السوري خالد تكريتي يحتفي بمرور ربع قرن على سوداويته الضاحكة – مصدر24

السوري خالد تكريتي يحتفي بمرور ربع قرن على سوداويته الضاحكة

الفنان التشكيلي السوري خالد تكريتي، “طائر فصول السيرة الذاتية”، كما نوّد أن نسميه، لا يبدو أنه تخلى عن منطقه الفنيّ الجامح الذي يملي عليه سنة بعد سنة، معرضا تلو معرض، التحوّل في التقنية وأسلوب التعبير الفني. وهو اليوم، عبر حديث معه، يتحدّث عن معرضين جديدين الأول عن لوحات رسمها خلال الحجر الصحي في صالة “لو مون” الباريسية التي تمثله، والثاني عن مرور 25 سنة على سيرته الفنية.

الفنان التشكيلي السوري خالد تكريتي، الذي تمتلك العديد من المتاحف العالمية عددا من لوحاته، عاهد نفسه، ومنذ عدة أعوام، أن يقدّم معرضا فنيا جديدا بشكل سنوي يستعرض فيه فصلا من فصول أفكاره وذكرياته بتبدّل في الأسلوب المُعتمد وأحيانا في التقنية والمواد المُستخدمة.

وقد عوّد الرسام جمهوره الفني على أن يرى خالد وأسلوبه الخاص حتى وهو في خضم التحولات الفنية المرتبطة ارتباطا وثيقا بشخصيته المُحبة للاستكشاف ولتناول صفحات وتفاصيل من ذاكرته الشخصية ومن ظواهر العالم المعاصر السريع في تحوّلاته.

احتفاء ذاتي

تنويعات جمالية تسرد فصولا من السيرة الذاتية للفنان
تنويعات جمالية تسرد فصولا من السيرة الذاتية للفنان

خالد تكريتي لم تكن حياته إلى اليوم تختلف عن منطق تحليقه فوق بقاع مختلفة من الذاكرة ومن الحاضر الشخصي والعالمي على السواء، فهو سوري الجنسية، مولود في بيروت، التي عاش فيها حتى اندلاع الحرب اللبنانية، مُنتقلا لاحقا إلى مصر وإلى الولايات المتحدة وصولا إلى باريس، التي كان دائم الزيارة لها، ومُستقرا فيها منذ سنوات عديدة وقد حصل على الجنسية الفرنسية، ليبني لنفسه ولمحبي فنه عالما فنيا لا يظهر فيه اللون، فقط، في اختلاف وتعدّد استخدامه بكل درجاته، وصولا إلى الأكثر تفجّرا والأعمق سكونا ودرامية.

ولكن يظهر في كونه صفة فكرية عامة لا تستقر على حال (لأن التغيير هو متلازمة الحياة الأرضية) وتختصر تقلبات وتحوّلات الفنان ونظرته إلى العالم وإلى تفاصيل الحياة.

لا يخفى على أحد أن للفنان تأثيرا كبيرا على أعمال فنانين كثر، معاصرين ومخضرمين، إن من حيث الجرأة في تبني وتبديل الأساليب المستخدمة أو لناحية المواضيع الدائمة التنوّع التي تطرّق لها تكريتي والتي حملت أبعادا درامية أحيانا، وفكاهية لاذعة أحيانا أخرى تناول في بعضها ذاته، كما تلك في تلك اللوحة التي يظهر فيها وقد تحوّل إلى شبه دراجة هوائية.

ويحتفي الفنان بذكرى مرور 25 سنة على ولادة سيرته الفنية، ليكون هنا أيضا مُبتكرا لفكرة الاحتفاء الذاتي بسيرة فنية مُستمرة من الفن التشكيلي لم تكن دوما سهلة.

الرسام تعود أن يقدم في كل عام معرضا جديدا يستعرض فيه أفكاره وذكرياته بتبدل في الأسلوب والتقنية والمواد المُستخدمة

ويفكّر الفنان، إن سمح الوضع الصحي العالمي، أن يقيم معرضا في غاليري “لو مون” الباريسي الذي يمثله أفضل تمثيل، يحتفل بمرور 25 سنة على سيرة فنية مازالت في أوج تحوّلاتها وليست استعراضا أرشيفيا لا يخلو من الكآبة كما جرت العادة في المعارض الاستعادية.

ويقول الفنان حول ذلك “يقول الكثيرون إن السنين تمرّ بسرعة، ولكن في الحقيقة هذه الـ25 سنة لم تمرّ عليّ بسرعة، لأنني كنت مُلتزما أمام نفسي أن أقدّم خلالها 25 معرضا سنويا و25 فكرة فنية”.

ويواصل “العمل المتواصل خلال هذه السنوات ومن ضمنه البحث عن موضوع جديد يعني لي، هو ما يجعل الحياة تتمتّع بصحة التجدّد وفرح المواكبة للتبدلات الذاتية والعامة على السواء. وقد راكمت الخبرات والدراسات من أجل تطوير وتعميق نصي الفني. ومن الدراسات أذكر دراسة الحفر والتصوير، ومؤخرا الرسوم المتحركة وغيرها”.

ويذكر الفنان في سياق حديثنا معه أن عمله الجديد بدأ بإنجازه خلال فترة الحجر الصحي مع ازدياد ساعات العمل الفني المنزلي والتفرّغ له فقط. وجاءت الأعمال مُختلفة باختلاف ظروف الإنجاز.

تنويعات لا تنتهي

ليس من الغريب على تكريتي إضافة إلى انغماسه في فنه من أن يأخذ خطوة خارج عالمه هذا ليقيّم ويؤطّر إنجازاته الجديدة في تلك المرحلة الخاصة من الحياة الإنسانية، ويخبرنا الفنان بهذه الكلمات “هناك مجموعتان من الأعمال: الأولى تضمّ مجموعة لوحات رسمت فيها الأزهار والنباتات الموجودة على شرفتي وكوّنت منها معرضا افتراضيا لاقى ترحيبا كبيرا. بالرغم من أنني شعرت بأنها لوحات تناولت مواضيع تقليدية، لكنني أنجزتها بأسلوبي الخاص، لأنني أؤمن بأن الفنان عليه أن يكون شاهدا على عصره”.

ويسترسل “ثم جاءت المرحلة الثانية التي نتجت عن إعادة إقفال جديد للبلد رسمت فيها لوحات صغيرة الحجم كنت أنجز كل يوم واحدة منها. واستمررت على ذلك المنوال حتى رأيت أن تلك اللوحات إن تجاورت بشكل مناسب قادرة على أن تشكل لوحة واحدة. وهذا ما جرى تماما. فعلى سبيل المثال، النتيجة كانت مجموعة من اللوحات شكّلت لوحة واحدة مبنية على ثيمة الذاكرة. ولوحة أخرى مركّبة من عدة لوحات باسم ‘مزاج بيروت’ عن ذكرياتي في بيروت”.

ويجدر الذكر أن مجموعة جديدة من أعمال تكريتي أطلق عليها “تبعثر زمني”، ليست فقط نتفا مُستقاة من الذاكرة الشخصية، ولكنها عن الذاكرة وعن آلية استرجاع الذكريات مُحرّفة أو غير صحيحة من ناحية السياق الزمني والمكاني.

أما المجموعة الثالثة من أعماله الجديدة فأطلق عليها عنوان “شرق/ غرب”، وهي عبارة عن إحالات اختبرها الفنان أمام مشاهد في الغرب أعادته في الذاكرة إلى مشاهد رآها في الشرق.

وإضافة إلى رغبته في إقامة معرض يحتفي بـ25 سنة من اشتغاله الفني، يتطلع الفنان مع القيمين على صالة “لو مون” إلى عودة الحياة إلى طبيعتها وإلى إقامة معرض الأزهار بنسخته الواقعية، بعد أن قدّمته الصالة افتراضيا خلال فترة الحجر، أو ربما تقديم مجموعة “شرق/ غرب”، ولا يزال الأمر قيد التداول بين الفنان وممثل الصالة.

وفي عملية بحثه الطويل وتجديده المتواصل وجرأته في طرح مواضيع شائكة بأساليب معاصرة أُطلقت على تكريتي صفة “قائد المدرسة المعاصرة في الفن السوري والعربي” في كتاب فرنسي بعنوان “الأبواب المفتوحة”، وسعد الفنان بهذا اللقب الذي تبنّاه عدد من الكتاب في مجال الفنون وأعطاه دفعا جديدا، وإن لم يكن بحاجة إليه، فهو يفتخر بمنجزه كثيرا ويتمنى أن يحافظ عليه ويطوّره أكثر فأكثر.

'