الصفقة مع إيران تأجلت… أو صارت مستحيلة – مصدر24

الصفقة مع إيران تأجلت… أو صارت مستحيلة

تأجلت الصفقة الأميركية – الإيرانية في شأن الملف النووي الإيراني… بل صارت فرص التوصل إليها شبه معدومة في ضوء المواقف الإيرانية المتصلّبة التي تجعل أي تفاهم مع طهران من دون الخضوع لشروطها من رابع المستحيلات.

 

قبل أسابيع قليلة كان الاتجاه إلى إتمام مثل هذه الصفقة. تبدو حظوظ التوصل إليها الآن ضئيلة، حتّى لا نقول معدومة.

 

هذا ما تشير إليه آخر المحاولات الأوروبية التي قادتها ثلاث دول هي بريطانيا وألمانيا وفرنسا من أجل ميني صفقة بديلة مع “الجمهورية الإسلامية” تسمح لها بالانتظار إلى ما بعد الانتخابات النصفية الأميركية في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل… والانتخابات الإسرائيلية. لا تفصل عن الانتخابات الإسرائيلية سوى ستة أسابيع تقريبا. أيّ صفقة أميركية – أوروبية تعقد مع إيران في هذه الأيام، في شأن ملفها النووي، ستضر بتحالف يائير لابيد – بني غانتس، أي بالصيغة القائمة للحكومة الإسرائيلية الحالية. سيكون بنيامين نتانياهو، الذي يكرهه رجالات إدارات بايدن والرئيس نفسه، المستفيد الوحيد من ذلك…

 

لكنّ البيان الصادر أخيرا عن حكومات بريطانيا وألمانيا وفرنسا يوحي بأنّ الميني صفقة المعروضة على إيران، بمباركة أميركية، مرفوضة إيرانيا، علما أن هذه الصفقة تستهدف تمرير مرحلة معيّنة فقط… في انتظار إتمام الصفقة الكبرى في الوقت المناسب. ما العمل عندما ترى إيران أن الانتظار لا يفيدها في شيء وترفض فكرته من أساسها؟

 

 ما ينطبق على العراق، ينطبق على سوريا حيث ترفض إيران الاعتراف بأن لا أفق سياسيا لاستمرار دعمها لنظام أقلّوي مرفوض من شعبه

تقوم ميني الصفقة التي روّجت لها بريطانيا، بالتفاهم الضمني مع أميركا، على الإفراج عن أموال إيرانية محتجزة، بموجب العقوبات الدولية والأميركية، في بريطانيا نفسها واليابان وكوريا الجنوبية. تبلغ قيمة هذه الأموال نحو 16 مليار دولار!

ليس معروفا لماذا كلّ هذا التصلّب الإيراني، كذلك ليس مفهوما إصرار إدارة جو بايدن على عقد صفقة كبرى مع “الجمهورية الإسلامية” في مرحلة ما بعد انتخابات الكونغرس، وذلك بغض النظر عن نتائجها. تكمن مشكلة الإدارة في أنّ الانتخابات النصفية للكونغرس تفرض عليها التمّهل وتأجيل يوم الثأر من دونالد ترامب الذي مزّق الاتفاق النووي مع إيران في العام 2018. يفرض التمهّل كون الإدارة تعرف جيّدا أن التوصل إلى مثل هذه الصفقة في الأسابيع التي تفصل عن الانتخابات ستضرّ بفرص محافظة الديمقراطيين على أكثرية في مجلس النواب وعلى ما يشبه أكثريّة في مجلس الشيوخ.

في هذا المجلس، الذي يضمّ 100 عضو، يكون الحسم حاليا بفضل صوت نائب الرئيس الذي يستطيع تقرير أين الأكثرية في ظلّ اقتسام الجمهوريين والديمقراطيين المقاعد المخصصة للشيوخ. هناك خمسون ديمقراطيا و48 جمهوريا ومستقلان. هذا يعني أن صوت نائب الرئيس (رئيس مجلس الشيوخ)، وهو حاليا كامالا هاريس، يمثل الحاجز أمام خسارة الديمقراطيين أي تصويت في مجلس الشيوخ.

بكلام أوضح، يبدو وضع إدارة بايدن في غاية الدقة قبل الانتخابات النصفية التي يتوجب عليها تحقيق انتصار فيها كي لا يصبح ساكن البيت الأبيض أقرب، إلى ما يسمّى في العاصمة الأميركية، “البطة العرجاء”.

ما الذي يجعل إيران تتصلّب على الرغم من معاناتها من وضع اقتصادي سيء إلى أبعد حدود؟ لا جواب عن هذا السؤال إلا إذا أخذنا في الاعتبار أن “المرشد” علي خامنئي لا يستطيع إعطاء الضوء الأخضر لأي صفقة مع “الشيطان الأكبر” لا ترفع العقوبات المفروضة على “الحرس الثوري”. يأتي ذلك في وقت بات النظام الإيراني أسير “الحرس الثوري” كلّيا في ضوء سيطرته على مفاصل السلطة والاقتصاد.

من خلال التصلب الإيراني، يمكن تصوّر لماذا لا تستطيع “الجمهورية الإسلامية” تقديم أي تنازل في أي مكان ما وفي أي بلد تحتله أيضا. هذا ما يفسّر تصرفها العدائي في العراق، حيث ترفض التعاطي مع واقع أن معظم الشعب العراقي، بمن في ذلك الشيعة، يعترض على ممارساتها ذات الطابع الاستعماري والعنصري.

ما ينطبق على العراق، ينطبق على سوريا حيث ترفض إيران الاعتراف بأن لا أفق سياسيا لاستمرار دعمها لنظام أقلّوي مرفوض من شعبه وأنّه لن يكون مسموحا لها في المدى الطويل في استخدام الأراضي السورية لابتزاز إسرائيل وغير إسرائيل كالأردن ودول الخليج العربي. كذلك الأمر بالنسبة إلى لبنان الذي أصبح بلدا فقيرا من دون مؤسسات يحكمه “حزب الله”. يبقى اليمن الورقة الإيرانية الوحيدة الرابحة، علما أنّ قوى معينة على الأرض، مثل قوات العمالقة، نجحت في الحدّ من توسع الحوثيين منذ بداية السنة الحالية.

 أيّ صفقة أميركية – أوروبية تعقد مع إيران في هذه الأيام، في شأن ملفها النووي، ستضر بتحالف يائير لابيد – بني غانتس

ترفض إيران الاعتراف بأنّها دولة من دول العالم الثالث ليس لديها أي نموذج ناجح تصدره إلى خارج حدودها، باستثناء إثارة الغرائز المذهبيّة ونشر الميليشيات. كذلك، ترفض إيران الاعتراف بأنّ حليفها الروسي يعاني من تراجع وأن حربه على أوكرانيا تحولت إلى حرب خاسرة بعد مضي ما يزيد على ستة أشهر عليها. يمكن أن تصل هذه الحرب التي ستستمر أشهرا أخرى إلى هزيمة عسكرية روسية قد يدفع فلاديمير بوتين ثمنها غاليا!

مرّة أخرى، يبدو أن “الحرس الثوري” غير مستعد للتصالح مع الواقع الإقليمي ومع العالم الحضاري بأي شكل. لا يستطيع “الحرس” قبول أن تكون إيران دولة تهتمّ بأمور شعبها المسكين قبل أي شيء آخر. قد يكون ذلك وراء الذهاب إلى النهاية في الخيار الكوري الشمالي، أي امتلاك السلاح النووي وابتزاز العالم والمنطقة بهدف الوصول إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر” بشروط “الجمهورية الإسلامية”.

كل ما يمكن قوله إن البيان البريطاني – الألماني – الفرنسي يضع كثيرا من النقاط على الحروف ويطرح السؤال الحقيقي الأهم: هل مسموح أن تكون إيران دولة نووية؟

طرح البيان نقاطا في غاية الأهمية في مقدمها التشديد على استمرار “الجمهورية الإسلامية” في تطوير برنامجها النووي بشكل غير مقبول. هذا أمر مرفوض من الحكومات الأوروبية الثلاث ومن أميركا. يعني ذلك يأسا أوروبيا من متابعة التفاوض مع إيران. إلى أين سيقود هذا اليأس؟ الأهمّ من ذلك كلّه، هل قررت “الجمهورية الإسلامية” التصعيد في مرحلة أميركية وإسرائيلية في غاية الدقّة؟

'