من المقبول إزاحة الأولى عن المشهد، وأن الوصول إلى تفاهمات مشتركة هو الطريق الذي يضمن تنفيذ اتفاق السلام بسلاسة.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، أبوالقاسم إبراهيم آدم، أن التحالفات الأخيرة التي ظهرت للعلن بين أحزاب مدنية وحركات مسلحة، تستهدف إحداث توازن خلال فترة ما بعد اتفاق السلام، وأرادت الأحزاب الإيحاء بأن لديها ظهيرا عسكريا تستند عليه، بينما تسعى الحركات للتأكيد على امتلاكها أجنحة سياسية ذات شعبية.

وأضاف لـ”العرب” أن التطورات السياسية الحالية تكتيكية، والتقارب بين قوى في أقصى اليمين مع أخرى في أقصى اليسار لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، ويقود استمراره إلى استقطابات تعيد إلى الأذهان مراحل شهد فيها السودان صراعات حادة.

ولفت متابعون النظر إلى أن الفترة المقبلة قد تتطوّر فيها علاقة الحركات المسلحة مع المكون العسكري في السلطة الانتقالية، وينتقل التوافق السياسي الذي حدث بين الطرفين خلال مفاوضات جوبا إلى الخرطوم، لأن الجانب القبلي مازال مهيمنا على موازين القوى في الهامش، ما يفرض انسجاما بينهما لتنفيذ بنود السلام.

وتوقع رئيس وفد مقدمة الجبهة الثورية السودانية، ياسر عرمان في تصريحات صحافية، الأربعاء، إدخال تعديلات على الوثيقة لإدراج اتفاق السلام خلال الساعات المقبلة، وأشار إلى أن التعديلات يعقبها إصدار مراسيم لجعل بنود اتفاق السلام سارية.

وتتمنّى قيادات كبيرة في الجبهة الثورية تجاوز هذه العقبة، ليتسنى الشروع في المهام التنفيذية، وتكشف إلى أي درجة تستوعب القوى السودانية التحديات التي تمر بها البلاد.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية في مركز الدراسات الدولية بالخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم، أن القوى المدنية تنظر للتحركات الراهنة بالمزيد من الريبة والقلق، لأنها تسعى إلى تأمين حضورها السياسي لحين وصولها إلى رأس السلطة بنص الوثيقة الدستورية، وتخشى أي تعديل يحوّلها إلى طرف مهمّش، وترمي من وراء تحفظها على التعديل حاليا الضغط على الفصائل المسلحة والمكون العسكري معا.

حاتم إلياس: هناك حالة من الشلل السياسي بسبب الأزمات المتراكمة
حاتم إلياس: هناك حالة من الشلل السياسي بسبب الأزمات المتراكمة

وأشار لـ”العرب”، إلى أن وجود الحركات المسلحة داخل مجلس السيادة وعلى مستوى الحكومة التنفيذية يسهم في تقليص أدوار المكون المدني، الذي يعاني من انخفاض شعبيته جراء تصاعد حدة المشكلات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وربما يكون الضغط السياسي بديلا مناسبا لأحزاب الثورة للحفاظ على ما تحقق من مكاسب بعد أن فقدت جزءا كبيرا من الظهير الشعبي الذي عوّلت عليه في السابق.

وذهب البعض من المراقبين، إلى أن السودان يواجه مشكلة قانونية ودستورية ترتبط بعدم وضوح رؤية اختصاصات مجلسي السيادة والوزراء بدقة، وأن هناك تداخلا واضحا في السلطات من نتائجه وجود تصورات خارجية متضاربة، أثرت في قدرة السودان على اتخاذ بعض القرارات الحاسمة.

وتشكل هذه المسألة خطورة كبيرة على الأوضاع الداخلية، مع انعدام الثقة بين مكونات المرحلة الانتقالية وتباين أجنداتها، والتباعد في التقديرات السياسية.

وطغت الخلافات على إعادة تشكيل هياكل الحكم الانتقالي، الذي قد يستغرق فترة طويلة تصل إلى شهر أو أكثر، لأن قوى الحرية والتغيير تحاول أن تحافظ على نسبة الـ67 في المئة المخصصة لها بالمجلس التشريعي، مع غموض الموقف بشأن توزيع حصة الجبهة الثورية التي منحها اتفاق السلام ربع مقاعد المجلس، أي 70 مقعدا من إجمالي 300 مقعد.

واعتبر المحامي والناشط الحقوقي، حاتم إلياس، أن الغموض سوف يظل مهيمنا على الفترة الانتقالية، فهناك حالة من الشلل السياسي بسبب الأزمات المتراكمة وغير المسبوقة، ترتب عليها شحّ كبير في المواد البترولية وخبز الطعام يصل إلى حد الانعدام تقريبا، ولا تنفصل هذه المشكلات عن خوض السودان لحرب اقتصادية شرسة تستهدف محاصرة الشق المدني وتحميله مسؤولية تراكم المشكلات.

وحذر إلياس في تصريح لـ”العرب”، من أن السودان يواجه خيارين كلاهما مر، إما أن تستمر حالة الاستقطاب الراهنة، وتجد السلطة الانتقالية نفسها غير قادرة على مجابهة كل هذه المشكلات، وإما تنفجر الأوضاع، ما يشكل ردة فعل على الثورة، ربما تؤدي إلى استئثار المكون العسكري بالسلطة، وإجهاض تجربة مدنية ديمقراطية واعدة.

'