الشاعر اليمني يحيى الحمادي: الإمساك بناصية الشعر ما يزال حلما – مصدر24

الشاعر اليمني يحيى الحمادي: الإمساك بناصية الشعر ما يزال حلما

يتأثر الأدباء وغيرهم من المبدعين بالبيئة التي يعيشون فيها، فتنعكس في أعمالهم بشتى تقلباتها، ولكن هذه البيئة قد تتجاوز دائرة التأثير الإيجابي لتصبح مؤثرا سلبيا، وبين هذا وذاك يعيش الشعراء اليمنيون كجزء من مبدعي هذا البلد. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعر اليمني يحيى الحمادي حول واقعه وأدبه.

عدن – يتصدر الشاعر اليمني يحيى الحمادي مشهد الشعراء الشباب في اليمن من خلال حضوره المؤثر، غير أنه في حديثه لـ”العرب” يخشى من الوقوع في فخ الشهرة الإعلامية التي باتت -كما يقول- قرينا في كثير من الأحيان بالتفاهة، في ما يصفه “الزمن المقلوب الذي سقطت فيه المعايير وانعكست المفاهيم، وأصبح الانتشار فيه ملازمًا للتفاهة وأربابها”.

ويعتبر الحمادي أن الأدب الحقيقي ما يزال يقاوم الانقراض، ويقاتل من أجل التنفس، فمهما بلغ انتشاره وسط هذا الكم الهائل من التفاهات فإنه يظل في حدوده الدنيا مثيرًا للشفقة، مستدركا “ما دامت الأغلبية الساحقة في صالح التفاهة فما علينا إلا احترامها كما يقول أحدهم؛ والاحترام هنا لا يعني القبول بواقعها الطارئ ولا القنوط من تغييره، بقدر ما يعني الارتقاء عن مزاحمته أو قتاله، فنحن لم نُخلق كي نصطاد الحشرات بحسب تعبير نيتشه”.

ناصية الشعر

في العودة إلى روافد التكوين الثقافي، يقول الشاعر الحمادي إن تكوينه الثقافي يستند على الموروث الأدبي العربي، وقراءات متفرقة في الأدب الحديث والمعاصر وأدب المهجر، وبعض المترجمات من الأدب الإنجليزي والروسي، بالإضافة إلى شذرات فلسفية وتاريخية، وبالرغم من حضوره اللافت في المشهد الشعري اليمني والعربي، يرى أنه لم يمتلك ناصية الشعر بعد.

بوكس

ويضيف “هذا شرفٌ لا أدّعيه، وهو ما يزال حلمًا مسوّرًا بالمعجزات والخوارق، أما الثمن الذي دفعته وما زلت أدفعه في سبيل الشعر فهو السكينة، بكل أشكالها وألوانها؛ وللقارئ الكريم أن يتخيل معنى أن تكون شاعرًا في وطن ينام ويصحو على انفجار هنا، وانتكاسة هناك، وعلى خذلان هنا، وخيانة هناك”.

ويتابع “في الوقت الذي كان ينبغي على الشاعر أن يكون قيثارةً، أو بلبلًا يوقّع ألحانه على غصن بنّ أو عنقود عنب، إذا به يتحول إلى متسوّل للبهجة. هذا إذا لم يكن قد تحوّل إلى دمعة عريضة تغطي مساحة الوطن كله بملوحتها؛ فالشاعر إنما سُمّي شاعرًا لأنه يَشعُرُ فيَشعَر، ويَطرَبُ فيُطرِب؛ تمامًا كالنحلة التي ترتوي صباحًا من رحيق الأزهار في الحقول والبراري، ثم تعود لتحوله إلى شهد في المساء؛ أما في حال كانت الزهرةُ قذيفةً، والرحيقُ حريقًا، فما الذي يُنتظر من النحلة غير الطنين”.

يأخذ “السفر” بوصفة تغريبة ارتبطت بالمخيال اليمني حيزا من شعر الحمادي. وعن قصة السفر في أشعاره، يقول لـ”العرب”: “السفر متلازمة شعورية تكاد لا تخلو منها قصيدة من قصائدي، لاسيما في ديوانَيَّ الأخيرين، وهي تحمل في مكنونها الكثير من معاناة وكفاح اليمني عبر التاريخ، ومن غربته التي ما تلبث أن تستقر حتى تستأنف النزوع والنزوح، والقارئ المتأمل في تاريخ اليمن القديم أو الوسيط أو حتى المعاصر يُدرك مدى هذه التغريبة المتجذرة في أبعد وأعمق مناطق الوعي لدينا كيمنيين، ذلك أننا شعب متحفز للعمل والإنتاج والإبداع، لكنه لا يجد في بيئته ما يحقق ذلك التطلع، فيكون الاغتراب عن الوطن هو الوطن البديل لتحقيقه، وإذا ما تحقق أتت بعده المرحلة الأقسى، وهي مرحلة الحنين إلى الوطن الأول”.

ويتابع الشاعر “اليمني في حنين دائم إلى وطنه حتى وهو فيه، أما في الغربة فقد تشده من قلبه صورةٌ، وتنغص عيشه أغنية؛ ولهذه الأسباب وغيرها يتكون الهمّ لدى الشاعر، لأنه الأشد تأثرًا واستجابة لقضايا وطنه وشعبه، فهو يعيش كل ذلك الصراع ويتمثله في ذاته ويعاني من تبعاته، حتى وإن لم يخض غمار تجربته أو يكتوي بنارها”.

تتأرجح مشاعر الرضى لدى الحمادي حول منجزه الشعري، وعن طريقته في التخفيف من حمل الأبوة الشعرية التي يعاني منها كثير من أبناء جيله، ويقول “لا أعتقد أن ما قدمته إلى هذه اللحظة يرقى إلى أن يكون في مستوى الرضى، ولكني أستطيع القول وبضمير مرتاح إني قدمت موقفًا أشعر أني راض عنه، ولأني كتبت أشعاري بدافع المسؤولية وحسب، فقد استطعت كما أزعم أن أكتب ما أراه من منظار وعيي وحدود ضميري، أما الشعر الذي كنت وما زلت أطمح أن أكتبه وأرضى عنه فما يزال غايةً أسعى لها بما استطعت من الأمل”.

ظلال الحرب

يضيف “أما عن السؤال حول كيفية قتل الآباء فهي كيفية محمودة بلا شك، ولا ترقى إلى مرتبة القتل، فالشاعر أو الكاتب -كما يذكر المازني- يشبه سيارة الرش، لا بد أن يَقرأ ليَكتب. وهو لا بد وأن يتأثر بمن يقرأ له، شاء ذلك أو أبى، لكن كيفية الخروج من ذلك التأثر هي الأهم، وهي لا تنجح إلا بتنويع القراءات في حقول ومجالات مختلفة حتى يتلاشى أو يختفي ذلك التأثر”.

كلما طالت مرحلة غياب أو غيبوبة الجهات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي كلما ازداد حماس المبدعين اليمنيين

ورغم الحرب التي يشهدها اليمن منذ سنوات، إلا أن الشاعر الحمادي يرى أن تلك الحرب لم تلق بظلالها على المشهد الثقافي، الذي يقول إنه يراه “من أخصب المشاهد عربيًّا، إن لم يكن الأخصب”، ويتابع “نحن ما زلنا نكتشف كل يوم أسماء جديدة، ونُفاجَأ بأسماء أخرى أجَدّ، في الشعر والرواية والغناء والرسم وفي شتى حقول الفنون، والعجيب أنه كلما طالت مرحلة غياب أو غيبوبة الجهات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي كلما ازداد حماس المبدعين، وإن كان ذلك الحماس في جانب منه لم يأخذ حقه الكامل في عملية التأسيس والبناء المعرفي اللازم، ولكنه يظل تعبيرًا واضحًا عن الإرادة وتحدي الواقع، وهو بلا شك يبشر بمستقبل أفضل”.

وعن الجانب الآخر من تأثيرات الحرب على الأدباء والمبدعين اليمنيين من جيل الشباب، يضيف “المحزن حقًّا أن هذه السنوات الثقيلة قد حلّت علينا في مرحلة عمرية حساسة جدا، كان من المفترض بأحدنا أن يؤسس فيها كما ينبغي لتجربته الشخصية، أو لحياته الخاصة، ولكنها انعكست بظلالها القاتمة علينا، فأصبح الهمّ المقدس والأكثر إلحاحًا لدى أكثرنا هو قوت يومه، ومثل هذا الشاغل يعكر صفو الكاتب ويستنزف طاقته، ويسجنه في ليلٍ من الاكتئاب والعقد النفسية، فالفرد كما يقول علي الوردي ‘كلما قلّت عقدُه النفسية كلما كان أقدرَ على الانتفاع من قواه الخارقة’”.

وعلى خلاف غيره من الكتاب الذين تجمعهم حالة التحفز ضد النقد بوصفه مقصلة للأدب، يصف الحمادي النقد بأنه “المرآة الصادقة التي يتمنى كل كاتب أن يقف أمامها ليكتشف مواطن الكمال والجمال، ومكامن النقص والاختلال في شخصيته”.

 ويستدرك “لكن من سوء حظنا جميعًا كشعراء شباب في هذه المرحلة أن مواهبنا وطاقاتنا الإبداعية نبتت في موسم قاحل، وظلّت رغم استحالة نموها تقاوم عوامل السقوط عبر التغذية الذاتية؛ وبالإضافة إلى الخذلان الذي مورس على الكتاب والأدباء أتى خذلان إضافيّ تَمثّل في غياب النقد وعدم مواكبته للمشهد الثقافي بما يتوازى مع كثرته ونوعيته، فلقد نما هذا المشهد وشهد العديد من التحولات دون أن يجد توجيهًا وتشجيعًا ممن يفترض بهم أن يكونوا الرافد الطبيعي لهذا الزخم، ويعملوا بأقصى طاقاتهم على تنميته وتوضيح القصور والتجاوز فيه”.

ويواصل قوله “لقد أدى تخلي النقاد عن رسالتهم ودورهم الرائد إلى ظهور المتطفلين، وتحوّل النقد إلى عملية استرضاء ومجاملات يوزعها الكتاب على بعضهم حتى لا يفقدوا شغفهم بالكتابة والإبداع”.

كتب

'