السوري كمال سكيكر: الموسيقى العربية تنحاز إلى الغنائي على حساب التأليف الآلي – مصدر24

السوري كمال سكيكر: الموسيقى العربية تنحاز إلى الغنائي على حساب التأليف الآلي

رغم التدهور الكبير الحاصل في الغناء والموسيقى العربية، إلا أن الجمهور العربي لا يتخلى عن سماع الأعمال الموسيقية الكلاسيكية، مشجعا بعض المبدعين الذين يعملون لإيجاد مؤلفات موسيقية وغنائية تحافظ على مميزات الموسيقى العربية الشرقية وتتناغم معها، لكنها تواكب أيضا روح العصر. ومن هؤلاء كمال سكيكر المؤلف الموسيقي السوري الذي يؤلف موسيقى عربية أصيلة بقالب عصري.

في حفل موسيقي انتظم في الخامس والعشرين من أغسطس الماضي في أوبرا دمشق “دار الأسد للثقافة والفنون” قدمت أوركسترا “قصيد” بقيادة المايسترو كمال سكيكر بمشاركة عازف الأكورديون الشهير وسام الشاعر ونانسي زعبلاوي وريان جريرة وروان مقلد في الغناء، عرضا موسيقيا تضمن مجموعة من المؤلفات التي قدمت الأصيل والجديد.

قدمت في الحفل مجموعة من المؤلفات الموسيقية والغنائية، كانت كلها حديثة ومن تأليف كمال سكيكر. في بداية الحفل قدم سكيكر مقطوعة حملت عنوان “أسوار دمشق” كما قدم برفقة العازف وسام الشاعر مؤلفا موسيقيا للأكورديون بعنوان “ليلة مقمرة”، وثالث الأعمال في الموسيقى الآلية كان “شوق” في قالب السماعي الذي قدم بتوزيع أوركسترالي.

في الغناء قدمت الشابة روان مقلد أغنية “مين غيرك” للشاعر يوسف أبويحيى تحكي عن الأم، كما قدم ريان جريرة قصيدة ألفها الجزائري بيال مراد بعنوان “أحبكٍ”، وتفردت نانسي زعبلاوي بتقديم عدد من الأغنيات “بغير عليك” و “يلي حقيقي” و”ندم” من تأليف المصري هداية مدني و”لا تقلي ولا قلك” من تأليف السورية نرجس عمران.

من المعروف أن الموسيقى العربية مرتبطة بشكل عضوي بالغناء، فهي تابعة له مرتبطة بوجوده، وقليلة هي المحاولات التي قدمت في مجال الموسيقى الآلية البحتة حتى عند أهم من قدموا أغاني في التراث الغنائي والموسيقي العربي. ولم تتطور القوالب الموسيقية العربية التقليدية مثل السماعي والبشرف واللونغا والتحميل وغيرها إلا بالقليل، بل على العكس، ابتعد المؤلفون الموسيقيون العرب على التأليف فيها حديثا، ومعظم ما يقدم منها في الحفلات هو استعادة لتأليف قديم. على أن وجود بعض المؤلفين الموسيقيين من الشباب، الذين تمكنوا من الدراسة الأكاديمية العالية، وحملوا شغفا بتقديم موسيقى عربية أصيلة بروح عصرية تواكب لغة التطور العلمي والابداعي، يعيد الأمل في تقديم موسيقى عربية آلية تقدم ألوانا جديدة في التأليف وطرق عزفها المبتكرة.

بين الغناء والموسيقى

حفل كمال سكيكر كشف تأثره بالمزاج التلحيني المصري الذي انتشر في الوطن العربي خلال عشرات السنين

كمال سكيكر، موسيقي سوري تميّز بالعمل على الموسيقى العربية الأصيلة منذ كان طالبا في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، وساهم في تقديم مؤلفات موسيقية شرقية للفرقة الوطنية للموسيقى العربية منذ تأسيسها، وكون لاحقا أوركسترا قصيد التي قدم من خلالها الكثير من الأعمال الآلية الموسيقية، منها كونشيرتو العود الذي وضعه في خمسين دقيقة ليقدم كعمل أوركسترالي ضخم في فرصة قادمة مخصصة له. لكن ذلك لم يمنع سكيكر من العمل على التأليف الغنائي وهو الذي يهتم بالشعر والزجل الذي يحمل قيمة جدية.

ويقول سكيكر في ذلك لـ”العرب” “قدمت أعمالا في الموسيقى الآلية منذ مرحلة مبكرة منها تحميل نهاوند وسماعي نهاوند عندما كنت في السنة الرابعة في دراستي في المعهد العالي للموسيقى في عام 2004. وكذلك كنت متجها نحو الغناء، فلحنت لشاعر صديق هو عاصم الأزروني قصيدة اسمها طيف وقدمت بقيادة المايسترو عصام رافع في الأوبرا السورية”.

ألحان مصرية

ويتابع الفنان متحدثا عن طبيعة الغناء في الموسيقى العربية “الموسيقى العربية غنائية حتى من دون كلام، يتضح ذلك من خلال الخط اللحني الواحد الذي تمتاز به، والمؤلف من جملة تبنى لها مقدمة وتفاعل وخاتمة. والمزاج الغنائي يدخل في صلب الموسيقى العربية عموما. وفيه قدمت عدة قصائد للشاعر بدوي الجبل منها قصيدة شقراء والحب والله ويا قمر. واتجاهي التلحيني الأساسي نحو الفصحى لكنني ألحن في غيرها. وأنا عاشق للكلمة سواء كانت باللهجة السورية أو المصرية أو اللبنانية أو غيرها، فهنالك وقع خاص للكلمة في أذني، ويلفت نظري أي نص فيه معان راقية وجادة تخدم الموضوع الموسيقي”.

 وعن تجاربه الموسيقية التي قدمها واستطاع بها تحقيق فن نوعي يقول “في عام 2020 قدمت في حفلي في دار الأوبرا مؤلفا للكمان مع الأوركسترا وقدمت آخر للطبلة وهو شكل لم يكن موجودا قبلها. وكانت هنالك مقطوعات آلية عديدة، واحدة اسمها ليلى، وهي أوركسترا وكورال متعدد الأصوات، وهنالك العديد من المؤلفات الآلية في الموسيقى التي كتبتها، من أهمها عمل كبيرهو كونشيرتو العود، وأنتظر فرصة ملائمة لكي يقدم للجمهور بالشكل المناسب”.

مشروع فني يعيد إحياء التأليف الموسيقي العربي

وعن هاجسه في تقديم موسيقى آلية صرفة يتابع “كمؤلف سوري أمتلك شغف تقديم موسيقى آلية بحتة، وهنالك موسيقيون آخرون يمتلكون ذات الهاجس، لدينا في سوريا موسيقى آلية وغنائية، ولكن طابع موسيقانا غنائي بحت، وهو ما يمكن أن نعمل عليه ونوجد من خلاله موسيقى آلية صرفة”.

كشف الحفل الأخير لكمال سكيكر تأثره بالمزاج التلحيني المصري الذي انتشر على مساحة الوطن العربي خلال عشرات السنين وبات جزءا من وجدانه، وهو يقول عن ذلك “هو أمر طبيعي، فتاريخ الأغنية السورية لا يحمل ملامح وجود واضحة وقوية، على خلاف ما كان عليه الحال في مصر، فالأغنية في مصر وجدت بشكل قوي وامتد تأثيرها إلى سوريا وكانت تقلد فيها. وبسبب بعض القائمين على الأغنية السورية في الإذاعة فإنهم حجموها بعدد من المبدعين، وهذا ما كان له دور سلبي في قوة حضورها عربيا”.

ويتابع “نشأت كشاب على الأعمال الموسيقية المصرية، فأنا أعرف موسيقى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وبليغ حمدي والقصبجي وغيرهم. ومن الطبيعي أن ينعكس تأثري بهم على الموسيقى التي أقدمها”.

وعن اللون اللحني الذي أوجده في مقطوعات الحفل يبين سكيكر “في الشكل الطربي حضرت المدرسة المصرية، وقدمت فيها أغنيتين حاولت صياغتهما على منوال بليغ حمدي وسيد مكاوي. لكنني في التوزيع خرجت من هذا الإطار، فقدمت القالب الموسيقي العربي أوركستراليا، وأدخلت فيه الآلات الغربية منها البيانو الذي قدم إيقاع السماعي العربي. وفي الجانب غير الطربي الذي قدم في الحفل، استخدمت آلة الترومبيت وأعطيتها مساحة كبيرة، وعمدت إلى تصوير معاني الكلام. لنقدم طرحا موسيقيا جديدا قائما على العلم الموسيقي الذي يقدم قيمة مضافة وهوية موسيقية تحمل الخصوصية”.

Thumbnail
'